"اللواء باقى" صاحب فكرة تدمير خط بارليف.."مترى" أول مجند يأسر جنرالاً إسرائيليًا.. و"ناشد وجرجس وأنور": شعارنا "الجبهة أولى بينا من بيوتنا" تعتبر محافظة سوهاج، من أكثر محافظات الصعيد تضحية فى حرب أكتوبر، وكان للأبطال من الأقباط دور مشرف فى هذه الحرب. "المصريون"، التقت عددًا من هؤلاء الأبطال الذين شاركوا فى حرب الكرامة، وسطروا عنوانًا عظيمًا يشهد على اللُحمة الوطنية. البطل (ناشد عطية موسى) من مواليد قرية المدمر مركز طما بمحافظة سوهاج عام 1937، أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، كان وقتها مجندًا بالجيش المصرى، برتبة رقيب بالجيش الثانى الميدانى، سلاح مشاة. وعن ذكرياته خلال الحرب يقول: (كانت لحظة العبور من أهم اللحظات التى يحتفظ بها كل مصرى شارك فى الحرب، كنا جميعًا غاية فى السعادة عقب إصدار الأوامر للقوات بالعبور). وأضاف، أنه قبل إصدار الأوامر بالعبور، فوجئ الجيش الثانى الميدانى بطائرات العدو الإسرائيلى وهى تحلق بالقرب من منطقة تمركز الجنود، وعلى بعد يحميها من نيرانا، وألقت طيارات العدو كميات كبيرة من المنشورات التى تطالب فيها الجنود المصريين بعدم الانصياع إلى تعليمات وأوامر قادة الجيش المصرى، وبعد دقائق معدودة قام أحد الجنود بالحصول على منشور من تلك المنشورات التى تلقيها طائرات العدو. وتابع فى حديثه: إنه جاء بها إلى الكتيبة وهو يبتسم، قائلًا: (شوف يا فندم العدو رمى إيه من الجو، متهيألهم إننا ممكن نسيب بلدنا ليهم، شوف يافندم شكل إللى بيديهم الأوامر عبيط، مش عارفين إننا بنحب بلدنا بجد). وأشار، إلى أنه (وقت العبور كان قلبنا كلنا كأننا راجل واحد، وكلنا كنا بنهتف الله أكبر ودى كانت بتدينا قوة كبيرة، وبدأت الحرب واشتدت النيران وكان جنبى زميل ليا اسمه محمد أصيب بطلقة فى رجله أخدته وشلته ودخلت فى خندق وربطتله الجرح بتاعه ووقفت النزيف لحظتها لقيت ضرب النار اشتد علينا من كل مكان، والحمد لله قدرت أنا ومحمد من قتل 7 جنود إسرائيليين فى ظرف عشر دقائق بس". وأكد، أنه قام بتدمير 3 دبابات إسرائيلية بمفرده، وأسرت أحد الجنود وتبين بعد ذلك أنه ضابط إسرائيلى برتبه ملازم ولما روحت بيه للقائد وكنت فى عز فرحتى يومها. واختتم حديثه قائلاً: بعد انتهاء حرب الكرامة انتهى بى الأمر أن أعمل عاملًا باليومية، وأقعدنى المرض داخل منزلى أنتظر القدر المحتوم، دونما يعرفنى أحد. البطل (جرجس كميل توفيق) أيضًا أحد أبناء محافظة سوهاج، الذين شاركوا فى حرب أكتوبر، وسطروا تاريخًا لا يُنسى ولا يُمحى من ذاكرة الأمة. لم يكن يجيد القراءة أو الكتابة، فكان يرعى أرضه برفقة والده وأخيه الصغير (كامل)، حتى أن وقت تجنيده ليقدم نفسه للتجنيد، ليصبح بين عشيةٍ وضحاها واحدًا من الجنود المصريين الذين ينتظرون بشغف مواجهة العدو الإسرائيلي. وعن دوره فى الحرب يقول: "كنت حكمدار مدفع، عديت وعبرت وكان معايا مدفع مكنة، شلته فوق ضهرى وعديت بيه ولما طلعت فوق الضفة كانت فى دشمة دمرتها وبعدها عدت كل الفرقة بتاعتى بسلام". وأضاف، "قعدنا منتظرين نحارب بفارغ الصبر، ولما جانا قرار العبور كنا فى قمة السعادة، ولما بدأت الحرب قائد فرقتى أصيب بطلق نارى فى القدم وفضل يضرب نار ويقاتل لحد آخر طلقه فى الذخيرة وفضل ماشى على رجله لحد ما وقع وشلناه لحد ماتم نقله الى المستشفى وعرفت بعد ماخلصت الحرب انهم بتروا رجله". حكاياتُ كثيرة يرويها البطل (جرجس) من بينها قيامه بالاستيلاء على دبابة إسرائيلية وأسر 3 جنود بمفرده بعد قتال معهم استمر أكثر من نصف الساعة. كما كان للبطل الشاب وقتها "أنور فارس" دور بطولى فى حرب أكتوبر، فقبل 50 عامًا يروى ل"المصريون" أنه كان يمارس عمله فى فلاحة الأرض بصحبة والده، دون أن يشغله المستقبل كثيراً، لكن الأنباء الواردة بشأن «النكسة» كانت كفيلة بتغيير كل شىء، ويقول عن بداياته: «رميت المعول واتقدمت للتجنيد، وفى ظرف أيام أصبحت على الجبهة أمام إسرائيل». يقول ابن سوهاج، إنه وجد نفسه شاهداً على استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض «استُشهد قدامى»، وكنت شريكاً فى حرب الاستنزاف. وأوضح، أنه بعد انتهاء الحرب ب7 أشهر، عاد من تجنيده وتسلم خطاب تعيينه فى مديرية التربية والتعليم، ضمن 60 شابًا وقتها تم تعيينهم فى وظيفة "عامل نظافة". استمر فى الوظيفة حتى قرر أن يلتحق بالتعليم، فالتحق بالصف الأول الابتدائى وحصل على الشهادة الابتدائية وبعدها يلتحق بالتعليم الإعدادى والثانوى "منازل" وتتم ترقيته ليصبح كاتبًا بإحدى المدارس. وعن هذه المرحلة يقول "كانت بالنسبة لى حرب أخرى خضتها مع الحياة، وحاربت عشان أكمل تعليمى وآخد الشهادة". واختتم حديثه قائلًا: "نفسى الدولة تدور على الجنود اللى شاركوا فى الحرب وتكرمهم ويعاملونا زى القادة إحنا برضوا حاربنا كجنود مع القادة". بينما كان للواء (باقى زكى يوسف ياقوت)، دور آخر كان مشرفًا لكل أبناء الصعيد وعلى رأسهم أبناء محافظته فى سوهاج. البطل باقى، لواء أركان حرب، مهندس وضابط جيش مصرى قبطي، من مواليد مركز طما شمال محافظة سوهاج فى عام 1931. تخرج فى كلية الهندسة جامعة عين شمس قسم ميكانيكا عام 1954، والتحق بالقوات المسلحة فى ديسمبر 1954، وتدرج فى القوات المسلحة حتى رتبة لواء. شهد حرب أكتوبر 73، وكان وقتها رئيسًا لفرع المركبات بالجيش الثالث الميدانى برتبة مقدم، وهو صاحب فكرة تجريف رملة خط بارليف على الضفة الشرقية لقناة السويس باستخدام خطوط المياه. يقول اللواء باقى (قبل العبور كنا نمر بحالة نفسية صعبة فجميعنا يرغب فى الانتقام ومحو هزيمة 67 والجنود كانوا دائمى التساؤل لنا كقادة " ها نحارب ولا لأ" وكنا نصبر أنفسنا ونصبرهم بأننا سنحارب، ولم نكن متأكدين فعلًا سنحارب أم لا). وأضاف، كانت هذه حالتا حتى جاءت الأوامر لنا بالإعداد للحرب، وكانت أمامنا عقبه كبيرة تمثلت فى "خط بارليف" وكانت الاقتراحات متعددة منها تدميره بالصواريخ أو القنابل ومن بين الاقتراحات، كانت عدم المقدرة على تدميره، حتى جاءتنى فكرة فتح ثغرات باستخدام خراطيم المياه وهى فكرة لم أكن معدًا لها أو مخططًا لها بالفعل فقد اقترحتها بشكل عفوى تمامًا. وعن الفكرة، أكد أنها جاءته من عمله فى السد العالى، وساعده فى ذلك مواصفات خط بارليف نفسه، لأن قربه وميله جهة المياه كان سببًا فى نجاح الخطة، لأن الميل يدفع المياه، وقربه من الماء تصل بها الرمال إلى القاع بسرعة. وتابع فى حديثه: (قبيل ساعات قليلة من الحرب تقريبًا قبلها ب19ساعة نزلت إجازة سريعة مدتها 4 ساعات اطمأننت خلالها على زوجتى التى كانت تضع مولودنا الأول وأمسكت بيدى وقالت لى "توكل على الله والزيارة اللى جايه عايزاك تنزل ومعاك النصر). وأكد، أن زوجته رفضت أن يمد إجازته السريعة ساعة أخرى قائلةً له: "مصر أولى بيك مننا"، ليعود بعدها إلى كتيبته وتبدأ الحرب وتكون فكرته مفتاحًا للنصر الكبير الذى حققه الجيش المصرى مدمرًا أسطورة الإسرائيليين بأن خط بارليف لا يُقهر. حصل اللواء (باقي) على نوط الجمهورية العسكرى من الدرجة الأولى ووسام الجمهورية من الطبقة الثانية، وتقاعد من القوات المسلحة عام 1984، وتوفى قبل إعداد هذا التقرير بشهور . فيما كان للبطل (خليفة مترى).. أول جندى مصرى دور بطولى مختلف، حيث قام بأسر جنرالًا إسرائيليًا، ورفض إطلاق سراحه فى مقابل 3 ملايين دولار. (خليفة مترى ميخائيل) مواليد عام 1945 بقرية سفلاق التابعة لمركز ساقلته شرق محافظة سوهاج، يبلغ من العمر 83 عامًا، قضى منها أحد عشر عامًا يقاتل فى الكتيبة 83 صاعقة بالجيش المصري. شارك (خليفة) فى حروب اليمن والنكسة والاستنزاف وأكتوبر، وأبلى بلاءً حسنًا بمهارته القتالية المتميزة التى تمكن من خلالها من جذب انتباه وأنظار قادته فى الكتيبة لشجاعته ومهارته فى القتال. كما شارك البطل المقاتل فى عملية "السبت الحزين" بتكليف مباشر من الرئيس عبد الناصر فاستطاع البطل السوهاجى من أسر الجنرال الإسرائيلى "مائيل دورى" حيًا ليكون بذلك أول جندى مصرى يأسر قائدًا إسرائيليًا برتبه جنرال. وعن واقعة أسر الجنرال الإسرائيلى يقول: "لما شاركت فى عملية السبت الحزين كان فى ضابط إسرائيلى يومها بيقول كلام وشتايم على قادة الجيش المصرى فأقسمت يومها إنى أجيب رأسه بأى شكل، ومن حظى تمكنت من أسره خلال العملية وقمت بربطه من ذراعية بعد أن جردته من سلاحه". وأضاف: "بعد ما تمكنت من أسره عرض على الجنرال الأسير 3 ملايين دولار علشان أطلق سراحه ورفضت وأصررت على تسليمه للقائد بتاعى وقولتله دى هديتى لمصر يافندم". (خليفة) كانت مهمته خلال حرب أكتوبر، هى قتال دبابات العدو وتعطيلها حتى تتمكن القوات المصرية من عبور خط بارليف، وبالفعل قام هو و4 من زملائه من تعطيل قول إسرائيلى متحرك مكون من 8 دبابات و3 مركبات عسكرية وتم تدميرها بالأسلحة المضادة للدبابات. يعيش (خليفة مترى) وسط أسرته وأحفاده يروى لهم قصص البطولة والانتصارات التى قام بها هو ورفاقه، ويعمل حاليًا فى مهنة تجارة المواشي، مكتفيًا بما تدرها عليه من دخل، يكفيه ذل السؤال بعيدًا عن المسئولين الذين تجاهلوا تكريمه أو حتى دعوته لحضور إحدى احتفالات النصر التى تقيمها الدولة سنويًا.