تطال اتهامات التسييس أعلى سلطة قضائية في مصر، من آن لآخر، مستندة إلى تاريخ من الأحكام، تتوقف أو تتأخر سرعة البت فيها حسب بوصلة النظام القائم. ما بين اتهامات التسييس، وتأكيدات استقلالية القضاء، وشموخ المحكمة الدستورية العليا، وانتصارها للشعب المصري في محافل عدة، تظل لغة الأرقام والتواريخ مثار تساؤل، يحمل من الريبة الكثير، ويبحث عن إجابة تميط اللثام عن حقيقة تلك الاتهامات. المحكمة الدستورية ووفقا للأرقام احتاجت أربعة أشهر فقط لتصدر قرارًا بدستورية حل برلمان 2012 الذي حظيت فيه جماعة الإخوان بالأغلبية، فيما احتاجت لأكثر من 20 سنة، لتحكم بعدم دستورية قانون الطوارئ. أبرز القرارات المثيرة التي صدرت عن المحكمة الدستورية العليا منذ نشأتها، يرصدها هذا التقرير وفق موقع "ساسة بوست".
برلمان 1984.. ثلاث سنوات لنظر الطعن قبل الحكم بالحل في عام 1979، أُنشئت المحكمة الدستورية العليا، وبعد انتخاب أول برلمان في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، عام 1984، استقبلت المحكمة الدستورية طعنًا في 23 ديسمبر من نفس العام، بعدم دستورية قانون الانتخابات رقم 38 لسنة 1972، المعدل بالقانون رقم 114 لسنة 1983، والذي يقصر حق الترشح للحزبيين فقط، ويمنعه عن المستقلين الذين لا ينتمون لأحزاب، بموجب مادتي 8 و40 من دستور عام 1971 واللتان تؤكدان تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. اتخذت المحكمة الدستورية العليا قرابة ثلاث سنوات حتى تحكم في هذا الطعن، وفي 16 مايو من عام 1987، أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها، بعدم دستورية القوانين التي انتخب على أساسها البرلمان، وقبول الطعن بعد فترة طويلة من تقديمه، وحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة، وبعدما قضى البرلمان أكثر من نصف دورته البالغة خمس سنوات، طرح المخلوع القرار للاستفتاء الشعبي، وجاءت نتيجته بالموافقة.
برلمان 1987.. ثلاث سنوات أُخرى لنظر الطعن قبل الحكم بالحل ومع إجراء الانتخابات البرلمانية الجديدة لبرلمان عام 1987، بعد حل برلمان 1984، حاول النظام المصري تفادي خطأ البرلمان السابق، في الانتخابات الجديدة، وجمع بين نظامي القائمة الحزبية والانتخاب الفردي في قانون انتخابات 87، على أن تكون القائمة مخصصة للأحزاب السياسية، والفردي مخصصًا للمستقلين، مما يُتيح فرصة أكبر للمستقلين للمشاركة في الانتخابات البرلمانية الجديدة. ولكن طُعن بعدم دستورية قانون الانتخابات الذي يجمع بين نظامي القائمة الحزبية والانتخاب الفردي، واتخذت المحكمة قرابة ثلاث سنوات قبل أن تصدر حكمًا، في 19 مايوعام 1990، بعدم دستورية قانون الانتخابات رقم 38 لسنة 1972، الخاص بمجلس الشعب، المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986، والذي نص على «أن يكون لكل دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردي ويكون انتخاب باقي الأعضاء الممثلين للدائرة عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية». وأفادت المحكمة بأن مجلس الشعب «باطل منذ انتخابه»، وقررت وقف جلساته. ولكن حُسني مُبارك لم ينفذ القرار بحل المجلس، واستمر المجلس أكثر من أربعة أشهر. وبعد يومين من حكم الدستورية ببطلان تشكليه، صوّت المجلس بالموافقة على 27 اتفاقية دولية، وفي 26 سبتمبر 1990، استخدم مبارك صلاحياته بدستور 1971، وأوقف جلسات المجلس بقرار سياسي، وليس تنفيذًا لحكم الدستورية العليا، داعيًا الشعب للاستفتاء على حل البرلمان في 11 أكتوبر 1990. وقبل يومين من الاستفتاء، قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم اختصاصها لدعوى «منازعة التنفيذ» التي طالبت المحكمة بوقف تنفيذ قرار مبارك بدعوة المواطنين للاستفتاء، وتنفيذ قرار المحكمة ببطلان عضوية المجلس وتشكيله، واعتبرت المحكمة في حيثيتها قرار رئيس الجمهورية «عملًا من أعمال السيادة لا يخضع لرقابة القضاء»، وجاءت نتيجة الاستفتاء الشعبي بالموافقة، ليحل مبارك البرلمان اعتبارًا من 12 أكتوبر 1990، ليجري انتخابات جديدة تبدأ يوم 28 نوفمبر 1990، بقانون انتخابات جديد يعتمد على نظام الانتخاب الفردي فقط.
برلمان 2012.. أربعة أشهر كافية للحكم بحلِّه في أولى انتخابات برلمانية بعد ثورة 25 يناير 2011، ومع أكبر نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات النيابية في مصر، حيث بلغت 54%، فاز حزب الحرية والعدالة؛ الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، بأكثرية مقاعد برلمان 2012، في غياب ملحوظ لأعضاء الحزب الوطني المنحل، الذين كانوا يسيطرون على برلمانات عهد مُبارك. وبعد شهر واحد من الجلسة الافتتاحية للمجلس، استقبلت المحكمة الدستورية العليا دعوى في 21 فبراير 2012، بعدم دستورية قانون الانتخابات رقم 38 لسنة 1972، المستبدل بالمرسوم بقانون رقم 120 لسنة 2011، والذي يجمع بين نظامي القوائم الحزبية النسبية المفتوحة، والنظام الفردي، على أن يكون ثلثا المقاعد للقوائم الحزبية المفتوحة، والثلث الآخر للنظام الفردي، مع إعطاء الحق للحزبيين في الترشح على المقاعد الفردية، دون السماح للمستقلين بالترشح على القوائم الحزبية. وفي 14 يونيو 2012، وبعد أقل من أربعة أشهر فقط من رفع الدعوى للمحكمة الدستورية العليا، على عكس البرلمانات السابقة، قضت المحكمة بعدم دستورية قانون انتخابات 2012، باعتباره مخلًا بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، نتيجة منح الحزبين فرصتين لدخول مجلس الشعب، إما عن طريق القوائم الحزبية أو الانتخاب الفردي، وهو ما لم يُمنح للمستقلين الذين انحسرت فرص دخولهم البرلمان من باب الانتخاب الفردي فقط، لتصدر المحكمة الدستورية قرارًا بحل البرلمان «بقوة القانون». وهو القرار الذي تحدث عنه محمد سعد الكتاتني، رئيس المجلس آنذاك، قبل شهرين من إصداره، عندما قال في حوار له مع قناة الجزيرة القطرية، إن كمال الجنزوري، رئيس الوزراء آنذاك، قال له مُهددًا: «قرار حل مجلس الشعب موجود في المحكمة الدستورية، ويُمكن أن يصدر في أي وقت»، وذلك مع زيادة ضغوط المجلس لإقالة حكومة الجنزوري. وبالفعل حلّ المجلس العسكري البرلمان، دون الدعوة للاستفتاء على قرار الحل، قبل 10 أيام من نجاح الرئيس المعزول محمد مرسي رسميًا بكرسي الرئاسة، في 24 يونيو 2012، ليصدر قرارًا جمهوريًا في الثامن من يوليو من نفس العام، بعودة مجلس الشعب، داعيًا لانعقاده حتى إجراء انتخابات برلمانية أُخرى مُبكرة. وبالفعل انعقدت جلسة موجزة لمجلس الشعب، بعد يومين من قرار مُرسي، امتدت ربع ساعة فقط، اقتصرت على إعلان إحالة قضية حل المجلس إلى محكمة النقض، دون الإعلان عن موعد جلسات أخرى، وبعد شهر من قرار مرسي، قضت المحكمة الدستورية العليا بوقف تنفيذ قراره في الثامن من أغسطس 2012، وتنفيذ حكمها السابق، الذي يعتبر المجلس «غير موجود منذ لحظة انتخابه وغير قائم بقوة القانون».
أكثر من 20 عامًا للنظر في دستورية قانون الطوارئ في الثاني من يونيو 2013، قضت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار ماهر البحيري، بعدم دستورية قرار الاعتقال الإداري، وتحديدًا الفقرة رقم (3) من قانون الطوارئ، والتي كانت تخول رئيس الجمهورية رخصة «القبض والاعتقال وتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية»، وبعد إلغاء تلك الفقرة، أصبح واجبًا على الأجهزة الأمنية عدم القبض على أي شخص إلا وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية. اللافت أن حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية تلك الفقرة الهامة من قانون الطوارئ، جاء بعد أكثر من 20 عامًا من تقديم الطعن للمحكمة على القانون، الذي استخدم لإصدار قرارات اعتقال ضد أشخاص، دون حاجة الأجهزة الأمنية إلى تقديم أي دليل على تورط هؤلاء الأشخاص في أي جريمة، «وقد أدى القانون إلى اعتقال عشرات الآلاف من المصريين دون وجه حق لسنوات طويلة» بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ، كما مكّن تأخر رد المحكمة بعدم دستورية القانون إلى اتساع دائرة المتضررين منه وإطالة أمد الضرر. وتتشابه تلك المدة التي اتخذتها المحكمة الدستورية العليا لنظر الطعن المقدم ضد قانون الطوارئ، مع تلك المدة التي اتخذتها المحكمة لنظر طعن قدمه عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966، المرتبط بإحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية، إذ رُفعت الدعوى في الثامن من نوفمبر 1995، قبل أن تحكم المحكمة في نفس التاريخ من عام 2014، أي بعد 19 عامًا من تقديم الطعن؛ برفض الدعوى.
عامان ولم تنظر الدستورية في طعن قانون التظاهر بعد في 14 سبتمبر 2014، رفع المحامي الحقوقي خالد علي، دعوى بعدم دستورية قانون التظاهر الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور، في 24 نوفمبر عام 2013، القانون رقم 107 لسنة 2013، واستندت الدعوى التي رفعها على عدد من المواد الدستورية التي شملتها الدساتير المصرية والتي تؤكد الحق في التظاهر والتجمع السلمي والحريات الفردية. ذلك بالإضافة إلى المادة 73 من الدستور الحالي لعام 2014 والتي تنص على أن «للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحًا من أي نوع، بإخطار على النحو الذي ينظمه القانون. وحق الاجتماع الخاص سلميًا مكفول، دون الحاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته، أو التنصت عليه». وفي مطلع سبتمبر الجاري، أوصت هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص المادتين (7، 19) من قانون التظاهر واللتان تتضمنان «تجريم المشاركة في مظاهرة أخلت بالأمن أو عطلت مصالح المواطنين أو حركة المرور، ومعاقبة كل من خالف ذلك بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة و غرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه». في الوقت الذي أوصت فيه الهيئة برفض الطعن المقدم على دستورية المادتين (8، 10) المُشار إليهما من قانون التظاهر اللتين تتضمنان إلزام المتظاهرين ب«الإخطار قبل بدء المظاهرة وسلطة وزير الداخلية في إصدار قرار مسبب بمنع المظاهرة أو إرجائها أو نقلها في حالة وجود ما يهدد الأمن والسلم». وذكرت الهيئة أن المحكمة الدستورية العليا ستنظر في الطعن في أكتوبر المقبل، أي بعد أكثر من عامين من تقديمه، في الوقت الذي يستمر فيه حبس مئات المعارضين بموجب قانون التظاهر.