ليس غريبا أن يُطلق على مصر (أم الدنيا).. فهي بالفعل تستحق ذلك الوصف. وهذا ليس تعصبا لوطني، وليس لأن شعبها (في أصله) طيب ومسالم ومترابط.. ولكن لأن الله تعالى أراد لها ذلك، وذكر فضائلها ومزاياها في كتابه. فالقرآن الكريم يخبرنا أن التدين والقرْب من الله صفة أصيلة في المصريين على مر التاريخ.. ولننظر إلى المؤمنين في عهد الطاغية الأكبر- فرعون- الذي ادعى الألوهية ولم يكن ليسمح بثغرة ينفذ منها أي مؤمن بالله؛ فقد آمنت زوجته نفسها، وضرب الله تعالى بها المثل، في سورة التحريم: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ...). كما آمن سحرة فرعون متحدِّين إياه وغير آبهن بتهديداته؛ عندما رأوا المعجزة وعلموا أن موسى رسول الله.. اقرأ في سورة طه: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى). كما ضرب الله مثلا بالرجل المؤمن الذي يكتم إيمانه، ونزلت سورة باسمه (سورة المؤمن) كما يسميها المفسرون، والمعروفة بسورة "غافر": (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا...). فمصر تستحق إذًا تكريم الله تعالى لها بأن يتَجَلَّى سبحانه وتعالى لأرضها (جبل الطور)، وهو المكان الوحيد في الأرض الذي حظي بهذا الشرف الإلهي: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا...)، الأعراف- 143. وعلى هذه الأرض الطيبة؛ كلم الله الإنسان مباشرة (سيدنا موسى) وحظيت أرضها بسماع صوته سبحانه، وأنزل أحد كتبه السماوية (التوراة). وعلى أرضها المباركة حدثت المعجزة الكبرى بانفلاق البحر (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)، الشعراء- 63، وأنزل الله تعالى على أرضها المَن والسلوى، وفجر عيون الماء من الحجر (...وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ...)، الأعراف- 160. كما اختار الله تعالى أرض مصر لتكون موطنا للعديد من أنبيائه ومرسليه: فقد تربى على ضفاف النيل أسيادنا يوسف، وموسى، وهارون، وإدريس.. كما عاش ومات فيها سيدنا يعقوب وأسرته والأسباط.. واختارتها السيدة مريم العذراء ومعها طفلها نبي الله عيسى عليه السلام ملجأ آمنا لمدة سبع سنوات. واختار الله تعالى السيدة هاجر المصرية لتكون زوجة لأبي الأنبياء سيدنا إبراهيم، وأما لولده سيدنا إسماعيل. وعندما ظهر الإسلام استعان المصريون (النصارى) بالدولة الإسلامية الفتية لتخلصهم من ظلم الرومان؛ رغم أنهم نصارى مثلهم. ولم يبالغ الصحابي الجليل عمرو بن العاص عندما قال (إن إمارة مصر تعادل كل دول الخلافة). وقد أشاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصر والمصريين وأوصى بها خيرا (استوصوا بأهلها خيرا).. كما دعا لها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه (بالخير والنماء والرخاء). ومصر هي الدولة الوحيدة التي ذكرت- بالاسم صراحة- في القرآن الكريم خمس مرات، وهي الأكثر ذكرا في التوراة والإنجيل.. وهي البقعة الوحيدة في الأرض- بعد المسجد الحرام- التي وعد الله تعالى بالأمن فيها؛ تأمل عبارة (إن شاء الله آمنين)؛ في الآيتين الكريمتين: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ...) الفتح- 27، (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) يوسف- 99. لذا فليس مستغربا أن تكون مصر هي أول دولة تنشأ على كوكب الأرض، واسمها مصر يدل على أنها أول مصر قبل أن يعرف العالم أية أمصار أخرى.. وأطلقت الشعوب المختلفة على النقود اسم (مصاري) أو (مصريات) نسبة إلى مصر التي اخترعت العملة وصنعت أول نقود عرفها الإنسان. وعندما ابتلى الله تعالى الإنسان بأكبر مجاعة عالمية؛ اختار مصر لتكون خزائن الأرض وجعل من أحد أنبيائه (يوسف) حاكما عادلا لها لينقذ البشرية من الجوع بالخيرات والأطعمة المصرية. كما كانت مصر هي المُنقذ من المجاعة التي حدثت في عهد عمر بن الخطاب ودعا لها بالخير والنماء. وقد وصفها الخالق سبحانه بما يثبت تميزها: فهي خزائن الأرض كما قال سيدنا يوسف (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْض..)، وهي أرض الجنات والعيون والزروع التي حُرم منها فرعون (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ) سورة الدخان، وعندما وصل إليها سيدنا يوسف قال تعالى (َوَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ "فِي الْأَرْضِ"..). فمصر التي رزقها الله بنهر النيل أرض معطاءة خصبة، تتميز بالخصوبة والشعب المنتج الصبور. تلك هي مصر؛ أيها المصريون.. وأوجه كلامي للحاكمين والمحكومين: هذه الأرض المباركة لم يباركها الله تعالى صُدفة ولا عبثا، ولكنه اصطفاها سبحانه لحكمة ودور ورسالة لابد أن تحملها، وكل من يُفسد في أرض مصر أو يقتل أو يخرِّب أو يسرق قوت العباد أو يؤذي شعبها بالجباية والغش والاحتكار والغلاء والتدليس أو بأية صورة، أو يفضل مصالحه الشخصية عليها.. سوف نرى (إن عاجلا أو آجلا) قدرة الله فيه. وإن استسلم الشعب ولم يعمل على الحفاظ على هذه الأرض المباركة فسوف يعاقب الجميع في الدنيا قبل الآخرة؛ كما حدث للمصرين العاصين في العصر الفرعوني: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَات...) الأعراف- 133. وأخشى أن يكون ما يحدث لنا الآن من خوف وغلاء ووباء وبلاء.. مقدمة لعقوبة إلهية، فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا؟!. ندعوا الله أن يحمي مصر من المصريين!. همسة: التخلف الإداري في بريد إكوه شرقية: تأخرنا كثيرا في الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة التي تسهل حياة الإنسان.. وعندما بدأت الدولة- على استحياء- في التوافق مع العصر فوجئنا بموظفين متخلّفين يعشقون العودة إلى الوراء والتمسك بالوسائل القديمة!. ولا شك أن استخدام البطاقة الذكية لصرف المعاشات من ماكينات صرف البنوك كان نقلة هامة سهلت للناس حياتهم وخففت زحام البنوك. وتتميز هذه البطاقة برقم سري يمَكّن المرضى وكبار السن من صرف المعاش عن طريق الأبناء والأقارب دون حاجة إلى الذهاب بأنفسهم. وفي مكاتب البريد لا يتركون الناس يتعاملون بأنفسهم مع ماكينة الصرف فيقوم أحد الموظفين بالمهمة باستخدام البطاقة والسؤال عن الرقم السري في وجود حاملها!.. وهذه مبالغة في تأمين الماكينة لا داعي لها ولكن لا بأس؛ بشرط عدم التعسف وتعقيد حياة الناس!. ففي بريد إكوه بالشرقية- وهو من أقدم المكاتب في مصر- طلب الموظف (خِتْم شخصي) لصاحبة المعاش.. ولما أفاد ابنها بأنها ليس لديها ختم لأنها متعلمة وتوقّع؛ رد الموظف ساخرا (عندها 82 سنة وتوقع؟!).. وأصر هو ومديره على حضور السيدة المسنة المريضة لتوقع أمامه أو أن يكون لها (ختم)!!!. وأنا أسأل المسئولين في هيئة البريد: ما هي فائدة البطاقة الذكية برقمها السري إذاً؟!.. إذا كنتم تُصرون على التمسك بهذه الأساليب البالية فلا داعي للبطاقة!.. وأنصحكم بتدريب موظفيكم وتعليمهم كيف يتعاملون مع الناس بأسلوب متحضر، وإفهامهم أن الرقم السري يغني عن التوقيع ويغني عن حضور الشخص بنفسه، أو أن تسلموهم حَبّارات وتعيدوا لنا تكنولوجيا (بصمة الإصبع)!!. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.