قضاء مصر الشامخ ونيابة مصر المستقلة وكبيرها الذي لا يُعزل وكتائب الأمن التي عصفت بالأدلة وشهود الزور في قضايا قتل الثوار، قالوا الكلمة الفصل، إن الثورة حدث عارض باغت النظام من شعب تعود منه حاكمه دومًا الذل والانقياد، وأنه لا مفر من عودة النظام البائد حاكمًا للبلاد، لتعود لأنصاره وحوارييه امتيازاتهم وما كانوا يرفلون فيه من نعيم. والمتابع للمحاكمات في طول البلاد وعرضها عينه لا تخطئ المشهد، فلا حكم إدانة واحد ضد قتلة الثوار رغم ما قدّم من شهادات وما تم توثيقه وتناقلته وسائل الإعلام لشتى بقاع المعمورة، فبرّأ القضاء جميع مَن قدموا للمحاكمة تارة تذرعًا بعدم كفاية الأدلة، وأخرى بإعمال حق الدفاع الشرعي عن النفس أو الأخذ بشهادات شهود النفي والإعراض عن شهود الإثبات، وكأنها خطة ممنهجة نسج خيوطها خلفاء مبارك في مؤسسات الفساد التي صنعها على عين على مدار السنين! ثم كان حكم محكمة موقعة الجمل هو الأبرز بين تلك الأحكام لتتضح به الصورة تمامًا، وهو أن المساعي لا تتوقف من أجل الانقضاض على الثورة، واغتيال حلم الشعب المصري الذي خلع رأس النظام متوهمًا أنه هو الفاسد الوحيد في حين أنه ترك من خلفه مؤسسات كاملة تعمل بذات طريقته وترسانة من التشريعات المعيبة تعيق المسيرة وتعرقل الإصلاح . وبخروج جميع القضايا براءة وخاصة كبار أركان مبارك يجعلنا في مواجهة بين شرعية شعبية ثورية ورغبة جارفة في التطهير واجتثاث الفساد، وبين أخرى مضادة انتقامية مسعورة مدعومة داخليًّا وخارجيًّا بعودة نظام مبارك المخلوع، بل إن البعض بدأت تراوده أحلام بعودة مبارك نفسه إلى الحكم مرة أخرى وبأحكام القضاء. ولا شك أن هؤلاء يملكون المليارات التي جمعوها سُحتًا ونهبًا، ويتحالفون مع التيار اليساري المتأمرك، والنخب الفاسدة المأجورة، ويملكون مع شركائهم القنوات الفضائية الفاسدة، التي لا تكف عن التضليل والتحريض وترويج الأكاذيب، كلهم يعدون العدة للعودة بقوة ورفع قضايا تعويضات على الدولة وإحداث إرباك وفتن معيشية يومية يأملون أن تنتهي بعزل ومحاكمة الرئيس. السيد الرئيس شرعيتك الشعبية لا تكفي ونظافة يدك وطهرك وسلامة مقصدك ورغبتك الصادقة في الإصلاح ومحاربة الفساد أشياء وحدها لا تُجدي، ووقوف الجماعة والحزب من ورائك لا يردع هؤلاء، إنما يردعهم المحاسبة الحقيقية والنكال والإيلام، فالنظم السياسية، لاسيما إن كانت عقب ثورات لا تدار بحسن النوايا، والخطب البليغة المرسلة والوعود البراقة، إنما تدار بإجراءات حية ملموسة تُشفي صدور أولياء الدم، وتكفل الكفاف للمحرومين وتوفر لهم الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية، وتطهر معاقل ومراتع الفساد، وهذا كله لا يأتي إلا بشرعية الثورة التي نادت من يومها الأول بإسقاط النظام الذي يعود تدريجيًّا بشرعية وأحكام القضاء. إن اللجوء إلى الشعب باستفتاء عام لتشكيل محاكم ثورية لمحاكمة هؤلاء محاكمات عاجلة وعادلة تتاح فيها لهم كافة الضمانات الكفيلة بإسباغ الشرعية عليها، هو ما يعيد الثورة إلى مسارها الطبيعي ويرسخ قدمها على طريق الإصلاح الحقيقي، وطي صفحة الظلم والقهر والفساد، أما ترك الأمور تسير في ركاب مؤسسات مبارك واستخدام قوانينه، فهو بمثابة تعبيد الطريق وتمهيده لعودة النظام مرة أخرى بضراوة أشد وانتقام أبشع، ولو أدى في النهاية لحرق وتقسيم البلاد . والله الموفق،،،