الرؤساء تاج فخار على رؤوس بلادهم إن كانوا محسنين, ووصمة عار فى الجبين إن كانوا مسيئين, وانظر معى أيها القارئ الكريم إلى بعض المشاهد التى أنقلها لك عبر حقبة تاريخية أبدأ فيها من عند ملك الحبشة حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المستضعفين من مسلمى مكة بالهجرة إلى الحبشة لكونها يحكمها ملك لا يُظلم عنده أحد, فكانت هذه الشهادة عنواناً لبلاده يذهب إليها كل من أراد الأمان.. وحين صاحت المرأة و"ا معتصماه" مستنصرة بالخليفة المعتصم, كانت هذه الصرخة عنواناً على قوة الدولة الإسلامية آنذاك, واستعدادها لنصرة أفرادها على مستوى العالم كله, وحين قامت ثورة يوليو فى وجه الاستعمار وحررت البلاد وظهر الرئيس عبد الناصر كشخصية شعبية على مستوى الوطن العربى كان ذلك له أثر كبير فى مكانة مصر على المستوى العربى والإسلامى, بالرغم من تحفظاتى الشديدة على منهج الرئيس عبد الناصر فى تعديه على الإخوان المسلمين وقوانينه التى افتقدت للعدالة خلال فترة حكمه علاوة على جرأته التى أضرت بالبلاد, ولما تولى السادات وقاد معركة التحرير عادت للمواطن المصرى كرامته عام 73 بعد ست سنوات ذقنا فيها مرارة هزيمة 1967 ولكنه لم يلبث أن عقد معاهدة سلام منفرد وأقول منفرد؛ لأن المعاهدات جائزة شرعاً, ولكنه لم يرع حقوق الرفقاء وأنهى حالة الصراع بلا حلول ترضى الأمة العربية، وبالتالى عشنا حالة اللا سلم واللا حرب التى انقسم فيها العالم العربى وقوطعت مصر وفازت إسرائيل فى النهاية وحولت هزيمتها فى معركة 73 إلى مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية فصار الحال به إلى المشهد الختامى فى المنصة بعد شهر واحد من قرارات التحفظ التى اعتقل فيها كافة القوى السياسية المناهضة لنظام حكمه.. ثم جاء حسنى مبارك كرئيس دولة أشبه بالموظف الحكومى البسيط فلم تكن له شعبية ولم تكن له رؤية سياسية أو انتماء فكرى, ولم يلبث أن ظهر على حقيقته فهو قاطع لأرحامه عزيز على شعبه, خاضع لأعدائه.. وكنا نشعر بالمعرة ونحن فى السجون والمعتقلات, كيف يكون هذا رئيساً لمصر وكأن السادات أراد أن يُعرفنا مقداره باختياره نائباً له وبالفعل عانى الوطن كله من خلال حكمه وأصبحت سيرة الموطن المصرى سيئة على مستوى العالم لسكوتنا على هذا الحاكم, ولم يكن أحد يسعد بذلك الرئيس سوى أعداء الأمة فكانت إسرائيل تشكره وتثنى عليه, وكانت الولاياتالمتحدة تؤكد أنه حكيم زمانه وحليف استراتيجى من طراز فريد, كيف لا؟ وقد فتح أبواب البلاد أمام العابثين بأمنها واقتصادها وثقافتها, بل واسهم فى تدمير القوات العراقية التى تعتبر احتياطياً استراتيجياً للأمة العربية فى صراعها مع خصومها, بل وسارع فى حصار المد الإسلامى فى البلاد العربية تحت دعوى كاذبة تسمى مكافحة الإرهاب!! هذا ولم يكن يُقدم إلا النصيحة المخلصة لأعداء البلاد ليمرر قراراتهم بلا سلبيات!! ثم إننى تعجبت حين كان يسافر إلى البلاد العربية ليؤكد لهم أهمية تجويع الشعوب حتى لا تهتم بالسياسة أو تنازع فى شئون الحكم بل وتكون مشغولة بلقمة العيش وحالة الفقر المدقع, والأعجب من ذلك كله أنه حوّل بعض أجهزة الدولة إلى مؤسسات تتجسس على المواطن وتتواصل مع الأعداء على مدار الساعة تمدهم بالمعلومات التى تضر بأمن الوطن وسلامته.. ولما قامت ثورة يناير 2011 نفض الشعب المصرى عن نفسه غبار مرحلة سابقة واستعاد حريته وكرامته أمام المجتمع الدولى فصار المواطن المصرى يشار إليه بالبنان بعد أن تخلص من حكامه, واليوم بعد أن نجحت الثورة وتولى رجل من أبناء الوطن رئاسة البلاد عن طريق انتخابات حرة وإرادة شعبية كاملة, بدأنا نشعر أننا نسير إلى الأمام ونرتقى فى الدرجات نحو المكانة اللائقة بمصر فالسياسة الخارجية فى تحسن ملحوظ والشأن الداخلى تزداد فيه شعبية الرئيس يوماً بعد يوم حتى أن بعض أنصار الفريق شفيق صرحوا بأنه لو عادت الانتخابات لاختاروا الدكتور مرسى. وهنا نؤكد لزوم إعطاء الرئيس وفريق عمله الفرصة الكاملة لإزالة أثار العدوان وتحسين وجه مصر وسمعتها واتخاذ القرارات الشجاعة – وليست الجريئة – لأن الأولى تتضمن النظر فى العواقب وحساب المآلات، أما الجريئة فهى التى تكون فى عجالة وبلا تقدير لما يترتب عليها من تداعيات. ولا شك أن قرارات الرئيس المهمة فى هذه المرحلة كانت موفقة وحازت القبول فى الأوساط المختلفة اللهم إلا عند الذين يعيشون أحلام عودة النظام القمعى الذى ترعرع فيه نفوذهم وتضخمت فيه ثرواتهم, فهؤلاء لا يُلتفت إليهم, لأنهم لا يهمهم إلا مصلحتهم, ولا ينظرون إلى تاج الفخار أو وصمة العار!!. إن من بين التحديات التى تواجه الرئيس إنقاذ سمعة الوطن مما اعتراها فى الماضى, ومحو الصحيفة السوداء الكبيرة, والبدء فى الصفحة الناصعة البياض التى نسطر فيها جميعاً تاريخ مصر فى هذا العصر من الحرية والكرامة والبناء والتعمير. والله المستعان