معلوم لدى القانونيين أن النص التشريعى يجب أن يتصف بصفتين أساسيتين هما العمومية والتجريد، أى أن النص عندما تصدره السلطة التشريعية يجب أن يكون قابلا للتطبيق على كل مواطن تتوافر فيه شروط تطبيقه وألا يكون النص قد صدر ليخاطب أو ليطبق على شخص أو على أشخاص محددين بذواتهم، أى أن التشريع قد صدر ليطبق عليهم بأعينهم وإن كان قابلا للتطبيق على غيرهم بعد ذلك. وبتطبيق هذه القاعدة على التعديل، الذى تم إدخاله على قانون مباشرة الحقوق السياسية مؤخرًا لحرمان بعض رموز النظام السابق من الترشح لرئاسة الجمهورية وبعض المناصب الأخرى لمدة عشر سنوات، يمكن القول إن هذه التعديلات تفتقد بالفعل- خاصة فيما يتعلق بالترشح لرئاسة الجمهورية- لقاعدتى العمومية والتجريد، كما سبق بيانه. وقد ثار لغط كثير حول دستورية هذه التعديلات، مما دفع بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى إحالتها للمحكمة الدستورية لبيان مدى دستوريتها، وقد أصدرت المحكمة قرارها بعدم اختصاصها بنظر هذه التعديلات، حيث إنها – أى التعديلات– تخرج عن حدود ولاية المحكمة التى وفقًا للقانون تختص بالرقابة على دستورية القانون بعد إصداره وليس قبل الإصدار، ويستثنى من ذلك قانون الانتخابات الرئاسية. وقرار المحكمة بعدم اختصاصها بنظر هذه التعديلات ليس معناه أنها أصدرت فيها حكمًا بالدستورية أو عدم الدستورية فهى لم تنظر الموضوع من الأساس. ولبيان مدى دستورية هذه التعديلات من عدمه يمكن القول إن هناك شرعيتين يمكن الاستناد إلى كل منهما فى الحكم على مدى شرعية أو دستورية النصوص القانونية داخل الدولة، شرعية دستورية وشرعية ثورية. وكلتا الشرعيتين يمكن الاستناد إليها تبعًا للظروف التى تمر بها الدولة هل هى فى ظروف عادية أم ثورية استثنائية. فمثلا انتقال السلطة إلى المجلس العسكرى بعد تنحى الرئيس السابق تم وفقًا للشرعية الثورية التى قبلت هذا الأمر ولم يتم وفقًا للشرعية الدستورية، التى كانت تقتضى وفقًا للدستور القائم آنذاك أن تنتقل السلطة إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا، حيث إن مجلس الشعب كان قد تم حله قبل تنحى الرئيس السابق. ولكن الثورة المصرية لم تتبن التأسيس على الشرعية الثورية إلا فى هذا المظهر فقط، وهو انتقال السلطة للمجلس العسكرى فبعد هذا الانتقال للسلطة بأيام قلائل تم الالتفات عن هذا الأساس (الشرعية الثورية)، فعندما نادى البعض بإقالة رؤساء الجامعات والعمداء والمحافظين والنائب العام.......إلخ ممن عينهم النظام السابق وجدنا من يدافع بشدة عن عدم مشروعية ذلك وأن ذلك غير جائز قانونًا لأنهم معينون بقرارات صحيحة ولا يجوز عزلهم من مناصبهم. وبتطبيق هذين الأساسين للشرعية على موضوعنا وهو مدى دستورية التعديلات التى أجريت على قانون مباشرة الحقوق السياسية، فالنتيجة فى ذلك ستكون من المنطلق الذى ستنطلق منه المحكمة للنظر فى هذه النصوص وربطها بالواقع، الذى صدرت فيه، فإن راعت المحكمة الحالة الثورية التى تمر بها الدولة والظروف السياسية المحيطة بها فستحكم بدستورية النص وإن تمسكت بحرفية الشرعية الدستورية ستحكم بعدم دستورية التعديلات لانطوائها على انحراف تشريعى ناتج عن فقد بعض هذه النصوص لعموميتها وتجردها، كما سبق. ولقد أسست اللجنة التشريعية بمجلس الشعب هذه التعديلات- كما قال المستشار محمود الخضيرى رئيس اللجنة - على أننا فى ظل ظروف استثنائية أى على أساس من الشرعية الثورية، التى تجيز مالا يجاز فى ظل الظروف العادية. ولكن هل ستتبنى المحكمة الدستورية هذه الوجهة، وتنظر إلى هذه النصوص بوصفها صدرت فى ظل حالة ثورية ولا تفصلها عن الواقع السياسى، التى صدرت فيه؟ وهل المحكمة بظروفها الحالية لديها القدرة على سلوك هذا المسلك؟ للحديث بقية، بإذن الله تعالى.