بعدُ., فلم أصل لخريف العمر, ولا أعلم- أساسًا- إن كنت سأصله أم سأنزل المحطة القادمة؟ لكني بت أتخيل شكل خريف العمر, من خريف العام. المزاج متقلب, والطقس متقلب, هواء عليل بارد بغير أذى, ما أحلاها الدنيا, فإذا الغرورة دنيا والدنيا غرورة, و الهواء البارد يتسلل إلى فقرات الرقبة, و الوجع يظلل الظهر, ويسكن الرأس, تسرع إلى الملابس, تلتقط ما قد يمثل درعًا واقية, فتفاجأ أن امرأتك لم تستعد بعد للفصل الجديد, لم تخرج ملابس الشتاء, وتُفاجأ أنت صباحًا, أن أكتوبر تقمس دور أغسطس, فتخلع السترة, لتثبت أنك ما وصلت بعد للخريف, فتهطل الأمطار بلا دعوة موسمية. ملابس الشتاء, لم ترسلها أم هشام للمكوجي, وملابس الصيف باتت حلم ليلة صيف, لا ملابس خاصة بالخريف, كذابون مَن يقولون لك إن عالم الموضة يقدم تعريفًا لملابس خريفية. الشجر الذى نرعاه, لا يعبأ بالرعاية, يطرد أوراقه فتصفر مريضة وميتة على الأرض, وشعرك يغزوه البياض, لا يُصلح العطار ما أفسد الدهر, الصبغة كذب محض, والحناء شعارها (لا أكذب ولكني أتجمل), وأنت أنت, سواء صبغت البياض أم تركته, فاتركه, فتلك سنة الحياة, وعادة الخريف. وواهم مَن يتصدى لسنة الحياة, هو ينطح الصخر, أو يقف على شريط قطار العمر, يواجهه بيده المجردة, يتخيل إليه من سحر العقاقير أن القطار سيهدئ من سعيه. أجسادنا هي إعلان التاريخ الحقيقي, كتاب موثق يحمل كل التجارب والذكريات, كل ندبة فوق الجلد نذكرها بتأنٍ, نعرف متى وكيف وأين التصقت بنا؟. مغامراتنا تركت آثارها بالجسد, ورحلات عشقنا بقيت في القلب. القلب عكس الشَعر, يبدأ من حيث ينتهي لون الشعر, وقد ينتهي بما بدأ به لون الشعر, نولد على الفطرة البيضاء, قلوبنا طيور بيضاء, ريشها الثلج, ومناقيرها من ماس, لفرط الإحساس, تأخذنا الدنيا, فلا ندري, وما إن ندري حتى يغزو اللون الأسود جناح العصفور. المحظوظون فقط, هم أولاء الذين يحصنون عصافير قلوبهم من تراب الدنيا و عواصف البشر. و هل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟ نعم يصلح ..يصلح مضغة وحيدة بالجسد, يصلح القلب, هناك عطارون كثر, ومحلات عطارة كثيرة, بإمكانك زيارتهم والنظر في بضاعتهم, وشراء بعض وصفاتهم, وستجد النتيجة السحرية الفورية.عطارون يسكنون كتبا قديمة صفراء كالذهب, وكلهم يأخذون من مشكاة النبوة, وخلاصة كل وصفاتهم حبة.. مجرد حبة, تقيك صداع الخريف, حبة عرفتها قلوب الأنبياء, وذاقتها قلوب الأحبة.. هي حبة محبة..جربوها و ادعو لي. [email protected]