وصفت المعارضة السورية ما يسميها نظام الأسد والروس ب ممرات إنسانية لخروج المدنيين من الجزء الشرقي من مدينة حلب، وكذلك المقاتلين الذين يلقون السلاح، بأنها ممرات الموت. وهذا صحيح، هل يتوقع أكثر السذج أن يترك تحالف الأسد - بوتين مدنيين يخرجون بسلام من المدينة، أو مقاتلين كانوا يحملون السلاح، ويسيطرون على الجزء الشرقي منها منذ 2012، وهدفهم إسقاط النظام؟، بالطبع لا، لو كانت النية صادقة، والهدف إنساني، لما كان النظام، ومعه ميليشياته يحاصرون حلب، ويفرضون الموت جوعا على المدنيين، ولما كان القصف الجوي للروس يستمر دون توقف ليدمر كل المرافق الخدمية، وعلى رأسها ما تبقى من المستشفيات والمخابز لمنع كل أسباب الحياة عن المحاصرين، وإجبارهم على الاستسلام لمصير مجهول، أو الموت قتلا وجوعا ومرضا. منذ متى كانت هناك أخلاق في الحروب، وفي سوريا خصوصا، ومن مختلف الأطراف في هذه الحرب الملعونة التي سفكت دماء مئات الألوف، وشردت الملايين، وجعلت هدف الثورة النبيل وهو الحرية مأساة بلون الدم، لكن مستوى السقوط السياسي والأخلاقي للنظام فوق التصور، فالإنسانية معدومة لديه، وهو نشأ وثبّت نفسه على مبدأ السحق الشامل للبشر، وهو يسوي أي حي أو مدينة أو قرية بمن فيها بالأرض مقابل أن يعلن في فضاءه الإعلامي عن انتصار جديد على الإرهابيين، كل من يختلف معه، أو تكون له مطالب سياسية مشروعة يصنفه إرهابيا، هكذا هى أنظمة الطغيان. إذا كانت روسيا مهتمة بمصير المدنيين، وقلقة عليهم، فلماذا حصارهم في حلب، وفي غيرها؟، ولماذا لا يتم السماح بادخال مواد الإغاثة للمحاصرين؟، ولماذا الإصرار على تهجير الحلبيين، وتفريغ المدينة من أهلها، وإحداث تغيير ديمجرافي فيها؟، القضية أن الأسد والروس لا يعنيهم الناس مطلقا، وإلا لكان الروس مضوا في الحل السياسي لوقف الحرب، ووضع حد لإراقة الدماء في المأساة السورية التاريخية الكبرى. المعارضة المعتدلة المسلحة في موقف شديد الصعوبة لأنها تقف وحيدة على الأرض، لا تقاتل جماعات مسلحة مثلها حتى يكون هناك تكافؤ، إنما تواجه النظام، وتقاتل الروس، وهم قوة عالمية كبرى، كما تقاتل إيران والميلشيشات المرتبطة بها التي ذهبت لسوريا بوجه طائفي لحماية الأسد من السقوط، فهو كنز الكنوز في الشام الكبرى لكل تلك القوى الساعية للهيمنة وفرض وجودها في المنطقة العربية عبر نظام عائلي وراثي يطعن العروبة في ظهرها، وهدف روسيا الأكيد إبقائه في السلطة عكس ما تدّعي من أن مصيره كشخص لا يعنيها، إنما مصير سوريا كدولة، ومنع إنهيارها، ومحاربة الإرهاب، لماذا الأسد الذي في سبيل الإبقاء عليه يجتمع هذا التحالف الدولي للقتال إلى جانبه بشراسة وعلنا؟، لأنه حليف قديم للروس والإيرانيين وميليشيا حزب الله، وهو جزء مهم من هذا الحلف العابر للإقليم، وهم يثقون فيه، ولن يثقوا في أي بديل له، ولو خرج من النظام نفسه، أو كان من نفس طائفته، لذلك يتعطل أي حل سياسي على صخرة مصير الأسد الذي سلم أوراقه كلها للحلفاء، هو مجرد خيال في تلك الحرب، الروس تدخلوا في أشد اللحظات حرجا عندما كان يترنح، والإيرانيون يدعمونه منذ اليوم الأول لتثبيت وجوده، لكنهم لم يكونوا بالكفاءة التي يريدها الروس فانتزعوا القيادة منهم، حلف استراتيجي، طائفي في جانب منه، لن يزول، ولن يسقط كما كان يتوقع البعض، أو يتصور أن ذلك سهلا، لن يوجد في سوريا كلها من يمكن أن يسلم بلده للأجنبي مثلما يفعل هذا الحاكم لذلك سيظل الدعم قائما له. وللتوضيح هنا ، ليس الهدف إسقاط سوريا كدولة، مختل من يفكر في هذا، تجربة العراق مازلت ماثلة، ودول عديدة في المنطقة مهددة بالسقوط، إنما إعادة بناء نظام سياسي غير عائلي يشمل كل المكونات الوطنية السورية في سياق مدني ديمقراطي توافقي تشاركي في الحكم. مأزق المعارضة التي تتعرض لخسائر متتالية في تفتتها، ليست وحدة عضوية واحدة، وفي بروز تنظيمات إرهابية أضرتها وشوهت القضية السورية وأهدافها النبيلة في الحرية والكرامة الإنسانية، وجعلت العالم يتغاضى عن وحشية النظام ويتجه لحرب تلك التنظيمات، لم يستفد النظام قدر استفادته من وجود داعش، ولم تتضرر المعارضة قدر تضررها من هذا التنظيم. أيضا تضررت المعارضة من الحلفاء المفترضين لها، فالأمريكان أكثر من خدعوها سياسيا عندما لم يكونوا مخلصين لشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا، وعندما لم يتدخلوا مبكرا لفرض حلول سياسية طالما أن الحل العسكري مستبعد لمخاطره على منطقة معقدة ديموجرافيا ومشتعلة منذ ما قبل انتفاضة سوريا. والأوربيون لا يستطيعون التحرك منفردين دون أمريكا، والإرهاب الذي يضربهم يجعلهم غير مبالين بقضية الشعب السوري، والروس يتلاعبون بالأمريكان كما يشاؤون، وأحدث ألعابهم في حلب، ففي الوقت الذي يذهب فيه وزير الخارجية كيري مرارا إلى موسكو للبحث عن حل سياسي لا نعلم مدى مصداقيته، ودراسة مقترحات لتنسيق عسكري ضد المنظمات الإرهابية خارج إطار المعارضة المعتدلة المعترف بها دوليا تجد واشنطن أن الروس يستفيدون من الوقت، ويواصلون الحرب على مختلف الجبهات، ويحكمون سيطرتهم على حلب الشرقية. هل واشنطن غاضبة فعلا لأنها تستشعر خداع موسكو لها في حلب، أم أنه التواطؤ المنسق، والرغبة السرية في أن يواصل الروس دعم نظام دمشق وفرضه منتصرا، وإعادة تأهيله ليبقى باعتباره الخيار الأفضل للغرب الذي لا تعنيه قضايا الحريات والديمقراطية، ودماء الشعوب وتضحياتها، ولا أي قيمة إنسانية، بقدر ما يعنيه من يحقق له مصالحه، وهذا النظام مستعد لتحقيق مصالح من يريد، المهم أن يبقى في السلطة وراثة جيلا بعد جيل؟. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.