اندلع العديد من النزاعات والخلافات السياسية بين مؤسسات الدولة والنظام السياسي الحاكم في مصر، بعد أن فقد جزءًا كبيرًا من جماهيريته الشعبية والنخبوية نتيجة للأزمات المتلاحقة وعدم الوفاء بوعوده السياسية والاقتصادية تجاه المواطنين، وهو ما دفعة لخلق أداة جديدة «التركيع» للسيطرة على مؤسسات الدولة المختلفة وتمرير قراراته دون أي معارضة. وبدأ النظام في تنفيذ سياسة «التركيع» بعد أن اضطر لإنشاء مجلس للنواب حيث قام بتشكيل قوائم انتخابية بواسطة أجهزة الأمن لضمان تنفيذ سياساته داخل البرلمان الذي لا يخلو من تهديد نوابه بالتأديب حال مهاجمة الحكومة. كما قام النظام بعزل هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ومحاكمته بعد إفصاحه عن حجم الفساد الموجود في مصر، بجانب محاولات كسر الأطباء والمحامين والصحفيين لتمرير اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح المملكة السعودية، وهو الأمر الذي أحدث تطورًا، طال الهيئات القضائية خاصة مجلس الدولة، ما دفع النظام لإظهار جريمة فساد كبري بداخله خلفت عملية انتحار غامضة للأمين العام لمجلس الدولة. ولم يكتف النظام بملاحقة مجلس الدولة الذي أصدر أحد مستشاريه محمد الدكروري، والمرشح لرئاسة المجلس قرارًا بمصرية الجزيرتين فقام عبر نوابه بالتلويح بإجراء تعديل على قانون تعيين رؤساء الهيئات القضائية ليتيح لرئيس الجمهورية اختياره بدلاً من نظام الأقدمية المعمول به، وهو ما لاقي غضبًا كبيرًا من جموع القضاء، بدأ بعدها ظهور عمليات فساد كبيرة ما زالت مستمرة. ويري خالد البلشي، عضو مجلس نقابة الصحفيين، ورئيس لجنة الحريات، أن النظام يلجأ إلى إثارة القضايا مع مؤسسات الدولة ليقوم بالضغط عليها حتى ينشغل الرأي العام بالأحداث، لينفذ مصالحه الشخصية بعيدًا عن الرأي العام ودون أن يعترضه أحد، وهذا هو أسلوب النظام الحاكم في التعامل مع الهيئات ومؤسسات الدولة منذ أن جاء إلى الحكم. وأضاف البلشي، أن فترة عهد السيسي شهدت صدامات كثير مع أجهزة الدولة، أدت إلي حالة من الغضب تجاه النظام، خاصة مع نقابة الصحفيين التي شهدت حالة من الصراع مع الحكومة إلى وقتنا هذا بسبب تعنت الأجهزة الأمنية مع حرية الرأي، محاولة أن تمنع أي معارضة تخرج من النقابة أو من أمام عتباتها، وهو ما أثر على الرأي العام المصري، الذي يري أن النظام يريد القضاء على منبر الحريات في مصر. ومن جانبه يقول سعد عبود البرلماني، والقيادي السابق بحزب الكرامة، إن النظام السياسي الحالي يعمل جاهدًا على كسر أي مؤسسة تحاول أن تعترض أو تناقش قراراته إلا المؤسسة الوحيدة التي لا يستطيع أحد أن يتعرض لها بالكلام أو الفعل. وأوضح عبود، أن هناك مؤسسات متعاونة مع النظام بشكل كامل، لكن سياسة التفتيت وإظهار الملفات هو أمر ضروري لدى النظام حتى يضمن الولاء الكامل الشامل، وهذا أمر معمول به منذ عصر مبارك. وأشار إلى أن رئيس مجلس النواب يمثل يد النظام في السيطرة على النواب وإلا أخرج للنائب القضايا الفاسدة والأفعال المخلة أو تتم إحالته لمجلس التأديب وهو ما صرح به الدكتور علي عبد العال عندما تحدث أحد النواب عن القوات المسلحة بالنقد، فهاجمة رئيس البرلمان وهدده بالتحويل للتأديب. ولفت إلى أن النظام يمارس سياسة «التركيع» مع نقابة الصحفيين والجهاز المركزي للمحاسبات والأطباء بجانب الأحزاب السياسية التي عمل النظام على تدميرها وتجريفها حتى لا يكون لديها صوت معارض. وأوضح أن نجاح إستراتيجية «التركيع»، ستكون عواقبها سيئة على المواطنين وليس في صالح الدولة لكنها ستكون في صالح أشخاص معينة تستهويهم السلطة، مشيرًا إلى أن مصر تمر بمرحلة بالغة السوء على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية, وفي الوقت نفسه يحاول فيه النظام تفريق وتكميم أفواه المواطنين والإعلاميين وأصحاب الرأي، مع محاولات قائمة لتدمير أي شخصية معارضة تظهر أمام الرأي العام. ويعتقد البرلماني السابق، أن النوايا الحسنة غير موجودة لدى السلطة الحالية وبالتالي إعلانهم محاربة الفساد هو أمر غير حقيقي لاسيما أنهم يكشفون قضايا فساد في أماكن معينة ككبش فداء بينما الفساد مستشرٍ في قطاعات عديدة، وهذه سمة النظم الاستبدادية. ومن جانبه، يقول مجدي حمدان نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطي، إن النظام الحالي يفتت مؤسسات الدولة كجزء من التحول التدريجي لعسكرتها وإداراتها من خلال المؤسسة العسكرية فقط. وأوضح أن النظام يسعي لإظهار نقاط فساد في منطقة معينة تاركًا الفساد الأكبر، فيتم عمل شو إعلامي بشكل كبير ثم يطعن في المؤسسة ويتركها ويتجه لغيرها وهكذا، مضيفًا أن ذلك حدث مع وزارة التموين لوقت معين في قضايا فساد القمح ثم صمت الجميع، فكما بدأت القصة بشو إعلامي كبير هبطت وأغلق الملف كأنها لم يكن. وأضاف أن التشكيك في القضاء خاصة القضاء الإداري أو قضاء مجلس الدولة للتأثير عليهم في قضية مصرية الجزيرتين (تيران وصنافير) وتخويفهم من أن يحدث معهم مع ما حدث مع وائل شلبي الأمين العام لمجلس الدولة، فاللعبة مازالت في أولها، والأيام المقبلة ستظهر مفاجآت كثيرة. وذكر حمدان، أن ما حدث من تعنت النظام السياسي مع نقابة الصحفيين والمستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وقتها، هو من أجل إحلال رجاله في هذه المؤسسات لإدارتها ومن ثم استخدم التشكيك والتقليل من القائمين عليها بل واتهامهم بجرائم جنائية، كما أنه يتعامل كديكتاتور لا يقبل بالآخر، ويعلم أن نقابة الصحفيين تعد منبرًا للرأي، وآخر صوت معارض بعد أن قضي على السياسة وأي كيان حزبي أو سياسي وسيستمر هذا الأسلوب طالما استمر السيسي في الحكم. وفي سياق متصل يري الدكتور مصطفي السعداوي، أستاذ القانون الجنائي بجامعة حلوان، أن النظام الحاكم يسعي للسيطرة على السلطة القضائية من أجل تحقيق مصلحة خاصة على حساب المصلحة العامة، موضحًا أنه أطلق يد الأجهزة الرقابية لبسط سلطتها على الجميع دون استثناء، نفاذًا لمبدأ المساواة أمام القانون بوصفة من الدعائم الرئيسية للحكم الرشيد، لكنه يحمل بين طياته صدامًا حتميًا بين النظام والمؤسسات آخري . وأضاف السعداوى، إن ما يحدث يفسر بأن النظام يقوم بمحاولة «تركيع» هذه المؤسسات لإجبارها على تقديم تنازلت لصالحه، وبالتالي فلا يمكن رد هذه التصادمات إلا برفض بعض السلطات التخلي عن مكتسباتها وعدم الخضوع للرقابة والمساءلة. وفي الاتجاه نفسه يعتقد الدكتور أحمد شوشة، عضو مجلس نقابة الأطباء، أن النظام الحاكم يتعامل مع مؤسسات الدولة بأسلوب غير قانوني، أدى إلى حدوث صدام مع النقابة خلال عهد السيسي، الذي يتبنى فكرة الصدام مع مؤسسات الدولة، لتركيعها من أجل استمراره في الحكم. وأضاف شوشة، أن نقابة الأطباء خاضت معركة "حامية" ضد اعتداءات أمناء الشرطة في أغلب مستشفيات مصر، وعدم الرضوخ إلى مطالب الداخلية، التي تتعامل مع الشعب بأسلوب غير إنساني في فرض سيطرتها عليهم، مؤكدًا أن المصريين يكتشفون بعد خمس سنوات، أن إي مواطن ما زال معرضًا لأن يكون خالد سعيد آخر، وكأن ثورة لم تمر من مصر، ولا حدث سقوط للمئات من الشهداء في سبيل تحقيق أهدافها. وأشار عضو مجلس نقابة الأطباء، إلى أن النقابة خلال الفترة الماضية أرسلت رسالة سياسية واضحة، تؤكد أن الجميع أمام نظام لا يستطيع، ولا يريد، أن يتعلم من أخطائه وخطاياه التي كلفته ثمنًا باهظا في الماضي، إذ أنه ما زال يعتبر أن استرداد «هيبته» أمام الشعب يرتبط بمنح أجهزته الأمنية نوعًا من الحصانة القانونية التي تسمح لها بانتهاج أساليب البلطجة وارتكاب الجرائم ضد المواطنين دون خوف من المحاسبة ، وهذا ظهر خلال عهد السيسى. واستطرد المحامي عمرو عبد السلام، عضو نقابة المحامين: إن تصاعد أزمات النظام الحالي مع جميع النقابات المهنية والعمالية في مصر، يعد ضمن خطة ممنهجة لتكسير العظام لتزداد المشاكل المتناثرة حول سياسة الدولة الحالية، موضحًا أن النظام منذ تولية مقاليد الحكم عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي دأب على اختلاق الأزمات ليفرض سياسة التركيع على الجميع ووجهة النظر الأحادية التي لا يريد أن يشاركه فيها أحد. وأضاف عبد السلام أن نقابة المحامين شهدت صراعات كثير مع النظام الحاكم، والتي لم تتوقف حتى الآن، مؤكدًا أن هناك تهميشًا للمحامين التي كانت نقابتهم في السابق قلعة للحريات والدفاع عن قضايا الوطن، كما تزايدت المشاكل والأزمات بين وزارة الداخلية والمحامين في أقسام الشرطة والاعتداء المتواصل عليهم بسبب مباشرتهم لعملهم داخل أروقة المحاكم. وأشار إلى أن اتجاه النظام بفرض ضرائب على الرسوم القضائية، سيؤدي إلى لجوء المواطنين القادرين فقط إلى توكيل من يدافع عنهم، وهو ما يؤدي لانهيار العدالة في مصر.