علقت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية على القرار الذي اتخذته السلطات المصرية مؤخرًا بإعادة العمل بسياسة تسمح بوجود " الإرجوت" بنسبة لا تتجاوز ال 0.05% بعد أن اضطرت القاهرة إلى إلغاء ثلاث مناقصات متتالية في أعقاب رفض التجار التقدم بعطاءات، قائلة": مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، تحاول الدخول مجددًا في سوق القمح الدولية عبر التراجع عن سياستها التي تقضي بضرورة خلو القمح تماما من فطر " الإرجوت". وقد تلا ذلك رفض شحنات قمح من روسيا ورمانيا بسبب اشتماله على نسب من "الإرجوت" وإن كانت متطابقة مع المستويات المقبولة بها دوليًا. وذكرت الحكومة المصرية أنها ستعيد العمل بالنسبة الدولية من فطر "الإرجوت" المسموح بوجودها في القمح، والذي يعدّ من المواد المسببة للهلوسة، لكنه غير ضار حال تناوله بكميات قليلة. وجاء في بيان صادر عن مجلس الوزراء المصري:" مجلس الوزراء قرر العمل وفقا للمعايير المصرية المطبقة منذ العام 2010 بالنسبة لكافة الشحنات الجديدة والمتعاقد عليها." إعلان القاهرة التي تقدم دعما على الخبز للمواطنين، يعد أحدث تحول فيما يتعلق بسياستها المتعلقة بفطر "الإرجوت" في القمح. وأشار تقرير الصحيفة إلى أن الارتباك الذي ظهرت عليه لوائح استيراد القمح قد أخرج أكبر مستورد للقمح في العالم من السوق الدولية، ما يضيف إلى الضغوط الواقعة في الأصل على الأسعار التي تشهد انخفاضا حادا بسبب وفرة المحصول. وكانت الحكومة المصرية قد أكدت في أواخر العام الماضي أنها لن تقبل استيراد قمح مصاب بأي نسب من " الإرجوت"، قبل أن تعود وتتراجع عن قرارها بعدما أخفقت في العثور على بائعين. ومع ذلك، أعلنت الحكومة مجددا في أواخر أغسطس الماضي أنها ستحظر أية واردات من القمح المصاب بأي نسبة من فطر "الإرجوت"، بالرغم من أن المعايير المتفق عليها دوليا تسمح بمستويات من الفطر لا تتجاوز نسبته ال 1.05%.
ويقول المحللون إن الحكومة المصرية لن تقدر على الاستمرار في إلغاء مناقصاتها الرسمية الخاصة بشراء القمح. وتستورد القاهرة ما يتراوح بين 11-12 طنًا من القمح سنويا، وتمثل المشتريات الحكومية زهاء نصف المشتريات الإجمالية من المحصول. وعلاوة على ذلك، وضع التجار صفقات القمح الخاصة في قائمة الانتظار وسط مخاوف من رفض القاهرة شحنات القمح. وقال عبد الرضا عباسيان، الخبير الاقتصادي المتخصص في الحبوب بمنظمة الأغذية والزراعة" الفاو" التابعة للأمم المتحدة:" في مصر، يزيد استهلاك القمح بالنسبة للفرد بمعدل ثلاث مرات عن متوسط مثيله في البلدان النامية، ولذا فإن تعطيل إمدادات القمح في هذا البلد سيكون له عواقب وخيمة." وأوضح التجار أنه وبالرغم من القرار الأخير الذي اتخذته السلطات المصرية، فإن التغييرات المستمرة تعني أن المصدرين سيبقون على الأرجح على سياسة الحذر. وقال فينسينت جينين، تاجر حبوب في مؤسسة " الغرير ريسورسيز" إن " الثقة قد تأثرت سلبا والتجار سيحرصون على الأرجح على بديل لإتمام الصفقة بدلا منهم." كانت الحكومة المصرية قد أعلنت أيضًا أنه في إطار القرار الجديد "ستقوم هيئة السلع التموينية بالتعاقد مع شركة عالمية متخصصة لفحص واستلام شحنات القمح المستوردة طبقا للمواصفات المصرية والمعايير العالمية... وذلك بديلا للجنة الثلاثية المعمول بها حاليا".
القمح يعاود الظهور مجددا في قلب أزمة نشبت بين مصر والتجار العالميين هذا العام في أعقاب إعلان وزارة الزارعة في ال 28 من أغسطس الماضي بأنها أعادت القواعد الأكثر صرامة من المعايير الدولية والتي تهدف إلى حماية المحصول المحلي من التلوث بفطر "الإرجوت". ولدى مصر مخزون من القمح يكفي فقط لتلبية الطلب لمدة تزيد عن 6 شهور وفقا لتصريحات وزارة التموين. و"الإرجوت" فطر طفيلي ينمو على كثير من المحاصيل الزراعية، التي تعتبر مصدراً مهماً للدقيق كالشعير والقمح، ويحتوي علي كثير من المواد الفعالة التي تختلف في تركيبها وأثرها علي الجسم. وقد يسبب الفطر التسمم، خصوصا في المرضى الذين يعانون من أمراض الكبد والكلى. ورفضت مصر عدداً من شحنات القمح لاحتوائها على "الإرجوت"، بنسب أعلى من المسموح به، منها شحنة فرنسية مكثت نحو 45 يوماً في البحر، بعد رفضها بالموانئ المصرية.