أكد الدكتور حسين حنفى عمر -عضو الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور- أن مواد الدستور المصرى الجديد أعطت الرئيس محمد مرسى سلطات ليست من حقه، مشيرًا إلى أن أعضاء اللجنة التأسيسية اضطرت لوضع مواد انتقالية للحفاظ على مكتسبات الثورة رغم عدم دستوريتها. وقال عمر إن الجو العام فى مصر غير ملائم لكتابة الدستور خاصة أن شبح الإلغاء يطارد الجمعية التأسيسية، مبينًا أن الهيئات القضائية كانت السبب فى إثارة الخلاف بحثًا عن نصيب الأسد من الاختصاصات، مشيرًا فى الوقت نفسه إلى أنه لولا الصراعات السياسية لانتهت الجمعية التأسيسية من كتابة الدستور، وأن الأعضاء يستعدون لعرض مواد الدستور للمناقشة فى أكتوبر القادم. وإلى نص الحوار ** فى البداية.. ما كل هذه الخلافات حول الدستور؟ مع الأسف.. كل الهيئات القضائية هى السبب فيما يحدث الآن، فكل هيئة قضائية تريد أن تأخذ بنصيب الأسد فى الدستور الجديد، وتريد أن تتوسع فى اختصاصتها. ** لماذا تعترض الهيئات القضائية على الدستور؟ لأن النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، كانتا تستمدان جزءًا من اختصاصتهم من المادة 167 من دستور 71، والتى كانت تنص على أن يتولى تحديد الهيئات القضائية القانون والذى يحدد اختصاصتها وتشكيلها، لكن ما يحدث الآن أن كل هيئة قضائية تريد أن يكون لها موضع دستورى داخل صلب الدستور نفسه، وهذا هو سبب الانزعاج والوقفات الاحتجاجية على الدستور. ** وهل الإشكالية تنحصر فى الهيئات القضائية فقط؟ نعم.. الإشكالية تنحصر فى الهيئات القضائية، وخاصة هيئة قضايا الدولة وهيئة النيابة الإدرية، فلدينا مقترح بتحويلها لهيئة نيابة مدنية، وكنا نتمنى أن تدمج النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة فى القضاء العادى والقضاء الإداري، وحينما رفض هذا الاقتراح من قبل القضاء العادى ومجلس الدولة كان علينا أن نقنن أمرًا واقعًا، وهو أن كل من هيئة النيابة الإدرية وهيئة قضايا الدولة موجودة فى نظام القانون المصرى منذ أكثر من 60 عامًا. ** هناك تأكيدات أن الدستور لن يتم كتابته بسبب كثرة الخلافات داخل التأسيسية؟ فى الحقيقة أنا مندهش من تلك التأكيدات التى تتحدثين عنها، فالكل يطالب اللجنة التأسيسية بالسرعة فى وضع مشروع الدستور حتى تستقر الأوضاع، وعندما بدأنا فى كتابة الدستور بدأت الأصوات تعلو بأنه يجب ألا يكتب الدستور، فلا ندرى إلى ماذا تهدف هذه الأصوات ولمصلحة من! ** ومتى يتم الانتهاء من كتابة الدستور؟ فى نهاية شهر أكتوبر، ولولا اعتراض بعض الهيئات القضائية لكن مشروع الدستور جاهز الآن. ** ما تقييمك لعمل الجمعية التأسيسية للدستور؟ جميع اللجان داخل التأسيسية تعمل ليل نهار، وتواصل مناقشة جميع المقترحات المطروحة، وقد انتهت جميع اللجان من عملها بسبب التوافق على مواد الدستور، وينقصها فقط الصياغة الأخيرة للدستور من قبل لجنة الصياغة. **هل تعتقد أننا نتجه إلى دستور لا يعترف بالدولة المدنية ويؤسس لمفهوم الدولة الدينية؟ إطلاقًا.. الدستور يحتفظ بمقومات الدولة المدنية الديمقراطية، ولامجال فيه للدولة الدينية، حتى نص المادة الثانية والتى تتعلق بالشريعة الإسلامية متوافق عليه منذ دستور71، سواء فى كلمة الشريعة الإسلامية هى مصدر التشريع، أو بتعديل 81 هى المصدر الرئيسى للتشريع، مما يعنى أن الدستور لن يأتى بجديد من ناحية تغيير سيكولوجية، أو من ناحية تغيير مفهوم الدولة من ليبرالية أو مدنية إلى دينية، فمازلت الدولة مدنية تحظى باستيعاب كافة طوائف المجتمع. ** ما الاختلاف بين الدستور الجديد وبين دستور 71؟ لا يوجد تغيير جذرى.. ولكنه تغيير رائع، وأعتقد أن به جزءًا كبيرًا من الذى كنا نتمناه، فهو دستور متكامل بنسبة 100% لكن يعيبه بعض الأشياء. ** مثل ماذا؟ نص المادة المتعلقة بأحقية رئيس الجمهورية فى إبرام المعاهدات الدولية، تحتاج إلى إعادة ضبط، وأيضًا سلطات رئيس الجمهورية مازالت كبيرة، وكان يجب تقنينها، ونقل بعضها إلى البرلمان، بالإضافة إلى بعض المقترحات الجديدة، مثل النيابة المدنية والتى كانت يجب أن توجد فى القانون وليس فى الدستور. ** لماذا؟ لأن التعديل الدستورى أمر صعب، ولا نحدد التعديلات الدستورية إلا فى أضيق نطاق ممكن وفى أصعب ظروف، أما مسألة عمل أنظمة تجريبية فى الدستور فهذا مدعاة للعبث فى الدستور من جديد. ** وما هى أبرز المواد الخلافية والتى أثارت مناقشات حادة بين الأعضاء فى الدستور الجديد؟ المادة المتعلقة بهيئة النيابة الإدرية، فهيئة النيابة الإدارية تريد وضع نص خاص بالهيئة داخل الدستور لحماية أنفسهم من أى سلطة تشريعية أو تنفيذية. ** وهل هذا من حقهم؟ النيابة الإدرية تعرضت فى الفترة الأخيرة للكثير من المعوقات والمشاكل وسلب الاختصاصات سواء من المشرع أو من السلطة التنفيذية، ولذلك هى فى حاجة إلى إصلاح فإما أن يتم دمجها لمجلس الدولة أو يتم التوسع فى اختصاصاتها. ** وكيف سيكون وضع النيابة الإدارية فى الدستور؟ قمنا بوضع نص خاص بها، على إنها هيئة قضائية مستقلة، رغم أنها جاءت فى صلب قانون السلطة القضائية، وبالتالى فهى سلطة قضائية خاصة. ** إذًا لماذا كل هذه الاعتصامات والاحتجاجات؟ لأن هناك بعض القضاة فى القضاء العادي، مثل المستشار حسام الغريانى قالوا إن هيئة النيابة الإدرية يجب ألا توضع فى الدستور وإنما يجب وضعها فى القانون، وعندما حدث نزاع تم تشكيل لجنة ثلاثية مع النيابة الإدرية وهيئة قضايا الدولة، فى محاولة لدمجهم فى القضاء العادي. ** وماذا عن هيئة قضايا الدولة؟ إشكالية هيئة قضايا الدولة فى المطالبة بأن يكونوا هيئة قضائية مستقلة أسوة بالنيابة الإدرية وأعضاء مجلس الدولة، لكننا نسعى فى الدستور الجديد أن يكونوا الوقود لإنشاء النيابة المدنية، ويقومون بمباشرة الدعاوى المدنية. ** وما المواد التى لم تثر أى خلاف؟ قبل أن تجتمع اللجنة كان هناك 99% من مواد الدستور متوافق عليها، لكن الخلاف كان على لجنة نظام الحكم، فنحن نغير نظام الحكم من نظام رئاسى إلى نظام برلمانى أو مختلط، يترتب على التغير فى طبيعة نظام الحكم تغير فى اختصاصات السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والقضائية، فنحن لا نكتب دستورًا من جديد فقد اعتمدنا على الدساتير السابقة، فاستقينا أحكامًا من دستور23، ودستور 71، بالإضافة إلى الدساتير المؤقتة كدستور 56، ومشروع دستور54، كما اطلعنا على دساتير الدول المجاورة مثل الدستور الأمريكى والفرنسى والألمانى. ** هل اختيار أسلوب التوافق فى التصويت على مواد الدستور من قبل اللجنة التأسيسية موجود فى كل دول العالم؟ بالطبع.. فأفضل النصوص التى تأتى بالتوافق. ** وماذا إن لم يحدث هذا التوافق المنشود؟ وضعنا حلاً بديلاً.. وذلك أن نقوم بالتصويت على كل مادة من مواد الدستورعلى حدة، ويجب أن تكون الموافقة على المواد 67% أى نسبة الثلثين حتى يتم الموافقة على المواد المطروحة. **البعض يقول إن من له حق التصويت على المواد ليس لهم علاقة بالدساتير والقوانين؟ غير صحيح.. فليس شرطًا أن يكونوا قانونيين، والجمعية كان لابد أن تضم جميع فئات المجتمع من الأدباء والمفكرين والحزبيين. ** هل تعتقد أن الإعلان الدستورى المكمل الذى ألغاه الرئيس محمد مرسى كان من الأهمية لضبط عملية التوافق على بنود الدستور؟ بغض النظر عن طريقة إلغائه وعن شرعيتها، وهل هذا من حق الرئيس أم لا، لكنه تحسبًا لحالة عدم الاتفاق، وعدم نجاح مهمة اللجنة يستطيع الرئيس تشكيل لجنة جديدة تتكفل بوضع الدستور. ** هناك دعوى قضائية تطالب ببطلان الجمعية التأسيسية هل تعتقد أن التأسيسية باطلة وسيتم قبول الدعوى؟ هناك احتمالية لإلغاء الجمعية، لكن نتمنى ألا يحدث ذلك، وتستمر الجمعية فى إنجاز مهمتها، خاصة أنها أنجزت عملها فى وضع مشروع الدستور. ** لكن هل هذا سيؤثر فى كتابة الدستور وعلى اللجنة التأسيسية؟ بالطبع.. فشبح الحكم يطارد الجمعية فكلما يقترب موعد الجلسة تسرع اللجنة على عجالة فى كتابة المشروع، وعندما يحدث تأجيل كنا نبدأ البحث من جديد ونأخذ الوقت فى التمهل، لذلك مثل هذه الأحكام تطارد الجمعية التأسيسية ومجهوداتها، وكنت أتمنى أن تؤدى اللجنة عملها فى مناخ أكثر ملائمة. ** هناك تضارب فى القوانين المصرية، فهل الدستور الجديد وضع حلاً لهذه الإشكالية؟ بالطبع.. نقوم بفلترة مثل هذه التشريعات وأى تشريع مخالف للدستور نقضى بعدم دستوريته، ولذلك كل القوانين ستكون متوافقة ولا مجال للقوانين المتناقضة. ** كيف سيكون نظام الحكم فى الدستور الجديد رئاسى أم برلمانى أم مختلط؟ نظام مختلط يجمع بين وجود رئيس جمهورية منتخب، وحكومه منتخبة. ** هل سيكون دستوريًا أن تجرى الانتخابات الرئاسية بعد كتابة الدستور الجديد أم أن هناك بندًا سيتم أضافته ليستكمل الدكتور محمد مرسى فترة الرئاسية على أن يدخل الانتخابات القادمة؟ قمنا بوضع أحكام انتقالية، وهذه الأحكام الانتفالية لمعالجة مكتسبات الثورة فليس من المنطقى أن أعيد انتخاب رئيس جديد بمجرد كتابة دستور جديد "إحنا مصدقنا بقالنا رئيس"، لكن دستوريًا يجب أن تتم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد وضع الدستور، وفى هذه الفترة الحرجة التى تمر بها البلاد يكفينا انتخابات مجلس الشعب، بالإضافة إلى أنه سيتم حل مجلس الشورى. **هل سيتحول مجلس الشورى إلى مجلس شيوخ؟ سيكون هناك تغيير جذرى فى السلطة التشريعة، حيث سيكون هناك مجلس بغرفتين مثل الدول الديمقراطية وهما مجلس النواب ومجلس الشيوخ، ولم نغيرالاسم فقط ولكن التغيير فى التشكيل والاختصاصات أيضًا، فمجلس الشورى إذا كان سيظل كما كان دوره استشاريًا فقط يجب الغاؤه، لأنه يكلف الدولة أموالاً باهظة، وهذا أفضل من الناحية التشريعية والسياسية بأن يكون هناك مجلس له بالفعل اختصاصات فعلية ويكون جدير بوجوده. ** وماذا عن اقتراح عدم جواز أن تحل سلطة سلطة أخرى تفاديًا لما حدث مع مجلس الشعب؟ هناك سلطة الحل المتبادل، فالبرلمان يستطيع أن يسحب الثقة من الحكومة وتستطيع الحكومة أن تحل البرلمان باعتبارها جزءًا من البرلمان، فتستطيع أن تدعو إلى انتخابات مبكرة، وبالتالى تقوم بحل نفسها وحل البرلمان. ** ألا ترى أن هناك ضرورة ملحة وحتمية للقضاء على ظاهرة مافيا الانتدابات بالنص على ذلك فى الدستور بإلغاء ندب القضاء دون استثناء أو ندبهم بقواعد قانونية صارمة ومحددة تنطبق على الجميع لا على هيئة المستفيدين؟ هناك نص على أن القاضى قاضٍ منصه فقط إلا فى الحالات التى يسمح بها القانون، وهذا نص صريح ولا يجوز مخالفته. ** البعض أصابته حالة من الهلع من تقليص الحريات وخاصة للمرأة فى الدستور الجديد؟ مشروع الدستور حرص على ما لم يحرص عليه دستور71 بالنسبة للمرأة، ورغم أن المادة 17 تنص على أن المواطنين جميعًا سواء لا يجوز التفريق بينهم بسبب الجنس أو الدين أو العقيدة، إلا أنه أفرد نصًا خاصًا للمرأة، وفعل ما لم تفعله الدساتير الأخرى، فالدستور أعطى مكانه خاصة للمرأه لدرجه أن الرجال أصبحوا يطالبون بالمساوة بالمرأة وليس العكس. ** وماذا عن الأقباط؟ المادة الثانية خاصة بالأقباط وغيرهم من الشرائع السماوية، فقد سمحت لهم أن يحتكموا إلى شرائعهم، وبالتالى هناك تقنين لما هو واقع يطبق على أهل الشريعة الإسلامية وأصحاب الشرائع الأخرى. ** وأصحاب الديانات الأخرى؟ المادة 8 فى الدستور تنص على أن حرية الاعتقاد مطلقة، فالدستور أطلق العنان لحرية الاعتقاد، فالذى يريد أن يلحد أو يكفر أو يعبد الشيطان أويصبح بهائيًا المذهب، فالدستور يكفل له حرية ذلك، لكنه قيد إنشاء دور العبادة إلا لأصحاب الديانات السماوية الثلاثة، فلا يجوز إنشاء معبد لعبدة الشيطان أو المثليين، لكنه يسمح لهم بحرية الاعتقاد الداخلية داخل منازلهم. ** الكثير بدأ فى تسريب بعض البنود التى أثارت حفيظة الشارع مثل بند إلغاء تجريم التجارة بالنساء والأطفال وغيرها من البنود التى تعيدنا لعصور الجاهلية ما صحة هذا؟ وهل بالفعل يمكن أن نصل إلى حد التفكير فى مثل هذه الأفكار؟ كل هذه المقترحات تم حذفها، فهذه كانت مجرد مقترحات قالها بعض الأعضاء فى الجمعية، وتم رفضها إذ لم يتم التوافق عليها.