تتواصل المظاهرات الشعبية في إيران منذ 5 أيام، لتنتقل من "مشهد" ثاني أكبر المدن في البلاد إلى مدن أخرى عديدة، وتصل العاصمة طهران، وهذا مؤشر على أنها قد لا تكون مجرد فورة طارئة في مدينة واحدة ثم يختفي أثرها، مع ذلك يجب الحرص والتأني في وصف ما يحدث بأنه انتفاضة أو ثورة، لأن إخماد هذا الحراك الشعبي متوقعاً، فالنظام المستبد لن يسمح بزعزعة وجوده، وأي نظام مستبد في أي بلد يفعل ذلك، ونظام إيران على استعداد للذهاب إلى آخر مدى في قمع أي حراك شعبي، في 2009 فعل ذلك مع حشود المتظاهرين الذين خرجوا للاحتجاج على إعلان فوز الرئيس السابق أحمدي نجاد بالرئاسة، قال المرشحان المنافسان له حسين موسوي ومهدي كروبي إن الانتخابات شابها التزوير لصالح نجاد، انتفض أنصارهما وخرجوا للشوارع، لكن الحرس الثوري أداة حماية النظام القوية تصدى لهم بعنف عندما بدأت السلطات تتيقن من أن ما سُمي بالحركة الخضراء قد تطيح بها، الاحتجاجات بدأت رافضة للتزوير، ثم تطورت إلى الأوضاع المتدهورة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وانتقلت إلى المطالبة بإسقاط النظام، لا تساهل في التعامل مع أي حراك شعبي من جانب المرشد الأعلى الحاكم الفعلي لإيران، والقابض الحقيقي على كل مفاصل السلطة، وصاحب الكلمة الحاسمة في كل صغيرة وكبيرة حتى لو كان هناك رئيساً منتخباً، وحكومة، ومؤسسة تشريعية، فكل ذلك لتصريف العمل اليومي، أما القرار وصناعته فهو في أيدي المرشد. النظام يرى أنه محصن شعبي، يعيش حالة غياب عن الواقع الحقيقي في بلده، ولدى الشعب الذي يحكمه بالحديد والنار منذ عام 1979، يتصور أنه بنى المدينة الفاضلة التي عجزت البشرية كلها عن إيجادها في أي مكان، يعيش حالة إنكار مثل كل الأنظمة في المنطقة، لا يريد أن يعترف بأنه فشل في تحقيق آمال وطموحات الشعب الإيراني منذ 38 عاماً، يتستر خلف المؤامرة الكونية الاستعمارية التي تستهدفه، وتستهدف ثورته الإسلامية، كل كلمة نقد تُوجه إليه، وكل تحرك داخلي أو خارجي ضد ممارساته، وكل خلاف معه، هو تآمر من الشيطان الأكبر "أمريكا"، وأتباعه، يعتقد أنه هبة إلهية في هذه المرحلة التاريخية ليواجه المتآمرين، ويقيم الجنة الموعودة على الأرض الإيرانية، وكل أرض عربية تصل إليها يداه، بل وفي العالم كله، هذا هو التفكير خارج الزمن، والانفصال عن الواقع الذي يجعل الإنجاز والتقدم رهناً بالجهد والعمل والتخطيط السليم والحريات والديمقراطية في الحكم، وليس بالعمائم التي فوق الرؤوس، أوالأوسمة والنياشين التي على الصدور. عايش النظام الإيراني إسقاط عدوده اللدود صدام حسين ونظامه في العراق، وقبله سقوط نظام طالبان في أفغانستان، كما عايش سقوط أنظمة عربية عديدة في الربيع العربي، وكان مع زوال كل نظام يخرج متباهياً بأنه نظام الشعب الذي يلتف حوله وحول ثورته الإسلامية وأنه في منعة من أي تهديدات داخلية، إنما التهديدات التي تستهدفه قادمة من الخارج الناقم على ثورته، هو سلوك التعامي عما يجري على الأرض ويمور في المجتمع من نار مشتعلة بسبب غياب التنمية وتدهور الأوضاع المعيشية والخدمية والكبت السياسي والقيود الحديدية المفروضة عليه، ستار ستاليني في عالم سمته الأساسية الانفتاح والعولمة، واليوم رجال النظام من التيار المحافظ لايزالون يعيشون حالة الإنكار المرضية فيحيلون الاحتجاجات إلى العامل الخارجي الدائم، لكن البعض في التيار الإصلاحي ومنهم الرئيس روحاني يقف في المنتصف يرحب بالانتقادات والاحتجاجات لكنه يحذر من التخريب والعنف، وفي تقديري أنه لا حدود فاصلة كبيرة بين المحافظين والإصلاحيين فكلهم أركان النظام والاختلافات بينهم في التكتيك، وليس الاستراتيجيات. إيران ابنة المنطقة التي تحتل القلب من الشرق الأوسط، وهي موبوءة بالاستبداد التاريخي، وتقاوم بشدة أي محاولات للتغيير في اتجاه التنوير والحداثة والقطيعة مع إرث ثقيل قديم من الطغيان السياسي والديني . [email protected]