وانج يي ل بلينكن: على أمريكا عدم التدخل في شؤون الصين الداخلية وعدم تجاوز الخطوط الحمراء    توقعات مخيبة للأمال لشركة إنتل في البورصة الأمريكية    اليوم.. الأوقاف تفتتح 17 مسجداً جديداً    مسؤول أمريكي: واشنطن تستعد لإعلان عقود أسلحة بقيمة 6 مليارات دولار لأوكرانيا    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    وزير الخارجية الصيني يلتقي بلينكن في العاصمة بكين    بداية موجة شتوية، درجات الحرارة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024 في مصر    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    أعضاء من مجلس الشيوخ صوتوا لحظر «تيك توك» ولديهم حسابات عليه    إسرائيل تدرس اتفاقا محدودا بشأن المحتجزين مقابل عودة الفلسطينيين لشمال غزة    جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة للحرب على غزة    900 مليون جنيه|الداخلية تكشف أضخم عملية غسيل أموال في البلاد.. التفاصيل    طريقة تغيير الساعة في هواتف سامسونج مع بدء التوقيت الصيفي.. 5 خطوات مهمة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    شعبة أسماك بورسعيد: المقاطعة ظلمت البائع الغلبان.. وأصحاب المزارع يبيعون إنتاجهم لمحافظات أخرى    المستهدف أعضاء بريكس، فريق ترامب يدرس إجراءات ضد الدول التي تتخلى عن الدولار    «جريمة عابرة للحدود».. نص تحقيقات النيابة مع المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة    ماجد المصري عن مشاركته في احتفالية عيد تحرير سيناء: من أجمل لحظات عمري    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. توجيهات الصحة بتجنُّب زيادة استهلالك الكافيين    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    أحمد سليمان يزف بشرى سارة لجماهير الزمالك    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    رئيس لجنة الخطة بالبرلمان: الموازنة الجديدة لمصر تُدعم مسار التنمية ومؤشرات إيجابية لإدارة الدين    نجم الأهلي السابق يوجه رسالة دعم للفريق قبل مواجهة مازيمبي    ناقد رياضي: الزمالك فرط في الفوز على دريمز الغاني    طارق السيد: ملف بوطيب كارثة داخل الزمالك.. وواثق في قدرات اللاعبين أمام دريمز    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    إصابة 8 أشخاص في تصادم 3 سيارات فوق كوبري المندرة بأسيوط    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    عاجل.. رمضان صبحي يفجر مفاجأة عن عودته إلى منتخب مصر    انطلاق حفل افتتاح مهرجان الفيلم القصير في الإسكندرية    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    بشرى سارة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال رسميًا    ليلى زاهر: جالي تهديدات بسبب دوري في «أعلى نسبة مشاهدة» (فيديو)    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    رمضان صبحي يحسم الجدل بشأن تقديم اعتذار ل الأهلي    نقابة محاميين شمال أسيوط تدين مقتل اثنين من أبنائها    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    هاني حتحوت يكشف تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    "حزب الله" يعلن ضرب قافلة إسرائيلية في كمين مركب    مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    عيار 21 يسجل هذا الرقم.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 أبريل بالصاغة بعد آخر انخفاض    بالصور.. مصطفى عسل يتأهل إلى نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    مصدر نهر النيل.. أمطار أعلى من معدلاتها على بحيرة فيكتوريا    برج العذراء.. حظك اليوم الجمعة 26 أبريل 2024 : روتين جديد    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخ الأزهر.. الصامد في وجه العاصفة
نشر في المصريون يوم 22 - 04 - 2017

تمنى أن يكون طيارًا والتحق بكلية أصول الدين بناءً على رغبة والده.. درس بالسربون وله العديد من الكتب المترجمة من الفرنسية إلى العربية
«جبهة علماء الأزهر» قالت عن «الطيب» بعد اختياره شيخًا الأزهر: من أفهم الناس لمعنى الدين
رد على تقرير لجنة الحريات بالكونجرس عن أوضاع الأقباط فى مصر بلهجة حادة غير مسبوقة.. وجمد الحوار مع الفاتيكان لسنوات
بعد اندلاع ثورة يناير حذر من انزلاق البلاد فى الفوضى الكاملة.. ودعا شباب الميدان إلى الحوار
أعاد إحياء هيئة كبار العلماء.. لتقوم باختيار شيخ الأزهر بدلاً من رئيس الجمهورية
أصدر «وثيقة إرادة الشعوب العربية» تأييدًا للثورات.. وقال إنه «ليس بوسع حاكم الآن أن يحجبَ عن شعبه شمس الحرية»
أيد المظاهرات ضد «مرسى» وحضر اجتماع 3يوليو.. وقال إن «العنف والخروج المسلح على الحاكم معصية كبيرة لكنه ليس كفرًا»
نفى علمه المسبق بموعد فض اعتصام «رابعة».. وتبرأ من الدماء التى سالت.. وسافر إلى الأقصر احتجاجًا
تصدى لخطبة الجمعة المكتوبة.. ورفض طلب «السيسى» بعدم الاعتداد بالطلاق الشفوى
إعلام السلطة هاجم الأزهر وطالبه بالاستقالة بعد تفجيرى الكنيستين.. فاتهمه ب «التدليس الفاضح وتزييف وعى الناس»
ينتمي لعائلة "الحساسنة" العريقة التي تنحدر من سلالة الحسن بن علي رضي الله عنهما، وتحديدًا من فرع آل الطيب الذين يتخذون من البر الغربي بالأقصر مستقرًا ومقامًا منذ سنوات بعيدة، جده أحمد (1845 – 1955) تعلم في الأزهر، ومكث فيه 16 عامًا، وكان ذا تأثير كبير بين الناس، يمقت النعرات والتعصب، وعلى دربه سار ابنه محمد (1886- 1966) فنهل من بحور العلم على يد علماء الأزهر في عصر الأعمدة، الذي أحياه نجله، وقد حصل على العالمية في أصول الدين، لكنه رفض الانخراط في السلك الوظيفي، وزهد المناصب وعاد إلى مسقط رأسه لينشر العلم بين الناس، ويعمل على فض النزاعات بينهم، حيث اشتهر بحكمته.
وواصل ولداه المسيرة من بعده، فابنه محمد حاصل على الليسانس من كلية أصول الدين جامعة الأزهر، أما أحمد الابن الثاني فتخرج من الكلية ذاتها وحصل على الدكتوراه في العقيدة والفلسفة، وقد ورثا عن أبيهما وجدهما حب الناس واحترامهما، وبادلا الناس حبًا بحب، وحافظا على التقليد المتوارثة في التقريب بين الناس، وفض الخصومات والمنازعات.
لا يكاد يمضي أسبوع على الطيب دون أن يكون بالأقصر، فقد اختار الإقامة بالقاهرة بمفرده تاركًا زوجته وأبناءه في "القرنة"، ويواظب على السفر أسبوعيًا ليكون بين الناس هناك، حيث يأتي إلى ساحة آل الطيب الشهيرة يوم الجمعة بعد الصلاة، ليحضر الجلسات الخاصة بمشكلات أهل القرنة والأقصر، ويتحدث مع الحضور في قضايا الدين وأمورهم الشخصية.
كان يتمنى أن يكون طيارًا
يعرف عن الطيب، المولود في يناير عام 1946، أنه صاحب شخصية هادئة لا يعرف عنها ميلها إلى الصدام أو إثارة الجدل، رفض إغضاب والده ونزل على رغبته في دراسة العلم الشرعي، فما لا يعرفه الكثيرون أنه كان يسعى لأن يكون يعمل طيارًا مدنيًا، فبعد أن أتم حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، درس في معهد قنا الأزهري، وكان يفضل الالتحاق بالقسم العلمي لتحقيق رغبته في دراسة علوم الطيران، لكن والده طلب منه تغيير رغبته، وأيضًا بعد أن حصل على الثانوية وتقدم بأوراقه إلى كلية التجارة جامعة الأزهر، عدل مساره والتحق بكلية أصول الدين، استجابة لرغبة والده بدراسة علوم الدين والتبحر فيها، وحصل على الليسانس في تخصص العقيدة والفلسفة في عام 1969، وتم تعيينه معيدًا في ذات العام.
وفي عام 1971، حصل على درجة الماجستير في تخصص العقيدة والفلسفة وعين مدرسًا مساعدًا، وفي عام 1977 حصل على درجة الدكتوراه في نفس التخصص، وخلال تحضيره للدكتوراه، تردد على جامعة السربون لأكثر من عام ونصف، لأن الرسالة كان جزءًا كبيرًا منها باللغة الفرنسية، وكانت لتلك الفترة أثرها الكبير في تشكل وعيه والانفتاح على الغرب، فهو يجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية بطلاقة، وله العديد من الكتب المترجمة من الفرنسية إلى العربية، منها: "الولاية والنبوة عند الشيخ محيي الدين بن عربي"، "مؤلفات ابن عربي"، "ابن عربي مسافر لا يعود"، بالإضافة إلى ترجمة المقدمات الفرنسية للمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي.
عقب حصوله على الدكتوراه، تم تعيينه مدرسًا ثم أستاذًا مساعدًا عام 1982، وتدرج في وظائف السلك الجامعي حتى حصل على درجة أستاذ عام 1988، وفي عام 1990 تم انتدابه عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين في محافظة قنا لمدة عام، وفي عام 1995 انتدب عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية بأسوان حتى عام 1999، وعمل عميدًا لكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية في باكستان من 1999 وحتى 2000، وقام بالتدريس بجامعات السعودية والإمارات وقطر وباكستان، وسافر إلى فرنسا وسويسرا لمهمات علمية، وعمل مفتيا للديار المصرية عامي 2002 و2003، ثم انتقل إلى رئاسة جامعة الأزهر، وظل يشغل المنصب حتى صدر قرار بتعيينه في 19 مارس 2010 شيخًا للأزهر خلفًا للراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي.
الرد على تقرير لجنة الحريات بالكونجرس وتجميد الحوار مع الفاتيكان
خلال الفترة التي أمضاها مفتيًا بين عامي 2002 و2003 عمل على إحداث طفرة إدارية وعلمية داخل الدار، ولم يعرف عنه إصدار فتاوى صادمة للرأي العام، وبعد أن انتقل رئيسًا لجامعة الأزهر، وقع العديد من الاتفاقات للانفتاح على العالم الإسلامي، وأنشأ بعض الكليات، وإن رفض التوسع في افتتاح كليات جديدة، باعتبار ذلك أحد مكامن الخلل والسبب في تراجع مستوى الدارسين بالأزهر، نتيجة فتح باب دخول الكليات أمام الجميع، بما فيهم أصحاب الدرجات الضعيفة، وكان يتبنى فكرة إنشاء معاهد فوق المتوسطة لاستيعاب هؤلاء، وفي عهده أيضًا تم تدشين الرابطة العالمية لخريجي الأزهر، لمد أواصر التعاون مع خريجي الأزهر بالخارج.
خلال رئاسته لجامعة الأزهر، شهدت الجامعة ما عرفت إعلاميًا ب "ميليشيا الإخوان"، إثر تنظيم الطلبة الإخوان بجامعة الأزهر عرضًا للفنون القتالية في 2006، الأمر الذي أدانه بشدة، وقال حينذاك إن هؤلاء الطلبة "صوروا أمام العالم كله وهم يشكلون ميليشيات إرهابية ما يدعو إلى الاعتقاد بأن جامعة الأزهر جامعة إرهابية تصدر الإرهاب والفكر المتطرف وهو ما لا يقبله الأزهر مطلقًا"، وطرد عددًا من هؤلاء الطلاب واُعتقل العشرات منهم.
عقب وفاة الدكتور محمد سيد طنطاوي في الرياض بأزمة قلبية مفاجئة في مارس 2010، وقع اختيار الرئيس الأسبق حسني مبارك عليه، ليكون شيخًا للأزهر، على خلاف العرف باختيار شيخ الأزهر ممن يشغلون منصب المفتي، وقوبل ذلك بارتياح في أوساط الأزهريين، بمن فيهم خصوم سلفه الأعضاء في "جبهة علماء الأزهر"، فقد أثنوا عليه كثيرًا، واعتبروه من "أفهم الناس لمعنى الدين"، وحثوه على إعادة الأزهر إلى مكانته بالعالم الإسلامي.
ووضع الطيب على رأس أولوياته إعادة دور الأزهر كمرجعية للمسلمين في العالم، فضلاً عن العديد من الملفات التي يوليها اهتمامه مثل تطوير التعليم الأزهري، وإعادة النظر في قرار سلفه بإلغاء تدريس الفقه بالأزهر على المذاهب الأربعة، وتوحيد مادة الفقه المقررة على طلبة المرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية، علاوة على عدم تبني قرارات بالشكل الذي قد يفسره البعض على أنه عداءً للمظاهر الإسلامية بالمجتمع المصري، مثل التعامل مع قضية النقاب، حيث أكد أنه لن يمنعه بأسلوب حاد كما فعل طنطاوي وإنه سيعالجه بشكل أكثر هدوءًا وبالحوار مع الفتيات.
لم تمض شهور على شغله للمنصب، حتى كشر الطيب عن أنيابه في مواجهة تقرير لجنة الحريات الدينية بالكونجرس الأمريكي حول وضع الأقليات في مصر، والزعم بحرمان الكنائس من مساعدة الدولة، وأن المساجد تتمتع بهذه الأموال التي يساهم فيها دافعو الضرائب من الأقباط، واعتبر هذا الكلام جهلاً وافتراء وتدخلاً سافرًا غير مقبول في الشئون الداخلية لمصر ويعمل على تفتيت النسيج الاجتماعي المصري.
وفي 20يناير 2011، قرر الطيب تجميد الحوار مع الفاتيكان إلى أجل غير مسمى، بسبب تصريحات لبابا الفاتيكان بنديكيت السادس عشر، طالب فيها بحماية المسيحيين في مصر، عقب حادثة كنيسة القديسين في الإسكندرية، الأمر الذي اعتبره "تدخلاً في الشؤون المصرية". وفي 23 مايو 2016، أنهى شيخ الأزهر، القطيعة بزيارة بابا الفاتيكان فرانسيس بالمقر البابوي بالفاتيكان، واتفقا على عقد مؤتمر دولي للسلام.
موقفه من ثورة يناير
الاختبار الأقوى الذي واجهه الطيب جاء بعد أقل من عام على تنصيبه شيخًا للأزهر، متمثلاً في اندلاع ثورة 25يناير 2011، وفي حين لام عليه البعض عدم اتخاذ موقف واضح منذ اللحظة الأولى، على الرغم من تأكيده على الحقوق المشروعة للشعب في العدل والحرية والعيش الكريم، إلا أنه مع ارتفاع سقف المطالب إلى حد إقالة الرئيس، بل ومحاكمته (لاسيما بعد "موقعة الجمل" في 2فبراير)، عمل على محاولة تقريب وجهات النظر، وحماية البلاد من الانزلاق في الفوضى الكاملة.
وفي بيان أصدره في اليوم التالي، حث الطيب الشباب على "التعقل" محذرًا إياهم من أن هذه "الأحداث يراد بها تفتيت مصر وتصفية حسابات وتنفيذ أجندات خارجية"، وتساءل: "أين أصوات العقلاء؟!"، ودعا شباب الميدان "الذين يحظون بثقته حتى هذه اللحظة" إلى العودة إلى بيوتهم وتهدئة الأوضاع، وإلى انتخاب مجموعة منهم للاجتماع معه للتباحث في حل للأزمة و"لنقف على كلمة سواء". وقال: "أناشد المحتجين كوالدهم، فلا يوجد من في قلبه مثقال ذرة من دين يريد أن يغمس يده في ما يحدث".
وصاحبت هذا الدعواتُ المستمرة إلى وجوب الحفاظ على الأرواح والممتلكات، لا سيما بعد انسحاب الشرطة الكامل من جميع شوارع مصر، ونزول الجيش منذ مساء "جمعة الغضب" 28 يناير، وبدايات تشكيل "اللجان الشعبية" في جميع نواحي مصر.
وبعدما أعلن مبارك نقل سلطاته إلى نائبه عمر سليمان، حذر الطيب من استمرار المظاهرات التي أصبحت "لا معنى لها" و"حرام شرعًا" بعد انتهاء النظام الحاكم وتحقيق مطالب الشباب ومن ثم زال المبرر الشرعي للتظاهر، وهو ما برره لاحقًا بأن دافعه كان حقنَ الدماء وتهدئة الأمور.
بادر الطيب في إبريل 2011 برد كافة المبالغ المالية التي تقاضاها دخلاً مكتسبًا كراتب منذ توليه مسئولية مشيخة الأزهر، كما طلب العمل دون أجر، دعمًا للاقتصاد المصري الذي يمر بأزمة بعد ثورة 25 يناير.
"وثيقة إرادة الشعوب العربية"
وقد عبر شيخ الأزهر عن تأييده للمطالب المشروعة للشعوب الثائرة، وأدان بشدة الاستخدام المفرط للقوة تجاههم، وأصدر في 26 فبراير 2011 بيانًا اعتبر فيه أن حكم القذافي في ليبيا "أصبح الآن في حكم الغاصب المعتدي المتسلط على الناس ظلمًا وعدوانًاً"، داعياً جميع المسئولين الليبيين وضباط الجيش الليبي وجنوده إلى "أن يرفضوا طاعة النظام في إراقة دماء الشعب الليبي واستحلال حرماته، وإلاّ أصبحوا شركاء له في الجرم".
لكن موقفه مما حدث في سوريا تأخر طويلاً، حتى أصدر بيانًا في أغسطس 2011 إذ قال: "الأزهر الذي صبر طويلاً وتجنب الحديث عن الحالة السورية، نظرًا لحساسيتها في الحراك العربي الراهن، يشعر بأن من حق الشعب السوري عليه أن يعلن الأزهر وبكل وضوح أن الأمر قد جاوز الحد وأنه لا مفر من وضع حد لهذه المأساة العربية الإسلامية"، وناشد "المسئولين في سوريا الشقيقة أن يرعوا هذا الشعب الأبي"، "وأن يتداركوا الدماء المسفوكة والأسر المتشتتة والمصائر المهددة، ومواجهة الشعب الأعزل بالرصاص الحي دون جدوى وعلى مدى شهور عدة أهدرت فيها أرواح وانتهكت فيها حرمات وأعراض".
في 31 أكتوبر2011، أصدر الأزهر "وثيقة إرادة الشعوب العربية"، كثمرة لاجتماعات دعا إليها عددًا من علماء الأزهر والمثقفين المصريين، وتتضمن ستة مبادئ كبرى، تتلخص في اعتبار المعارضة الشعبية والاحتجاج السلمي، حقًّا أصيلاً للشعوب، واستنكار إمعان الأنظمة في تجاهل المطالب المشروعة بالحرية والعدالة والإنصاف، ونفي صفة "البغي" عن المعارضين الوطنيين "السلميين". وتذهب إلى أن معارضة القهر والفساد والظلم واجبة على المواطنين لإصلاح مجتمعهم، وواجبٌ على الحكّام الاستجابة لهم دون مراوغةٍ أو عناد.
واعتبرت الوثيقة انتهاك حرمة الدم المعصوم هو الخط الفاصل بين شرعية الحكم وبين سقوطه في الإثم والعدوان الموجبين مقاومته "سلميًّا". وطالبت "الجيوش المنظّمة في أوطاننا كلِّها" أن تلتزم بواجباتها الدستورية في حماية الأوطان من الخارج، ولا تتحوّل أدواتٍ للقمع وإرهاب المواطنين وسفك الدماء.
كما دعت الوثيقة أيضًا من أسمتهم "قوى الثورة والتجديد والإصلاح" إلى الابتعاد كليًّا عن كل ما يؤدي إلى إراقة الدماء، وعن الاستقواء بالقوى الخارجية أيًّا كان مصدرها، لئلا يتدخل الأجنبي في شئون دولهم وأوطانهم. وأكدت أن عليها الاتحادَ في سبيل تحقيق حلمها في العدل والحرية، وتفاديَ النزاعات الطائفية والعرقية والمذهبية، حفاظاً على النسيج الوطني، ولبناء المستقبل على أساسٍ من المساواة والعدل.
وأعلنت الوثيقة المناصرةَ التّامة لإرادة الشعوب العربية في الإصلاح ومجتمع الحرية والعدالة التي انتصرت في تونس ومصر وليبيا، ولا تزال محتدمة في اليمن وسوريا، وناشدت الأنظمة للمبادرة إلى تحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي والدستوري طوعاً، والبدء في خطوات التحول الديمقراطي.. "فصحوة الشعوب المضطهدة قادمة لا محالةَ، وليس بوسع حاكمٍ الآن أن يحجبَ عن شعبه شمس الحريّة".
إحياء هيئة كبار العلماء
من أبرز مكتسبات الأزهر في عهد الطيب، إحياء هيئة كبار العلماء بعد توقف دام أكثر من خمسين سنة منذ عام 1961 حتى 2012، والمبادرة بعد 25يناير إلى تعديل القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها، والذي يعطى رئيس الجمهورية حق تعيين شيخ الأزهر، بحيث يتم اختياره من قبل هيئة كبار العلماء.
منذ اللحظة الأولى لوصول الرئيس محمد مرسي، المنتمي إلى "الإخوان المسلمين"، لم يظهر الانسجام بينه وبين شيخ الأزهر، حتى أن الطيب غادر حفل تنصيبه بجامعة القاهرة، مبررًا ذلك بأنه لم يتم تخصيص مكان له داخل قاعة كبار الزوار، وكذلك عدم تخصيص أماكن لائقة بكبار علماء الأزهر وأعضاء هيئة كبار العلماء داخل القاعة الرئيسية للاحتفال.
ومع اشتداد وتيرة الغضب الشعبي وتصاعد حدة المعارضة ضد حكم "الإخوان"، وقبل أيام من مظاهرات 30يونيو 2013، سارع مرسي إلى الاجتماع بالدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لبحث الأوضاع آنذاك، والدور الذي يمكن أن يقوم به الأزهر والكنيسة في تحقيق الوفاق الوطني والتأكيد على تجنب اللجوء للعنف.
في اليوم التالي من الاجتماع، استنكر شيخ الأزهر، قيام بعض أتباع الجماعات والتيارات الإسلامية المتشددة بتكفير المعارضة، قائلاً إن المعارضة السلمية لولي الأمر جائزة شرعًا، وإن العنف والخروج المسلح على الحاكم معصية كبيرة، لكنه ليس كفرًا، وقد بدا ذلك تأييدًا ضمنيًا للمظاهرات التي كانت تدعو لها المعارضة وقتذاك، وتوجت بالإطاحة بمرسي في 3يوليو 2013، وكان الطيب أحد الحاضرين للاجتماع الذي تلا فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي – وزير الدفاع آنذاك – لقرارات "خارطة الطريق".
إدانة واضحة لمجزرتي المنصة ورابعة
مباركة شيخ الأزهر للإطاحة بحكم "الإخوان"، وانحيازه منذ اللحظة الأولى للسلطة الجديدة لم تمنعه من أن يعبر عن رفضه للعنف المفرط الذي استخدم ضد أنصار مرسي، ففي أعقاب مجزرة "المنصة" في 27يوليو 2013، التي سقط فيها أكثر من 60قتيلاً، استنكر شيخ الأزهر سقوط هذا العدد الكبير من القتلى، وقال في بيان إن الأزهر "يطالب الحكومة الانتقالية بالكشف فورا عن حقيقة الحادث ومن خلال تحقيق قضائي عاجل وإنزال العقوبة الفورية بالمجرمين المسئولين عنه أيًا كانت انتماءاتهم أو مواقعهم".
كما دعا جميع الأطراف إلى "الجلوس إلى مائدة حوار جادة مخلصة ذات مسؤولية وضمير للخروج من هذه الأزمة ومن هذه التداعيات الدموية ومن هذه الأجواء التي تفوح منها رائحة الدم"، وحذر من أنه "لا بديل عن الحوار إلا الدمار".
لكن تلك التحذيرات لم تجد آذانًا صاغية لها، بعد أن شهدت مصر ما وصفت بأنها أكبر مجزرة في تاريخها الحديث، حين اقتحمت قوات الشرطة اعتصام أنصار مرسي في ميداني "رابعة" و"النهضة" في 14 أغسطس 2013، مخلفة مئات القتلى وآلاف الجرحى، وهي الدماء التي تبرأ منها الطيب في بيان بثه التليفزيون المصري، قال فيه إن "الأزهر يؤكد دائمًا على حرمة الدماء وعظم مسؤوليتها أمام الله والوطن والتاريخ، ويعلن الأزهر أسفه لوقوع عدد من الضحايا صباح اليوم، ويحذر من استخدام العنف وإراقة الدماء".
وأكد الطيب أنه لم يكن يعلم بموعد فض الاعتصامين، إلا عبر وسائل الإعلام، ودعا جميع الأطراف إلى "ضبط النفس وتغليب صوت الحكمة.. والاستجابة إلى الجهود الوطنية للحوار والمصالحة الشاملة". وبعد هذا البيان توجه، الطيب سريعًا إلى ساحة "آل الطيب" الروحانية بمدينة القرنة بالأقصر، في رسالة احتجاج على ما حدث.
هجوم إعلامي.. ورد غاضب
وعلى ما يبدو، فإن هذه المواقف وغيرها لشيخ الأزهر والتي لم يكن فيها على توافق تام مع السلطة، كان سببًا في إطلاق حملة شرسة ضده من قبل الإعلام الموالي للسلطة، والمقرب من أجهزتها القوية، كما في اعتراضه بشدة على مشروع خطبة الجمعة المكتوبة الذي اقترحه السيسي، وأصدر بيانًا لهيئة كبار العلماء بالأزهر يهاجم فيه توحيد الخطبة.
وكذا في رفضه لرأي السيسي في قضية "الطلاق الشفوي"، بعدم الاعتداد به، إلا بعد توثيقه رسميًا، وهو ما قابله الطيب وكبار العلماء بالرفض المطلق، واعتبروا أن "وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، هو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ ... دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق".
فقد وجد شيخ الأزهر الذي خاطبه السيسي مداعبًا في مناسبة عامة: "تعبتني معاك يا فضيلة الإمام" نفسه هدفًا لحملة إعلامية مستعرة لم تتوقف رحاها حتى الآن، وصلت إلى حد المطالبة باستقالته، بل وترشيح أكثر من شخصية بديلة له، ووجد هؤلاء في تفجيري كنيستي الإسكندرية وطنطا الفرصة لإشهار سيوفهم في وجه شيخ الأزهر، في حملة أجمع عليها المراقبون بأنها تستهدف التخلص منه، خاصة وأنها تزامنت مع طرح تعديلات على قانون الأزهر من قبل النائب محمد أبوحامد، عضو ائتلاف "دعم مصر".
وهي الحملة التي أخرجت هيئة كبار العلماء عن صمتها، للدفاع عن مناهج الأزهر التي اتهمها إعلاميون بأنها تتضمن تحريضًا على العنف والإرهاب، معتبرة أنه "من التدليس الفاضح وتزييف وعي الناس وخيانة الموروث تشويه مناهج الأزهر واتهامها بأنها تفرخ الإرهابيين".
وأضافت: "الحقيقة التي يَتنكَّرُ لها أعداء الأزهر بل أعداء الإسلام هي أن مناهج الأزهر اليوم هي نفسها مناهج الأمس التي خرجت رواد النهضة المصرية ونهضة العالم الإسلامي بدءًا من حسن العطار ومرورا بمحمد عبده والمراغي والشعراوي والغزالي، ووصولاً إلى رجال الأزهر الشرفاء الأوفياء لدينهم وعلمهم وأزهرهم، والقائمين على رسالته في هذا الزمان".
واستطردت قائلة: "ليَعلَمْ هؤلاء أنَّ العَبَثَ بالأزهر عَبَثٌ بحاضر مصر وتاريخها وريادتها، وخيانةً لضمير شعبها وضمير الأمة كلها.".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.