بعد أحداث يناير 2011، وتنحي مبارك.. بدأ الاستعداد "لانتخاب" رئيس جديد يتولى مهام ومسئولية الحكم في مصر، كان المتوقع أن يكون رئيسا، ليس كأي رئيس. رئيس يمحو آثار الماضي السلبية، يعيد لمصر مكانتها الإقليمية والدولية، رئيس بنكهة ديمقراطية مميزة، رئيس يحترم الشعب ويجبر الشعب على حبه واحترامه. حتى كان شهر مايو للعام 2012م، والذي شهد أول منافسة حقيقية، جمعت ثلاثة عشر مرشح، يتنافسون ويتبارون فيما بينهم بشرف، لنيل أعلى منصب في البلاد. كانت الانتخابات الرئاسية المصرية هى حديث الساعة، وحديث واهتمام العالم كله، وكانت المصطلحات السياسية التي كنا نسمعها عن بعد، أصبحنا نراها ونعايشها ونصنعها بأيدينا لمستقبلنا.. فكانت "المناظرة" الشهيرة، والتي أعلت من نجم مرشحين، وخفت من نجم آخرين! وكان "الصمت الانتخابي" الذي التزم به الجميع.. إعلاميون، مرشحون، جموع المصريين.. حتى جاء يوما 23، 24 مايو لعام 2012 ونزول الملايين من المصريين شباب، وشيوخ، نساء، رجال، مراهقين، مثقفين، وكل فئات الشعب وبكامل رغبتهم وبإرادتهم الحرة وبشغف للإدلاء بأصواتهم، ووقوفهم بالطوابير أمام اللجان الانتخابية، غير عابئين بمشقة طول الانتظار، في مشهد لم يتكرر من قبل ولن يتكرر فيما بعد! لم يشكُ أحد من ضجر أو تأفف، لم نستمع إلى أغنيات وطنية، برغم أهمية الحدث، لم نشاهد رقصات، أو راقصات وراقصين! لم نسمع "زغاريد" ليس لها معنى أو داعي! بل كنا صامتين، يكسو وجوهنا هيبة الوقار والجدية لأهمية الحدث الجلل.. ولكن كان بداخلنا فرحة غريبة، وهبنا الله إياها، نتطلع فيها لرؤية مصر جديدة، قوية، ناهضة بعد سنوات عجاف، فقدنا فيها الانتماء للوطن! كنا على ثقة بأنفسنا، وواثقين أن القادم أفضل، وأن صوتنا سيفرق في رجاحة كفة مرشح دون الآخر. وبمرور الأيام تغير كل شيء، ويبدو أن ما ذكرته كان أمل يراود الكثير مننا، وحلم جميل ليته طال واستمر، لنفيق على انتخابات العام الحالي 2018، انتخابات ليس لها علاقة بسابقتها، وكأننا في دولة أخرى، وناس غير الناس! ماذا جرى؟ ما الذي تغير؟ وما هذا الابتذال في المشهد الانتخابي بالشارع المصري؟ وهل هذه تسمى انتخابات؟ أم "تزكية"؟ أم تجديد ثقة للرئيس السابق؟! عفوًا.. انتخابات مارس 2018، فأنا لست معترفة بك، ف الممارسة الحقيقية الوحيدة للديمقراطية وللعملية الانتخابية الوحيدة، كانت ولا تزال متمثلة في انتخابات مايو 2012.