الأطفال هم الثروة الأعظم، والمشروع الأكبر لأية أمة تسعىلتضع أقداما راسخة لها في المستقبل.فالأطفال هم الطريق السريع إلى بناء مجتمع متماسك، هم الممر الآمن للعبور إلى التقدم، هم الأراضي الخصبة لنبت المستقبل الطاهر،هم السلاح الفاعل للدفاع عن مقدرات الأمة، هم المنتج الأصيل لمصانع الطاقات، هم الشئون المعنوية لكل الأمة،هم الأذرع الاعلامية لتسويق انجازات الغد، هم الخلايا اليقظة للإنقاض على أعداء المستقبل، هو كتائب الفوز لواقع كل هزيمة، هم الاستثمار الحقيقي لكل الوطن، هم الأمن النفسي، هم الأمن الاقتصادي ،بل هم الأمنالقومي لأية أمة تريد أن تكونأمة تعرفها وتعترف بمكانتها الأمم. وعلى الغرم من كل ذلك فإنه وللأسف الشديد واقعنا العربي يدلل على أننا تركنا كل ذلك جانبا، وتركنا هذا الكنز الثمين في أحضان شاشات تكنولوجية خداعة لا ترحم ضعفهم، ولا ترفق بقله خبرتهم، بل على العكس فهي في الغالب تقذفهم في بحر هائج من الخرافات، والمضللات، وذلك من أجل هدف وحيد هو تدمير هذه الطاقات المتجددة، والمتدفقة النابتة في أرض الفطرة السليمة، التي فطر الله الناس عليها . انشغل الآباء بلقمة العيش، وانشغل الساسة بدواوينهم، وانشغل الاقتصاديون بثرواتهم، وهذا بدوره أدي إلى تراجع المؤسسات الحاضنة لهذه الثروة عن دورها؛ فالمدرسة تعاني ما تعاني من تكدس وازدحام وغياب لمنظومة القيم، والمسجد والكنيسة والنوادي كلها مؤسسات أصابها ما أصباب غيرها من ضعف الدور وضآلة التأثير. فذهب أطفالنا راغبين، أو مدفوعين، أو ربما مضطرين إلى هذه الشاشات التكنولوجية، التي تسابقت فيما بينها باختراع وسائل الجذب، والتشويق، والتجديد المتلاحق؛ فأصبح الطفل لا يكاد يخرج من أحضان لعبه حتي تجذبه مسابقة، ولا يكاد ينتهي منها، حتي يخترقه فيلم من أفلام الرعب والخيال الكاذب، فإذا أوشك على الانهاك، تلقته يد البرامج الهادمة لكل القيم، فإذا أجهزت عليه تلك البرامج، سرعان ما يرسل له التطبيق الجديد منشطات ظاهرية، تجعله يواصل الليل بالنهاربعيدا عن والديه، وهو في أحضانهم،غائباعن إخوته وهم بين يديه، فارا من أصدقائه وهم غايته. قديما كان التلوث ناقلا للأمراض واليوم أصبحت الشاشات مصدرا للعدوي، وحاملة لبؤر بعض الأمراض، فمرض التوحد ذائع الصيت، ومشكلات الانطواء، وعشرات الأمراض النفسية هي نتاج طبيعي لفترة الاحتضان الخادعة من تلك الشاشات. وإذا أردنا لهذه الأمة قوة، وإذا رغبنا في صحوة لا مناص منها،علينا أن نعمل جاهدين، وبكل السبل؛ لكي يعود الأبناء إلى أحضان الآباء والمعلمين،والدعاة والأقارب والأصدقاء. فلا مفر في هذا التوقيت الحرج من تاريخنا العربي المتداعي، وتكالب الجميع على مقدراتنا، وأولها وأهمها هذا الجيل الصاعد من الأبناء، وتراجع أدوارنا الإنسانية والثقافية، وضعف مشاركاتنا في سباق التكنولوجيا، لا مفر من عودة الآباء إلى دورهم الطبيعي وهو التربية، وأن تعود المدرسة إلى دورها الطبيعي وهو التربية والتعليم، وأن تعود كافة المؤسسات لأدوارها في مساعدة الأبناء على التنشئة السليمة، والمساعدة في إعدادهم للمستقبل، كمواطنين صالحين نافعين لأنفسهم ولمجتمعهم، ولوطنهم، وللإنسانية، ولكن وهم يفعلون ذلك ينبغي أن يتسلحوا بأدوات العصر، لأن هؤلاء الأطفال هم الثروة الحقيقية،والكنز الثمين الذي ينغي ألا نسلمه طوعا لأعدائنا. أ.د/ عبدالرازق مختار محمود أستاذ علم المناهج وطرائق التدريس بجامعة اسيوط facebook.com/abdelrazek.mokhtar http://arid.my/0001-2264