كتبت سلسلة من مقالات عن سلبيات الحركات الإسلامية المعاصرة منذ نشأتها وحتى اليوم تحت عنوان أفكار تجاوزها الزمن، كانت ستة مقالات استعرضت فيها أهم السلبيات التي صاحبت مرحلة النشأة واستمرت حتى الوقت الحاضر، وخصصت لكل فكرة من الأفكار التي تجاوزها الزمن مقال، حاولت فيه توضيح أصل الفكرة ووضعها في سياقها التاريخي، وحتى الأفكار الجيدة من حيث أصلها كيف أن استمرارها بنفس الشكل الذي ظهرت عليه منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن أفسدها، وانتهى بها إلى عكس مقصودها وكرت على أصل فكرتها بالبطلان، وكيف أن هذه الأفكار الجيدة لو تطورت تطورا إيجابيا لأنتجت خيرا كثيرا للمجتمعات والدول. في هذا المقال أحاول أن أكتب عن أفكار للزمن القادم أفكار للمستقبل عل يكون فيها النفع أو الفائدة أو يقوم أحد بتطويرها أو وضعها في سياقات أكثر نفعا. بداية على الحركة الإسلامية في مجموعها وبمختلف تنظيماتها أن تتحرر من فكرة أنها البديل للدول والمجتمعات العربية والإسلامية، وعليها أن تنفض عنها ركام الأفكار الصدامية التي تقول أن تلك الدول والمجتمعات ليست إسلامية وكأنها تملك الصكوك التي تمنحها الشرعية. التأكيد على أن الدول والمجتمعات إسلامية وإن شابتها بعض المخالفات أو بعدت كثيرا عن أصول الفكرة الإسلامية سواء من حيث التأصيل الفكري او من حيث الممارسة العملية أكثر فائدة لعملية الإصلاح، على الأقل يجعل من صفة الإسلامية مرجعية شرعية لمطالبها. ثانيا: فكرة التنظيم الهرمي فكرة تجاوزها الزمن وأصبحت إلى التاريخ منها أقرب إلى الواقع، وأضحت من مخلفات الفكر التنظيمي الإداري وحري بمن يريد الإصلاح البحث عن أنسب الأشكال الإدارية لمسايرة واقع متحرك غير راكد ولا يثبت على حال والتطور هو الحاكم. فتبحث عن أشكال تنظيمية مفتوحة تجوز مراحل الانغلاق أو الجمود، وربما كان الشكل الهرمي أو الدائري أو الشبكي أنسب لمقتضيات العصر أو تتطور الأشكال التنظيمية بما يخدم حركة الإصلاح، فالتنظيم في الأصل وسيلة وليس هدفا في ذاته، وما فسدت حركات الإصلاح إلا حينما تحولت التنظيمات إلى هدف مقدس لا يمس. ثالثا: الدول والمجتمعات ما عادات تتحمل قضايا السرية وما يترتب عليها من تهويمات أو أفكار سردابية، وكان مما يقوله أستاذنا الراحل الدكتور فريد عبد الخالق عليه رحمة الله إن الهواء إذا أغلقت عليه يفسد بما بالنا بأي شيء غيره، السرية هي مدعاة لتوسيد الأمر إلى غير أهله واستحكام شبكات المصالح وتكوين الجيوب واستبعاد كل صوت مخالف تحت دعاوى باطلة، وما يترتب على السرية من احتكار للمعلومات، وكل مستبد سواء في التنظيمات أو الدولة يحتكر المعلومات لأنها من أقوى وسائل تحرر الأفراد وبناء الآراء على بينة، أما المستبد فيريد الناس عميان جهال ليسهل عليه سوقهم ولو إلى حتفهم. رابعا: العالم الحديث ما عاد يتحمل الخطاب العام الذي يصلح لكل مجتمع ولكل دولة ولكل حالة، الإصلاح بحاجة إلى خطاب متخصص عماده العلم والمعرفة، وليس التخصص بعمومه بل التخصص الدقيق، العالم الآن هو عالم التخصصات الدقيقة، والكلمة المسموعة فيه للأكثر تخصصا وعلما وإدراكا، أما زمن الوعاظ والخطباء الذين يتكلمون في كل شيء ويدعون معرفة كل شيء فقد عفى عليه الزمن. العالم الآن هو عالم أهل التخطيط للواقع واستشراف المستقبل، أهل الإحصاء والقياسات الدقيقة ورفع الواقع كما هو لا كما يظن الخطباء والوعاظ. خامسا: زمن الفرد السوبرمان انتهى وليس هناك من يحيط علما بكل موضوع ولا من احتكر العلم بكل قضية وليس هناك هذا الفرد القادر على إدارة الأفراد والمجموعات في كل مجال، العصر لم يعد عصر القدرات الخارقة ولا الأفراد الخارقين، للقدرة البشرية حدود، وللطاقة الإنسانية مستويات لا يمكن أن تتعداها. هذا عصر احترام الحدود، والاعتراف بالقصور البشري والبناء عليه وليس تجاهله أو تجاوزه. سادسا: الزمن لم يعد زمن الأفراد إنما هو زمن المؤسسات، زمن الأفراد ولى إلى غير رجعة (على الأقل حتى الآن) صحيح أن الأفراد قد يكون لهم الفضل في بذر بذور الإصلاح إنما لا يتعهد تلك البذور إلا مؤسسات صالحة ومهيئة وبيئات صحية قادرة على الإنبات. الزمن الحالي هو زمن المؤسسية والإدارة المؤسسية القائمة على الشفافية والعلنية واحترام التخصص واعتبار الكفاءات ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب. سابعا: أي عمل غير قانوني لن يكتب له النجاح فضلا عن الاستمرار، فمراعاة القوانين واستكمال المقومات القانونية من حيث الشكل والموضوع واستيفاء المتطلبات هو أمر لا غنى عنه حتى لو طال الطريق أو تعقد تلك المتطلبات، إنما الاستسهال باعتماد أشكال للإصلاح غير قانونية هي محاولات مآلها الفشل والتجربة والتاريخ خير شاهد.