لا حل عسكري في سوريا، قيل ذلك كثيرا، باعتبار أن التدخل السريع لحلفاء النظام ودعمه بكل الوسائل، وأن التعقيدات الجيوسياسية لسوريا والنطاق الذي تقع فيه، وخلفيات الحالة الليبية التي انتكست في مرحلة الانتقال السياسي بعد التدخل الجيد لحماية الشعب الليبي، جعل الأطراف التي ترى أنه لا حل إلا باستخدام القوة مع نظام يفوق نظام القذافي الساقط في الشراسة وعدم الاعتبار لقيمة الإنسان، توافق على الحل السلمي والتسوية السياسية، لكن أين ذلك الحل اليوم؟، وقبل اليوم؟، مجرد كلام، واجتماعات دولية من جنيف واحد واثنين، إلى فيينا أول، وثاني، ثم ثالث، وهكذا، دون أن ندري متى ينضج الحل، ويكون واقعا وعادلا ومنصفا لضحايا بحور الدماء، وجبال المعاناة والمآسي؟. يلتقي المجتمعون ويتجادلون، بينما الطائرات تقصف وتقتل، طائرات البراميل المتفجرة، وطائرات القيصر الروسي، وميليشيات الأسد والمتحالفين معه طائفيا ومذهبيا برعاية إيرانية، وميليشيات على الطرف الآخر لا تقاتل النظام، إنما تتعقب قوى المعارضة الحقيقية، وتشتبك معها، وتزحف تجاه المناطق التي تسيطر عليها، وتقتل وتهين السوريين تحت إدارتها، كان وزير الخارجية الروسي لافروف منطقيا عندما دعا لتحديد الجماعات الإرهابية من غير الإرهابية، لكن تصريحه جاء ناقصا، فلم يتحدث عن جماعات النظام الإرهابية أيضا، ينبغي على الروسي أن يكون عادلا إذا كان يريد السلام، ولا يكيل بمكيالين، ولا يفرض حلا بطائراته لصالح حليفه. في مؤتمر فيينا الأخير يوم 30 أكتوبر الماضي، اجتمعت 17 دولة بجانب الأممالمتحدة، والاتحاد الأوروبي، تواجه حلفاء النظام مع معارضيه من العواصم العربية والعالمية لأول مرة، وتم إصدار بيان من 11 نقطة توافق عليها الجميع، لكن بقيت خلافات جوهرية أبرزها مصير الأسد، هل يبقى فترة انتقالية مدتها ستة أشهر؟، أم يظل في السلطة؟. وتقديري أن بقاءه فترة انتقالية كان قبولا على مضض من مؤيدي الشعب السوري المطالبين برحيل الديكتاتور، لكنهم وافقوا في سبيل إنجاز الحل سياسي، وإنهاء شلالات الدماء، والحفاظ على سوريا كدولة موحدة، لكن بعد مؤتمر فيينا بأيام قلائل بدأ يظهر التشدد الإيراني بشأن مصير الأسد، فقد صدرت تصريحات على لسان جنرالات وساسة في نظامها الديني بما فيهم المرشد الأعلى حاسمة في أن أي حل لابد أن يحظى بقبول الحكومة والشعب السوري، والمعنى واضح، فلن تقبل الحكومة حلا ينتهي بخروج الأسد من المشهد، فلا حكومة مستقلة في سوريا يمكن أن تطرح مصير الأسد على النقاش، النظام كله هو شخص الأسد وعائلته، والباقون دمى، مثلا هل يعرف أحد شيئا عن فاروق الشرع نائب الأسد؟، ولهذا خرج نظام دمشق يؤكد من طهران عبر فيصل المقداد نائب وزير الخارجية بأن الأسد رئيس شرعي منتخب وخط أحمر، هذه نكتة بالطبع، من انتخبه، وكيف تم انتخابه، وعلى أي أساس، وهل في سوريا انتخابات أصلا؟. وهل هناك رئيس منتخب يقتل الشعب الذي انتخبه؟، والشعب لوكان انتخبه حقا ومتمسك به هل يخرج قائلا له ارحل رغم مئات التضحيات الجسيمة التي يقدمها منذ سنوات؟. النظام المنفصل عن الواقع ينسف نتائج اجتماعات جنيف، وفيينا، ويقول إننا فقط مستعدون لمناقشة حكومة موسعة وتعديلات دستورية، أي كأنه لم يحدث شيء على الإطلاق، ولم تسقط قطرة دم واحدة، أحد موظفي النظام يخاطب ما يسميها المعارضة الوطنية - معارضة يصنعها نظام الأسد - قائلا إننا يمكن أن نجلس معكم، ونشكل حكومة موسعة، ونجري بعض التعديلات الدستورية، كل ذلك في إطار نفس النظام، ونفس الرئيس، ونفس السياسات!. لماذا تهدد إيران بالانسحاب من اجتماعات فيينا؟، ولماذا يقول مرشدها بصوت حازم إن الحل السياسي للأزمة السورية هو ما تقوله إيران؟. إيران تشعر اليوم ببعض القلق من روسيا خشية أن تغير موقفها، وتقبل بديلا للأسد، كما تشعر بالقلق أيضا من تزايد النفوذ الروسي السياسي والعسكري في سوريا على حساب نفوذها القديم، وربما نكون أمام صراع خفي بين البلدين على من يكون هو المحتل الأساسي لسوريا، وصاحب القول الأخير فيها، وهذا يفسر تصريح المرشد خامنئي بأن ما تقوله إيران هو الكلمة الفصل، طهران لا تضمن أن يسمح لها بديل الأسد ولو جاء من قلب نظامه بمواصلة هيمنتها على سوريا ولبنان لحماية حزب الله، وتخشى نسف قاعدة مشروعها التوسعي في المنطقة، بعكس روسيا التي يمكن أن تضمن توافقا إقليميا دوليا على بقاء مصالحها سواء بالأسد أو بدونه لاعتبارات ترتبط بكونها قوة كبرى ولها حصة في مناطق النفوذ بالمنطقة. تصريح المتحدثة باسم وزير الخارجية الروسي بأن بقاء الأسد في السلطة ليس حتميا بالنسبة لروسيا هو من تسبب في تلبك معدة إيران خلال الأيام الماضية وجعلها تقوم بما يشبه الهجوم الدبلوماسي المكثف والمنوع لتقول لا تفاوض على الأسد، ونحن لنا القرار في سوريا. لكن من يتعمق في فهم الموقف الروسي سيجده لا يبتعد عن إيران كثيرا، فهو إذا كان لا يتمسك بالأسد، لكنه ليس مع رحيله الآن، ولا بعد فترة انتقالية، إنما يرهن مصيره بأيدي الشعب السوري من خلال الانتخابات، والروس يطرحون ذلك الحل الصعب الذي ينهي أي أمل في حل سلمي، ويبقي الحرب مستمرة بمشاركتهم مع الإيرانيين. المشهد معقد، الحل مازال بعيدا، السوريون هم من يدفعون الثمن من دماءهم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.