يدخل المريض حجرة يجلس فيها طبيب أمراض جلدية.. يسلم على الطبيب.. يجلس أمامه.. يسلمه تذكرة الكشف الموضح بها إسمه..ثم يدور هذا الحوار: الطبيب: أهلاً بك أستاذ عبد العليم..ماهي مشكلتك؟ المريض: مشكلتي هي ( الهرش).. نعم ( الهرش) دكتور..حالة هرش تعتريني وتجعلني أنشب أظفاري في جسدي حتى يتورم.. وهذه المنطقة تحديداً تتحول في لحظات الى جمرات من نار ( يشير الى منطقة الصدر)... الطبيب: متى تعتريك هذه الحالة؟ المريض: في أوقات محددة ومكررة الطبيب: متى؟ المريض: عندما أقابل شخصاً متديناً ..وعندما يكرر أحد كلمة ( الدين ) في حضوري .. في أي حالة منهما يعتريني ( الهرش)..هذا الأمر يرهقني ويضعني في مواقف صعبة ومواجهات مستمرة.. الطبيب: إسمح لي باجراء كشف بسيط على مناطق الهرش المريض: تفضل بعد اجراء الكشف يعود الحوار الطبيب: سامحني أستاذ عبد العليم على هذا السؤال... أملحد أنت؟ المريض: أنا ضد ( حشر) الدين في كل شئون حياتنا..اعتقد بالموجود والمحسوس أما الغيبيات فلا أتوقف عندها كثيراً...ومقتنع أن العلم فقط هو الطريق ولا طريق غيره.. الطبيب: فهمت فهمت.. مشكلتك واضحة وعلاجك معروف..أرجو أن تتحملني وتسمعني جيداً المريض: أتحملك وأسمعك الطبيب: مشكلتك ليست في جلدك ..مشكلتك في قلبك..أي انسان على وجه الأرض خلقه الله ووضع له برنامجاً في قلبه .. بلغة الكومبيوتر ( صتب له) برنامج في قلبه..والبرنامج أسمه الدين..قمت أنت بتعطيل هذا البرنامج..وقمت ( بتصتيب) برنامج آخر اسمه العلم.. رغم أن برنامج العلم هو على قائمة أولويات الدين..والدين يهتم به ويحث عليه ويخصص مكانة متفردة لمن يعمل به.. وقفت أنت على باب الدين وعرفت أن هذا باباً اسمه الدين لكن لم تطرق على الباب ولم تدخل.. لم تعرفه ولم تفهمه ولم تحسه.. بينما دخلت مندفعاً من باب العلم..وبالداخل تعمل وتبحث وتدور ليلاً ونهاراً.. وعندما يصادفك فيه أمراً يوجهك الى باب الدين تتجاهل الأمر وتغمض عينيك وتغلق نوافذ قلبك وتستمر في طريقك.. أنت ترفض كل ما يؤدي الى باب الدين..المشكلة أن الأشياء التي توجهك الى باب الدين كثيرة وكثيرة جداً.. بل وكل الأشياء تذهب بك الى باب الدين ..عندما تقابل متديناً أو يذكر الدين في حضورك من الطبيعي جداً أن تهرش وتأكل جسد وتحديداً صدرك..لماذ؟.. لأن الدين والمتدين يحركوا فيك برنامج الدين المعطل..يتحرك البرنامج فتهرش أنت...وبالمناسبة فمايحدث معك يحدث مع أكثر الناس لكن تتفاوت شدته ما بين الناس بحسب مكانة الدين بالنسبة لهم وحالة برنامج الدين في قلوبهم..الهرش حالة منتشرة أستاذ عبد العليم وعندك أنت مستفحلة.. أما عن حلها فهو واضح ومحدد ولا حل غيره المريض: وما هو؟ الطبيب: لا تكتفي بالوقوف على باب الدين.. جرب مرة واحدة أن تفتحه وتدخل منه حتى ولو على سبيل المعرفة أو من باب الفضول.. أدخل واعرف وحاول أن تتذوق.. مارس هوايتك في التفكير والتحليل والاستنتاج مثلما تفعل في العلم أو يفعل أهل العلم..ومثلما تعطي لعقلك الفرصة للعمل إمنح هذه الفرصة لقلبك..جرب أن تقرأ قرآن..جرب أن تصلي..جرب أن تصوم..جرب أن تذكر الله في لحظات إستثنائية..جرب ولن تخسر شيئاً...جرب وربما تكسب كل شئ... المريض: أقول لك أنني اهرش في جسدي عندما يحضر الدين.. وأنت تقول لي إفتح باب الدين وادخل.. تريدني أن أموت من الهرش؟! الطبيب: لا أستاذ عبد العليم..لا.. لا أريد لك الموت..أريد لك الحياة... وإذا كنت لن تستطيع أن تفعل ما أطلبه منك..إذن أنصحك بأن تذهب الى أي مكان يخلو من الدين ومن المتدينين..بالطبع لن تجد..تعرف لماذا؟.. لأن الدين بداخلك وفي كل قطعة منك..هو الدم في عروقك..والقلب في ضلوعك..والعظام المدسوسة تحت لحمك.. واللحم الذي يكسو عظامك..هو يدك وقدمك ولسانك وكل جوارحك.. هو روحك وقلبك..هو النفس الذي تسحبه والذي تطرده.. هو كل ماظهر منك وكل مابطن..وكل ما كبر فيك وكل ما صغر..أستاذ عبد العليم لن تستطيع الفرار من الدين.. ولن تتوقف عن الهرش... المريض: دكتور...أنت متدين؟ الطبيب: الحمدلله المريض: ربنا يسامحك يا شيخ ( هرررشششششششش شدييييد ومستمر( الطبيب: أهرش أستاذ عبد العليم.. أهرش ..أهرش حتى تموت.. أو .. حتى تحيا...
من كتاب " شكراً بطعم الشوكلاتة " .. قريباً في المكتبات
د. عبدالله ظهري Facebook: elbarjal [email protected]