آخذ إجازة يومين ثلاثة، فأعود وقد سالت الدماء، وشركاء الميدان، يستأهلون سكنى اللمان، وأتساءل: هل تبقى بقلمك حبر؟ أم مازال بمقلتيك دمع، نضب الحبر فى التحذير، وتجمد الدمع من فرط التخدير، وأيهذا الشاكي وما بك داءُ كيف تغدو إلى التحرير بكل هذا الحقد. وقد اكتشفتُ بعد أربعين سنة من هواء بلدي، أننا كلنا ألتراس، ومن منا ليس بألتراس فهو في طريقه لأن يتأرتس، كلنا ننظر للأمور بأقصى العينين، لا نرى طريقًا من طرق زمان، أيام كانت الطريق حارة للذهاب وأخرى للعودة، وبينهما نهر خنقناه، صرنا نراها كلها اتجاها واحدًا، إما إلى، وإما من، إما معهم و إما مع الناس الآخرين، والناس الآخرون أيضًا ألتراسيون. هل هناك علاقة بين الشوارع والبشر، بين ازدحام الشوارع، واحتقان أخلاق البشر، أصبح شارع قصر العيني المؤدي الرئيس للتحرير اتجاهًا واحدًا، وصرنا بلد الاتجاه الواحد، بلد اتجاه الكل ضد الكل، ثم ينقسم كلُ كلٍ على بقية الكل. كلنا متعصبون، كلنا لا يرى للآخر دينًا ولا خلقًا ولا فضلاً ولا فائدة، كلنا يرى الآخر شرًا مطلقًا، وعميلاً على الخبث قابضًا مطبقًا. الإخوان انتهازيون، والسلفيون طماعون، والليبراليون فاسقون، والرموز كاذبون، والقضاة مزورون. أصبحت التصنيفات بالمجان، وشيئًا بلا سعر، أطلق صفة على عدوك، وخذ صفتين فوق البيع. فيما السلعة الوحيدة التي نبيعها بأبخس ثمن هي ذلك الوطن الذي نكذب ونسميه(المحروسة). يوم الجمعة انفجر ميدان التحرير بالحقد، بالغل بالحسد بالكراهية، جرام واحد من تلك الصفات مجتمعة، يساوي أطنانا من الديناميت، ومصر الآن لا تحتاج لإشعالها غير صفيحة جاز نادرة الوجود بمحطات البنزين. إيه، حرام عليكم جميعًا، كلكم بلا استثناء، كبيركم وصغيركم، محرضكم ومنفذ جريمتكم، صار الدم ماءً، وصار الماء دمًا، تغضبون من فتحي سرور وصفوت الشريف ورجب حميدة وقاضي الجنايات، والنائب العام، وتبكون الجمل و موقعة الجمل، وشركم أهون من غضب الجمل. تبكون الجمل، وتسيرون سيرة الدب الذي قتل صاحبه، فبأسكم أيها الثوار بينكم شديد، تجتمعون وقلوبكم شتى. تختلفون على منصة فتفجرون ميدانًا، الكل كبير، مع أن الكل صغير، والكل مدان، مع أن الكل يدعي أولوية الميدان. فأفٌ لأمة لا تغادر الجدل، ويعيش رموزها كالقمل بالجسد، وكالضفادع فوق المنصات. نحن في زمن الألتراس، في زمن العصبية، في زمن أنفسنا، فويل لنا من أنفسنا. [email protected]