بعض الناس يتعاملون مع الدكتور محمد مرسى كما لو كان رئيسًا منتخبًا فى ظل دولة مستقرة، لم تقم فيها ثورة على فساد استشرى لسنوات.. حتى تسلمها الرجل خرابة كبيرة، ودون مجلس شعب، ولا دستور، وأغلب القوانين مفصلة لخدمة رجال الأعمال، و99% ممن كانوا يمارسون العمل السياسى عبارة عن شلة نشالين.. وكل هذا يجعل الرئيس المنتخب بعد ثورة على كل هذا العفن، هو رئيس بدرجة قائد ثورة، وله شرعيتان؛ شرعية الانتخابات، وشرعية ثورة يجب أن تكتمل، واكتمالها أصبح فرض عَيْنٍ عليه.. الغريب أن كثيرين ممن يحملون وصف (مستشار) يتجاهلون كل هذه الحيثيات، ويعمون تمامًا عن رؤية الواقع.. ويثرثرون بعبارات سخيفة من نوعية (يحق لمرسى أن يفعل كذا ولا يحق أن يفعل كذا).. وكلما استمعتُ لثرثرتهم تذكرت ذلك العهد البائد بكل سوءاته وإفرازاته التى لم تزل تعكر صفو ثورتنا وفرحتنا بالتحول التاريخى، ولكن معرفة السبب - كما يُقال- تبطل العجب؛ فكثير ممن يحملون لقب (مستشار) اليوم كانوا داخلين كلية الحقوق ب50% فى الثانوية العامة، فهكذا كانت على أيامهم.. ويبدو هذا المستوى المتدنى فى الفهم فى أسلوبهم وكلامهم، وأقرانُهُم فى هذه الأيام بسم الله ما شاء الله عليهم (أغلبهم راكبين تكاتك)، لكنهم أنفع منهم بكثير لأنهم لا يتكلمون فى السياسة. كيف يقود الرئيس مرسى التحول التاريخى من دولة قمعية فاسدة إلى دولة مدنية نقية وهو مكبل بقوانين تلك الدولة الفاسدة ومحاط بعناصر عريقة فى الفساد؟.. ثم ماذا يريد هؤلاء المستشارون المعترضون؟.. هل على الشعب المصرى أن يتجمع بمئات الآلاف كل جمعة ليستكمل ثورته خطوة خطوة وإقالة وإقالة؟.. وإذا كانت إقالة النائب العام غير قانونية فهل إذا توجه مليون مواطن فى ثورة عارمة إلى مكتبه وأقالوه أيكون ذلك قانونيًّا؟!. إن الذين يرون الآن أنه ليس من حق الرئيس مرسى أن يقيل النائب العام، هم بالمنطق نفسه يرون أنه لم يكن من حق الشعب المصرى أن يثور على مبارك ويخلعه خلعًا، فليس فى الدستور ولا القانون الذى يحفظونه حفظًا أعمى ما يبيح الثورة؛ ولو سألتهم عن قانونية ودستورية الثورة نفسها لأفتوك بأحقية عودة مبارك إلى الحكم وضرورة معاقبة الشهداء!.. إنهم يعيشون فى الوهم خارج سياق التاريخ والواقع. لقد أزاح الشعب مبارك ودولته، ثم اختصر ثورته فى الرئيس المنتخب ووكل الأمر إليه، والمنطق السوى يقول: كل من عينه مبارك بالأمر المباشر يجوز خلعه بالأمر المباشر؛ فقد انخلع من عينه وأصبح جائزًا أن ينضم لقافلة المخاليع؛ وهذا امتداد للفعل الثورى الذى يجب أن ينحنى له القانون والدستور.. لأنه أصبح الحق المستحق بدماء الشهداء. إن الذى يعانيه الرئيس مرسى الآن يعانيه كثير من الوزراء فى وزاراتهم، فقد أخبرنى أحد الوزراء الحاليين أنه يعرف الفاسدين الذين حوله بأسمائهم، ويعلم أنهم يعيقون كل محاولات الإصلاح، ولكنه لا يستطيع أن يفعل معهم شيئًا، لأنهم موظفون بحكم القانون، وإذا عزل أحدهم فسوف يقاضيه ويعود إلى عمله ويكون أكثر فسادًا وإفسادًا، والمخرج الوحيد للتخلص من الفاسد هو أن يُصْدِر قرارًا بترقيته إلى مستشار وعزله من موقعه فى حجرة منفردًا، حتى يدركه الموت أو المعاش!.. أيصبح الحل الوحيد للتخلص من الفاسدين هو ترقيتهم؟!.. إن هذا يجعلنا نعيد النظر فى آليات التحول الذى نطالب به المسئولين، وهذا فى تقديرى يتطلب إضافة مادة انتقالية للدستور الجديد نصها: (كل من تم تعيينه فى عهد مبارك بقرار مباشر يجوز فصله بقرار مباشر مهما كان موقعه)، فهل يدرك كتبة الدستور ذلك؟.. لقد اقترحت تلك المادة ضمن ما سلمته للدكتور محمد البلتاجى فى الجمعية التأسيسية، فليتهم يأخذون بها، وإن كنت لا أظن ذلك. [email protected]