ربنا يعطيك الصحة يا من كنت مديرى، وما زلت أستاذى، ومن الباب الخلفى للإذاعة، دخلت دنيا الإعلام، وفى أول يوم عمل بالبرنامج الثقافى(البرنامج الثانى سابقا)، كنت على موعد مع تاريخ من الأدب والشعر، والتقيته، ذلك الذى لم أسمع مثله يقرأ شعرا، كان مديرى محمد إبراهيم أبو سنة له برنامج يومى، يقطف فيه من بساتين الكلام، وشاء حظى الطيب، أن يدرس لى أبو سنة مادة الإلقاء، فسمعت نبض قلب حروف كلمات شاعر جاهلى قديم هو "دريد بن أبى الصمة" فى قصيدته المشهورة، التى منها: وهل أنا إلا من غزية إن غوت/غويت وإن ترشد غزية أرشدِ.. حتى جاء عند البيت المعروف: تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا/ فقلت أعبد الله ذلكم الردي" ووالله كأنى أرى عبد الله شقيق دريد بن أبى الصمة طريحا مقتولا للتو والدماء تنزف والرماح تمزق الأنسجة، فقد كان لأبو سنة إحساس يربطه بإحساس الكلام، ويربط من يسمعه بإحساس جديد. ولأبو سنة دواوين عديدة، كلما فتحتها وجدتنى أمام أبى فراس الحمدانى الجديد، يذهلك أبو سنة بالقدرة على الفرح وسط الأحزان، والصبر رقصًا أمام لمع الخناجر، فما رأيكم لو بطلت رغيا، وسمحتم لى أن أختار أجزاء من شعر أبو سنة، وليسمح لى أستاذى الشيخ الأزهرى فى مناسبة بلوغه خمسة وسبعين عامًا من نعمة الإحساس، أن أقرأه بأصابعى على الورق: و"حلب على مرمى سحابة/ نثرت ضفائرها/ وفستق دمعها يشكو الصبابة/ مالت بنا شمس الغروب إلى الكآبة/ وأنا وأنت أبا فراس/ ننتمى للريح.. لا شمس الملوك تضىء ما يعتادنا من ليلنا الوثنى/ لا قمر الكتابة/ يهمى بسوسنه/ فيلهبنا/ وتطلع فى فضاء القلب/أزهار الغرابة.. من أين يا زين الشباب أتيت؟/ من رحم القصائد والمكائد والشدائد والرعود؟/ من أين تطلع أيها القمر الشآمى/المكبل بالأقارب والمصائب والقيود؟.... مازلت ترجف/ كلما هزتك أيام الضرام/ وأبوك مقتول/ بسيف بنى أبيه/ وأنت ما بين السهام/ تعطى لفوضى الأرض بعض نظامها/ وتقيم حلمك فى النظام/ تبنى مدينتك الجميلة/ بين أضلاع القصائد/ما كنت تحلم بالعروش أو الضياع أو الموائد/ دع زمرة الشعراء فوق أرائك الذل المنافق/ينشدون ويأخذون ويكذبون ويفخرون/ وأنت شاهد/ يتجمعون على الطعام/ وأنت واحد...... حلب على مرمى سحابة/ وهواك متسع لهذى الأرض/ والأحلام غابة/ ملأى بأسرار الغيوب/ وليلنا متثاقل/ وبنو العشيرة يسفكون دماءهم/ وعلى المدى أم مصابة/ سرب من الغربان/ ينعق فوق تاريخ مهان/أمم يسابقها الزمان/فلا تبالى تنطوى خلف الزمان/ تلهو إذا حمى الوطيس/ وحينما اشتد الرهان/ أمم تساق إلى مصائرها/ يسابقها الزمان فتنطوى/ حتى لينكرها الزمان" ولو هانك متسع لقرأت لكم المزيد، فالله أدعو أن يكون بعمر أبو سنة مزيد ومزيد، والأكيد أنه لن ينكره الزمان، كل عام وأنت بخير يا شيخى الجليل.. هل تذكرنى؟ [email protected]