من الطبيعى جدًا أن تؤدى الطريق التى سلكها الإخوان والسلفيون إلى هذه النتيجة، والتى تنبئ عن الفشل الذريع فى كل الجوانب وأن يؤول بنا الحال إلى ما نحن عليه الآن، حتى أصبح المشهد كوميديا هزليًا مضحكًا مبكيًا فى آن واحد، فهاهو البرلمان المنتخب لا يستطيع أن يمارس وظيفته الأساسية – التشريع والرقابة– وأضحى عاجزًا عن فعل أى شىء فالعملية التشريعية برمتها متوقفة على موافقة العسكر على القوانين وإلا فإنها لن تصدر وستصير فى حكم العدم، وذلك لأن الإعلان الدستورى الذى هلل له أصحاب الهوية وروجوا له فى ذلك الوقت لم ينظم هذه المسألة، كما نظمها دستور 1971، والذى عطل بعد التعديلات الدستورية، ولم يبق إلا الضغط الشعبى الذى يمارسه الشارع السياسى لإجبار العسكر على إصدار القوانين وهذه آلية غريبة لا توجد إلا عندنا ولولا الضغط الشعبى ما صدر قانون العزل السياسى ولا غيره لأن الإعلان الدستورى لا يلزم العسكر بهذا، وإنما يمنحهم حق الاعتراض على القوانين وصار هذا شرطًا مانعًا من إصدار القوانين بعدما كان شرطًا واقفا – لمدة محددة – فى الدستور السابق. أما بالنسبة للدور الرقابى للبرلمان فالمشهد أكثر عبثية لدرجة تثير الغثيان، فالمجلس تفرغ تمامًا لعملية إسقاط الحكومة وحجب الثقة عنها، وهذا ليس فى مقدوره على الإطلاق لأن الإعلان الدستورى يمنح ذلك للعسكر دون البرلمان، ومع ذلك فالبرلمان مصمم على أن يدور فى حلقة مفرغة والحكومة تخرج لسانها له وتقول له ما تقدرش. وتتجلى عبثية المشهد فيما يثيره البعض من محاولة العسكر حل البرلمان عن طريق دعوى الدستورية بالتدخل لدى المحكمة الدستورية من أجل ذلك، وهذا يدل على أن الناس لم يتعلموا الدرس– ولن يتعلموا– لأن المحكمة الدستورية ستقضى إن عاجلا أم آجلا بعدم دستورية قانون الانتخابات، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان من أهل التخصص ولأنها سبق لها أن قضت بذلك، وصار هذا الأمر بمثابة مبدأ مستقر فى قضائها وأن الجمع بين نظامى القائمة والفردى يخل بمبدأ المساواة بين المرشحين وهذا ما قررته المحكمة الإدارية العليا حينما دفع أمامها بعدم دستورية قانون الانتخابات، فالمجلس سيحل دون حاجة للضغط من قبل العسكر بل إن العسكر لو كان لهم تأثير فى هذا الشأن – ولا أظن ذلك – سيضغطون فى جانب عدم الحل لأن حل المجلس بهذه السرعة ليس من مصلحتهم الآن وسيعرضهم للقيل والقال. أما الوضع بالنسبة للجمعية التأسيسية فالحكم القضائى قد غل يد البرلمان وجعله بمثابة جموع الناخبين، التى تنتخب غيرها ولا تختار أحدًا من بينها، أما من الناحية العملية فإن المجلس العسكرى، هو من سيتفاوض مع الجهات المختلفة لحل إشكال الجمعية التأسيسية فى مشهد معبر تمامًا عن الضعف الشديد وعدم وجود رؤية لأى شىء عند المؤسسة الوحيدة المنتخبة من قبل الشعب. أما الانتخابات الرئاسية فالمشهد أكثر عبثية مما يتخيل البعض لأننا تخيلنا أننا أمام استحقاقات سوف تحسم المسألة لصالح تيار الشرعية الثورية، ولكن الأمر أبعد من ذلك بكثير لأن ترشيح الإخوان رئيس حزبهم للرئاسة صار مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم نكون أو لا نكون، خاصة أن قراءتهم للمشهد جاءت متأخرة وبطيئة جدا ومع أن هذا الأمر – ترشيح واحد منهم - سيعرضهم لهزات عنيفة ومشاكل مع بقية أحزاب التيار الإسلامى لكنهم لن يتراجعوا عنه بعد فشل البرلمان فى القيام بأى دور يذكر وبعد فشلهم فى تشكيل الحكومة إذ لم يتبق لهم إلا الانتخابات الرئاسية، أما بالنسبة للطرف الآخر فإن الرئاسة هذه أخطر الاستحقاقات السياسية لذا لم ولن يغفل عنها من يملك زمام الأمور فهاهو قد أطاح بأبرز المرشحين وأخطرهم عليه وترك التيار الإسلامى يختلف ويتصارع على المرشح ولأن التيار الإسلامى لم يتعلم إلى الآن، لذا فإن الاشتباكات لا تزال قائمة على المرشح الذى سيدعمه التيار كله الأمر الذى سيؤول فى النهاية إلى قناعة الناس بأحد مرشحى الفلول ونعود بعد ذلك إلى المربع صفر لكن ما هى أسباب هذه الإخفاقات فى كل المجالات هذا ما سنستعرضه فى حلقة أخرى بإذن الله تعالى.