هل كُتب علينا أن نكرر أخطاء وخطايا الآخرين؟ هل كُتب علينا ألا نتعلم من أخطائهم؟ هل كُتب علينا ألا نتعلم من دروس التاريخ ونكرر أسوأ خطايا الشعوب الأخرى في التاريخ؟ بدأت حملة بتوجيه إتهامات بالتآمر والخيانة في بداية الخمسينيات من القرن العشرين في الولاياتالمتحدةالأمريكية لعدد من المسئولين والشخصيات العامة في جميع مجالات الحياة وبدون وجود أي أدلة ثابتة. ودأبت هذه الحملة على إثارة الشعب الأمريكي وتخويفه من أن الشيوعية دين يريد القضاء على "الديانة المسيحية"، وأيد الشعب الأمريكي هذه الحملة في البداية بدافع الخوف من المجهول. وينسب هذا الاتجاه من الإرهاب الثقافي إلى إلى أحد أعضاء مجلس الشيوخ وهو جوزيف مكارثي، الذي بدأ بتوجيه الاتهامات إلى عدد من المسئولين وبخاصة في وزارة الخارجية بأنهم جواسيس يعملون لصالح الاتحاد السوفيتي السابق والشيوعية. وأدت هذه الحملة العمياء من حملات الكراهية غير المبررة إلى سجن أكثر من 200 شخص وطرد أكثر من 10 آلاف شخص من وظائفهم بموجب هذه الاتهامات الملفقة. وقد طالت هذه الحملات شخصيات بارزة في كل المجالات مثل راعي الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ الذي ناضل في سبيل الحرية ومحاربة العنصرية بلا عنف، وأصغر حائز على جائزة نوبل للسلام، والمفارقة أنه كان ينادي بعدم استخدام العنف، ومع ذلك تم قتله، والعالم ألبرت أينشتاين الغني عن التعريف، والكاتب المسرحي العملاق آرثر ميللر لآراءه اليسارية، وإدانته للسياسة الخارجية للولايات المتحدة وبالذات فيما يخص حقوق الإنسان، والفنان تشارلى تشابلن وغيرهم. ولعب جهاز الأمن الداخلي دورًا مشينًا في هذه الحملة، كما شارك الإعلام الأمريكي أيضًا في في هذه الجريمة الشنعاء كما يفعل إعلامنا في الوقت الحالي، وإن قام الإعلام الأمريكي بتصحيح هذا الخطأ لاحقًا بفضح هذه الاتهامات الملفقة بلا دليل. وتجري الآن في مصر أحداث صارخة ومماثلة لتلك المكارثية القديمة الجديدة، وفي كثير من المجالات، ومن أبرز هذه الأمثلة معشوق الجماهير لاعب كرة القدم السابق محمد أبو تريكة وهو نموذج للشاب العصامي الناجح المثقف ذو الأخلاق العالية، ويمكن أن يكون قدوة ونموذجًا لكل الشباب في سلوكياته وأخلاقه ومظهره وثقافته. وقد حاز أبوتريكة حب وإحترام كل جماهير الكرة بكافة انتمائتها. ونحن أحوج ما نكون إلى مثل هذه النماذج النظيفة والجميلة، ولأنه متدين فقد أصبح عُرضة للمكارثية الجديدة وطالته اتهامات بالانتماء إلى جماعات إرهابية وتمويل الإرهاب. وتم حرمانه منذ فترة طويلة من العمل في المجال الذي يعشقه وأشتهر به وتغنت بإسمه كل جماهير الكرة في مصر. وبينما يتم حرمان هذا اللاعب من العمل في أي مجال من مجالات الرياضة، فهناك نموذج آخر للتفاهة والأنانية يتم الترويج له في كافة وسائل الإعلام وهو اللاعب أبو فيونكة الذي هرب من ناديه صغيرًا من أجل الإحتراف ولم يحقق لناديه ربع البطولات التي حققها اللاعب الدمث أبوتريكة. عاد اللاعب أبو فيونكة إلى ناديه بعد تكديس الأموال ليحاول تحقيق شهرة في مجال آخر وهو مجال التدريب وفشل في ذلك فشلا ذريعًا. وقد تباهي بعلاقاته وسلوكياته المنحلة في حديث تليفزيوني ليقدم أسوأ قدوة للشباب. ويمكنك تحديد بوصلة اتجاه الأمور في الوطن في الوقت الحالي بالمواقف العامة تجاه أبو تريكة وأبو فيونكة. يتم استضافة أبو فيونكة في كافة البرامج الرياضية في مصر – بينما أبو تريكة المغضوب عليه محروم سواء من العمل في المجال الرياضي أو الظهور في الفضائيات المصرية شأنه شأن كل من يحترمون عقولهم وسلوكياتهم ويحسبونها بميزان دقيق في خضم هذه الغوغائية. وعلى نفس المنوال، هناك الكثير من العاملين في المجال الفني ممن يطلقون على أنفسهم فنانيين وفنانات، وهم أبعد ما يكونون عن الفن الحقيقي، ويقدمون لنا ما يتقيؤنه على شاشات السينما والشاشة الصغيرة باعتباره فنًا، فقاموا بإفساد أجيال من الشباب عن طريق تلك القاذورات. وينحصر الفن لديهم في مجرد سرقة أعمال فنية عالمية وتقديمهم للجمهور على أنها من أعمالهم، وعرض مفاتنهم الجسدية في أعمال هابطة لا تمت للفن بصلة. وقد خرجت واحدة من أولئك الذين يطلقون على أنفسهم لقب فنانات لتقول عن أبوتريكة "إنه إرهابي، وشكله فلاح لئيم"، وظنت أن الهجوم على أي شخص يهاجمه إعلامنا الغبي هو "موضة" يجب أن تسايره على الفور مثل "الميني جيب". وأقول لها: الفلاح أيتها الغبية هو المصري الأصيل البسيط الذي يزرع لنا ما نأكل – الفلاح رجل شريف وليس لصًا أو ناهبًا لأموال البنوك. وهناك العديد من الأمثلة بداية من المجالات الأدبية والثقافية وصولا إلى مجال الطب حيث يظهر لنا على الشاشة ليل نهار من يتحدث ويكتب كثيرًا عن "الضمير" وثقوب الضمير ممن خانوا القسم الذي أقسموه لأشرف مهنة على وجه الأرض. هناك مثل عربي يقول: "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها" ولكنهم يأكلون بكل جزء في أجسادهم، وليس بأثدائهم فقط.