بينهم أبو تريكة.. قبول طعن 121 متهمًا على إدراجهم بقوائم الإرهاب    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    الصور الأولى لأبطال فيلم "تاني تاني" قبل عرضه    رئيس بعثة صندوق النقد تشيد بالإجراءات المصرية في ملف المناخ    رئيس الوزراء: نسعى لتطوير قطاع الصناعة الفترة المقبلة    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    أسعار ومواصفات أودي Q3 موديل 2024 بعد إضافة فئة جديدة    البيئة: 550 مليون يورو استثمارات تمت وجارية بمجال التوافق البيئي في الصناعة    الاحتلال يواصل إغلاق معبري رفح وكرم أبوسالم    التحقيق مع وزير الزراعة الصيني للاشتباه في ارتكابه انتهاكات للانضباط الحزبي والقانوني    «الحرية المصري»: مصر لن تتخلى عن مسئولياتها تجاه الشعب الفلسطيني    زيلينسكي: الهجوم على خاركيف قد يشكل موجة أولى من خطة روسية أوسع نطاقا    جوارديولا: مويس سيفعل كل ما في وسعه لإفساد تتويج مانشستر سيتي    تحرك عاجل من كاف قبل ساعات من مباراة الأهلي والترجي بسبب «الجزائري».. عاجل    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    الأهلي يحدد موعد عودته إلى القاهرة بعد خوض مباراة الترجي    بعد الخلافات العديدة.. إشبيلية يعلن تجديد عقد نافاس    القوافل التعليمية.. خطوة نحو تخفيف العبء عن الأسر المصرية    في انتظار عيد الأضحى المبارك: التحضير والاستعداد للفرحة القادمة لعام 2024    تعرف على تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي.. في العناية المركزة    ليلة سقوط اللصوص.. القبض على 9 متهمين بارتكاب جرائم سرقات بالقاهرة    ضبط قائد لودر دهس طفلة في المرج    في يومها العالمي، متاحف الإسكندرية تستقبل زوارها بالورود والحلويات (صور)    ثورة غضب عربية على الاحتلال الإسرائيلي بسبب عادل إمام    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    الرعاية الصحية: نمتلك 11 معهدًا فنيًا للتمريض في محافظات المرحلة الأولى بالتأمين الشامل    بعد إصابة المخرج محمد العدل، احذر من أعراض جلطة القلب وهذه أسبابها    الكشف على 1645 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» ببني سويف    «المصل واللقاح»: متحور كورونا الجديد سريع الانتشار ويجب اتباع الإجراءات الاحترازية    حزب الله: استهدفنا تجمعا ‏لجنود الاحتلال في محيط ثكنة برانيت بالأسلحة الصاروخية    الأحجار نقلت من أسوان للجيزة.. اكتشاف مفاجأة عن طريقة بناء الأهرامات    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    «الري»: بحث تعزيز التعاون بين مصر وبيرو في مجال المياه    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    ب5.5 مليار دولار.. وثيقة تكشف تكلفة إعادة الحكم العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة (تفاصيل)    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    معهد القلب: تقديم الخدمة الطبية ل 232 ألف و341 مواطنا خلال عام 2024    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    صحة غزة: استشهاد 35386 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر الماضي    "النواب" يناقش تعديل اتفاقية "الأعمال الزراعية" غدا الأحد    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    موعد مباراة بوروسيا دورتموند أمام دارمشتات في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    تشكيل الشباب أمام التعاون في دوري روشن السعودي    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصرية تنجو من جحيم السجون بمعجزة
نشر في المصريون يوم 13 - 07 - 2016

في قصة تحمل كل ألوان العذاب النفسي والعصبي، تعرضت مواطنة مصرية وأطفالها بعد أن أرادت أن تسافر إلى زوجها الذي تستقر معه في لندن، لكل أنواع التضييق بمطار القاهرة في كل مرة تحاول السفر فيها.
وتم إجراء تحقيقات معها من قبل ضابط الجوازات وتبلغ بأنها ممنوعة من السفر بأمر من الأمن الوطني بحجة الشك بأن زوجها له علاقة بالإخوان، الأمر الذي هدد حياتها وأولادها الذين كادوا أن يتم فصلهم من مدارسهم في الخارج.
المصرية المذكورة هى المدونة سارة جمال تعمل صحفية وتروى قصتها في مقال لها بعنوان "مصر ليست أمي!" على موقع "هافينجتون بوست عربي" بعد خروجها من مصر بمعجزة إلهية، وكيف أنها لم تعد محبة لمصر التي كانت تعشقها نظرًا للعذاب الذي تعرضت له فيها، وخوفها من أن تكون خلف أسوار السجون في أي لحظة بعد أن تم منعها حوالي ثلاثة مرات من السفر أو أكثر لتحرم وقتها من زوجها الذي ينتظرها في الخرج وأولادها الصغار الذين أرهقهم البكاء خوفًا من المجهول.
وإلى نص المقال:
لم يخطر فى بالى يوماً أن يأتى الوقت الذى (أكره) فيه مصر، بلدى وموطني!
قابلت الكثير ممن تمنوا الخروج منها، والعيش فى أى مكان آخر، وقابلت من عاش فيها وهو يلعنها كل لحظة، وهو يعانى من الغلاء والزحام والبطالة والفساد وعدم الأمان.
كنت أنكر عليهم تلك المشاعر السلبية واعتبرتهم كالأبناء العاقين لأمهاتهم، وهم يتناسون خيرها عليهم، واغتربت عن بلدى فزاد ارتباطى به واشتياقى إليه رغم كل شيء، فكتبت عنها، وكنت أدعو الله كثيراً أن يرزقنى السفر إليها، ورؤية أهلى وبيتى وأصدقائي، وقد كان.
سافرنا وكنت كما يقولون (حاطة إيدى على قلبي) فرغم فرحتى التى لا يمكن وصفها فإن الخوف امتزج بها فصارت بلا طعم، ولكننى اجتهدت أن أجعل سعادتى تنتصر فى تلك المعركة المجهولة بالنسبة لي، قضيت ساعات الطيران أُحلق فى سماء الذكريات الجميلة فى مصر.
"الأمن الوطنى عايزك.. اتفضلى معانا!".. هكذا قال لى ضابط الجوازات، وهو يمسك بجواز سفري، وهو ينظر إلى بحدة واضحة.
وعندما سألته عن السبب، قال إنه لا يعرف، وكنت أحمل طفلى نائماً على كتفي، فقال لى الضابط: "سيبى العيال هنا وتعالى معانا".
رفضت ذلك، وطلبت منه أن يكونوا معي، لكنه أصر على ذلك، مدعياً أنه غير مسموح لهم التواجد هناك، وصممت أنا أيضاً على طلبى فهم صغار وقد يبكون، دخلنا معاً فى ممر ضيق ذى رائحة سيئة، وفوجئت بأيدى بناتى تتشبث بملابسى وهن ينظرن إلى بخوف، فأمسكت بهن لأطمئنهن وأنا أرتعد خوفاً وقلقاً.
قابلت رجلاً ضخماً يجلس على مكتبه القديم فى حجرة ضيقة، وحاولت أن أبدو هادئة قدر الإمكان وسألته: ممكن أعرف فيه إيه؟
وفى برود ملحوظ، وتجاهل غريب، لم يرد على وهو يمسك بجواز سفري، وبدأ ينسخ بيانات منه فى ورقة، فانتظرت لحظات ثم أعدت عليه السؤال مرة أخرى، فرد على وهو ما زال لا ينظر لوجهي: "انتى هتطلعى دلوقتى على الأمن الوطنى فى القاهرة.. وهناك ابقى اسأليهم".
شعرت بخوف شديد يتملكني، ثم نادى على شخص يقف جانب بابه، وهو يطلب منه أن يأخذنى معه، فخرجت معه وطلب منى الانتظار قليلاً، فانتظرت طويلاً وسط بكاء ابنتى ومكالمات زوجى وأهلى للاطمئنان علينا كل حين، حتى دخلت معه مكتباً آخر كبيراً يجلس فيه شاب فى مقتبل العمر مبتسماً، وبدأ يوجه أسئلته لى وهو يدون إجابتى فيما يسمى بالتحقيق، سألنى فيه عن كل شيء يخص سفرنا وانتقالنا من قطر إلى لندن، وعن عمل زوجى وطبيعته وتمويله وفى النهاية نظر إلى متسائلاً: "هو جوزك إخوان؟"، فقلت: لا، فاستطرد وقال: "طب انتى إخوان؟"، قلت: لا.
ثم قال: "طب احلفى إنكم مش إخوان؟!"، فأجبته: "أنا قلت لحضرتك إحنا مش إخوان!"،
فتساءل بصوت عالٍ بكل تلقائية: طيب ليه انتى هنا؟ خلاص قومى ولما يكلموني، وأعرف هعمل معاكى إيه هناديكي!!
خرجت وانتظرت مدة أطول من سابقتها، إلى أن نادانى أحدهم من أجل تفتيش الشنط عند الجمارك، وكانت هذه هى المرة الأولى التى أرى فيها كيف يفتشون الأمتعة أخرجوا كل شيء وأى شيء، كانوا يبحثون عن كل ما له قيمة، وأنا أقف مكتوفة الأيدى مذهولة ومحبطة. وفى النهاية وبعد انتظار للمدة الثالثة ذهبت إلى نفس الرجل المتجهم فى مكتبه الضيق وجدته ينظر إلي، وهو يبتسم ويعطينى جواز سفري، قائلاً: "حمد لله ع السلامة".
ظننت أنها ابتسامة صادقة ودعوه طيبة، ولكنى عرفت بعدها أنها لم تعنِ ذلك.
وبدأت إجازتى فى مصر، التى كان أهم ما تمتاز به الانتظار، كل يوم أنتظر فيه اليوم الذى سأسافر فيه إلى لندن، حتى يطمئن قلبي، لم أستطع استيعاب حالتي، وقد تبدلت 180 درجة، فها أنا وسط أهلى وأختي، ولكن دون مشاعر، وكأننى أمام سراب وليس حقيقة، وقرر زوجى تقديم تاريخ سفرنا، ربما ليعجل بالنتيجة وهو لا يطيق مثلنا الانتظار، فجاء يوم العودة، وودعت أهلى ودخلت صالة المطار، وأنا أعلم أن كل ما سيفعلونه معى "هيرخموا" - يتعمدون المضايقة - على كما أكد لى الكثير.. وبمجرد أن مرر الضابط جواز سفرى على جهاز الكمبيوتر أمامه حتى رفع سماعة التليفون بجانبه، قائلاً: "سارة جمال هنا!".
وطلب منى الانتظار جانباً، ثم ذهبت إلى ضابط آخر وهو يحاول التحرى عن الاسم، مدعياً أنه تشابه أسماء كما أخبرني، ثم أخذنى إلى مكتب قابلت فيه ثلاثة ضباط، والذى أعاد على نفس الأسئلة عن تاريخى العائلي، ثم طلب منى أن يأخذ جوازات سفر أطفالي؛ ليمنعهم من السفر مثلي، كانت المرة الأولى التى أسمع فيها آخر نداء للطائرة، وتزامن ذلك مع إنزال أمتعتنا مرة أخرى للتفتيش، حيث وقفت صامتة وكأننى لا أرى ما يحدث!
أفقت فقط على سؤاله عن كارت البنك الخاص بي، وأخبرنى أنه سيأخذه، ثم غاب وعاد هو يعطينى إياه، وبعد انتهاء إجراءات التفتيش طلبت منهم أن يسمحوا لى بالسفر فى الطائرة التى تليها، ففكر قليلاً ثم قال لأحد أفراد الأمن أن يأخذنى لصالة السفر، مشيت معه وصعدنا سلماً، وهناك دخلنا مكتباً كبيراً يجلس فيه رجل بملابس مدنية، ونظر إلى قائلاً: انتى ممنوعة من السفر! أنكرت ما قاله بأننى فهمت أنه بإمكانى السفر فى الرحلة القادمة!
ابتسم ساخراً قائلاً: "أنا قاعد مستنيكى هنا عشان أقولك أنك ممنوعة من السفر!".
وعندما سألته عن السبب، أجابني: "أنا معرفش حاجة، لو عايزة تعرفى روحى مكتب الأمن الوطنى فى القاهرة، وهناك هيقولوا لك كل حاجة!".
تركته وأمسكت بأطفالى الذين بدأوا فى البكاء وأخذت أمتعتى وخرجنا من صالة الوصول، وكأننى أعيد تصوير مشهد كئيب من فيلم سينمائى سخيف وطويل، فها أنا أبكى وأنظر إلى السماء فى انكسار: يا رب!!
مرت أيام وأنا على أرضها، أقابل ناسها وأتعجب كيف يعيشون فيها، لم أعد أشعر بتلك المشاعر الجياشة نحوها، بل أصبحت لا أطيقها، عشت كالهاربة التى تخشى القبض عليها فى أى وقت، كل ما ربطنى بها وهون على ما ألاقيه هم أهلى وأصدقائى المقربون.
قضيت مدتى بين نصيحة هذه ونصيحة تلك، عن البيت الذى سأعيش فيه، فلا داعى للعيش فى شقتنا بعد أن عرفنا بسؤال مخبر عنا، وعن مدارس الأولاد وعن فلوس معيشتنا وعن وعن!! الكل يتكلم وأنا أسمع كالأصم، فالخوف قد امتلكنى والقلق كاد يقتلني، لم أعد أجد إجابة مقنعة لأطفالى حين يسألون: "هو إحنا هنروح لبابا إمتى؟ هم ليه الناس ضايقونا فى المطار وما سافرناش؟ هو إحنا ليه مش قاعدين فى بيتنا؟".
انتهت الإجابات وأصبحت عقيمة وأثناء ذلك كله أخبرنى زوجى أن مدرسة الأولاد قررت أن تمهلهم مدة زمنية، وإن لم يأتوا فيها سيضطرون إلى فصلهم منها!!
وكان اقتراحه واقتراح البعض أن يسافر الأبناء مع أمى له حتى يكملوا عامهم الدراسي، وأصبحت القضية الشاغلة هى مدرستهم، وكيف نحافظ على مكانهم فيها، وكان على التفكير سريعاً واتخاذ القرار، فكانت أياماً طويلة وحزينة مرت على كالضباب الكثيف، كنت أبكى كثيراً ولا أطيق النظر فى وجه أى شخص، وخاصة هؤلاء الذين طلبوا منى أن أسمح لأطفالى بالسفر!
لم يفهموا أننى بذلك أضيف إلى همى هماً أخر أكبر منه، فبدلاً من بعدى عن زوجى وقلقى على المستقبل سأكون بعيدة عن أبنائى الصغار.
رفضت الفكرة بشدة وأنا أقول للجميع :"مش هعرف أعيش بدونهم".
اقترح على البعض أن أقدم على بدل فاقد لجواز سفرنا، وبالفعل ذهبت للمجمع فى التحرير بعد أن وجدت شخصاً هناك يساعدني، وكانت المفاجأة عندما قابلني، وقال لى : "هو جوزك عمل إيه بالضبط؟ أصل جالنا من يومين نشرة بمنع العيال من السفر هم كمان"!!
وقفت صامتة وكأننى اعتدت المفاجآت والأخبار السيئة، ولكنه طمأننى أنه سيحاول أن يستخرج لنا جواز سفر جديداً، ولكن كمان يقولون ( كل شيء بتمن).
هكذا عرفت كيف تسير الأمور بمصر، وبعد أن كانت الرشوة بالجنيهات، أصبحت بعشرات الآلاف! فعلاً عمار يا مصر!
بدأت أحاول أن أتعايش مع حياتى هناك، قررت أن أتناول مسكنات الآلام، فحاولت أن أسعد نفسى ولو ظاهرياً بمقابلة الأصدقاء فى محاولة فاشلة للخروج من المحنة، واشتركت لأطفالى فى نشاط صيفى حتى أشغل بالهم عن الانتظار مثلي.
كانت مجرد محاولة، ولكن لم أفهم حينها أن تلك المشاعر البريئة التى تملؤهم لن أستطيع توقيفها، وهذا الحب والاشتياق ناحية أبيهم لا يمكننى أن أجد بديلاً عنه.
فها هو ابنى الصغير ذو الخمس سنوات يجلس مع أمى ويشاهد فيلم (نيمو) الشهير، وقرب نهاية الفيلم يتحدث بصوت عالٍ قائلاً: "نيمو مش هيشوف باباه زى ما أنا مش عارف أشوف بابا تاني".
"وفى ليلة من الليالي" كما يقولون فى القصص والحواديت، وجدت اتصالاً من زوجى فى منتصف الليل يسألني: "تقدرى تسافرى دلوقتي؟!".
وبعد حوار وأسئلة وبكاء وخوف، أخبرنى بأنه يعرف (وسيط) فى المطار وقد أخبره أن (سيستم الكمبيوتر) معطل، وسيظل على هذا الحال حتى الصباح.
تخيلوا معى هذا الموقف، اسرحوا هناك وكأنكم تجلسون معنا، أغلقت المكالمة وأنا أحاول شرح الموضوع لأهلي، أبى ذو الستين عاماً وأمى وأختي، أسألهم وأنا أصبحت مشلولة التفكير، وكأننى سأذهب لأرمى بنفسى فى النار وانتهت المناقشات إلى رفضى الفكرة برمتها، وعندما أخبرت زوجى بذلك اندهش بأننى أرفض فرصة سفرنا، مطمئناً لى بأن الرجل (الوسيط) أخبره بأنه سيجعلنا نمر بسلام، وإذا حدثت أى مشاكل سيستطيع أن يخرجنا مرة أخرى من المطار، لم أتحمل تلك الكلمات التى قالها لى زوجي، فخشيت بالفعل أن أكون قد ضيعت بيدى فرصة جيدة للخروج بأمان، وفى تلك اللحظة وافقت، وبدأ سيناريو السفر يكتب وكان على التنفيذ!
سنسافر إلى لبنان وكأننا ذاهبون لحضور فرح قريبتى هناك، معنا شنطة صغيرة فقط فهى ليلتان وسنعود قريباً، سنسافر بجواز السفر الجديد بعد أن حذف ( الواسطة) أسماءنا من (سيستم) الداخلية، كما أخبرنا، وسأقابل هناك مَن يعطينا المبلغ المطلوب لدخول لبنان، وهو الفين دولار لكل مسافر، معى خط تليفون جديد سأستخدمه فى التواصل هناك، إذن على بركة الله!!
ودعت أهلى وأنا لا أعرف أننى سأقابلهم ثانية، وها نحن نعيد نفس المشهد فى نفس المكان.

مشهد رقم 3

مطار القاهرة الجديد
يمر جواز سفر الأطفال بأمان، ولكن أنا لا، "ألو سارة جمال هنا".
انتظر جانباً واذهب لشخص آخر ويخبرنى بتشابه الأسماء، ثم مكتب الأمن الوطنى "رايحة لبنان تعملى إيه؟! فرح بنت عمك!! اااااه قلتيلي!!".
تفتيش حقائب اليد الخاصة بي، وأخذ جميع الأموال التى كانت فيها، وعندما سألتهم: "هو مش المطلوب لدخول لبنان ألفين دولار للفرد؟".
ولكن دون جدوى، واختفى ال(وسيط) هذا الرجل الذى لا أعرف عنه شيئاً سوى أنه كان سبباً فيما نحن فيه الآن.
أصبحت لا أقوى على منع دموعي، وكتم خوفى وقلقي، فالموقف يطول ودخلت مكتباً به خمسة ضباط يتناوبون على فى الأسئلة، وكأننى خطر كبير على أمن البلد وأخبرونى بأننى على ذمة قضية تحفظ أموال وتمويل جماعة الإخوان المحظورة والإرهابية!
وبأننى سأخرج من عندهم على النيابة العامة ومعى المبلغ الذى أصبح حرزاً وتم وضع الشمع الأحمر عليه.

وتم تفتيشى ذاتياً، وجلست معهم ساعات طويلة لا أعلم ما المصير، حتى وجدت رئيسهم يتحدث فى التليفون ثم يغلق السماعة فى غضب شديد قائلاً لزميله: الأمن الوطنى بيقول سبوها تمشى وادوها جواز سفرها، إحنا عايزين نجيبها من برة!!
كنت أبكى دون توقف ولا أستطيع التحدث، حمدت الله أن ابنى نام حتى لا يشاهد هذه المشاهد وتلك الوجوه، أخذنى رجل من الأمن الوطنى وأخبرنى أنهم ينتظروننى هناك، دخلت معه ذلك المكتب الذى حفظته جيداً وهناك نظر إلى أحدهم قائلاً: انتى ممنوعة من السفر، ما تحاوليش تانى تمشى عشان مش هتسافري.
وعندما أعدت عليه السؤال الذى أعرف إجابته: "ممكن أعرف إيه السبب؟، رد بنفس الإجابة بأن السبب سأعرفه عند الأمن الوطنى بالقاهرة.
خرجت من المطار وأنا أشعر بالاختناق، كانت المرة الأولى التى أعرف فيها أن خنقة الظلم أشد وأقوى من خنقة النفس!
واستمر المشهد فى التكرار، بكاء وخوف وعدم استطاعة أن أقابل أى شخص، ولكن الأمر الجديد هو أننى قررت ألا أتحدث فى الموبايل عن الأمر، بعد أن عرفت من الضباط بأننى مراقبة.
حاولت التعايش من جديد، دعوت الله كثيراً أن يفرجها برحمته وفضله، كنت أدعوه أن ينجينا من أجل أمي، التى كانت تخشى علينا العيش فى مصر بعد ما حدث، والتى اختارت أن ترانى سعيدة وآمنة مع زوجى حتى لو كان الثمن بُعدى عنها.
وبعد فترة تواصلت مع (وسيط) جديد قيل لى إنه يمكنه أن يخرجنا من مطار آخر محلى مقابل مبلغ مالى كبير، فرحت فرحة غامرة، وتضرعت إلى الله أن يرزقنى ثبات قلبى وألا يربط آمالى بقدرة العبد وإنما يجعل قلبى متعلقاً به وحده، فهو العليم القدير.

أصبح الأمر سراً بينى وبين أهلي، حتى إننى لم أستطع أن أخبر زوجى خوفاً من المراقبة، وقلت إن الحرص واجب، وانتظرت يوماً بعد يوم خبراً من (الوسيط) بإمكانية سفرنا بعد إنجاز مهمته فى مسح أسمائنا من (سيستم المطار) ولكن طالت المدة، فبدأ أبى يبحث عن كيفية سفرنا وسط فوج سياحى إلى السعودية لأداء عمرة رمضان.
وفجأة أرسل لى (الوسيط) بأنه الآن يمكننى أن أسافر، ولكن فى ختام الرسالة قال: "مفيش حاجة مضمونة والموضوع مش مضمون 100% يعني".
وفى سباق مع الزمن حجزت تذاكر الطيران إلى لندن، ولأنه لا يوجد رحلة مباشرة إليها اضطررت إلى اختيار (ترانزيت) قطر وبعد أن كانت الرحلة ستستغرق 4 ساعات، ستكون 12 ساعة!
أحضرت أغراضى مسرعة وأنا أترك الكثير منها فقد أصبحت دون قيمة عندي، الهدف هو فقط الخروج الآمن.
أخفيت على أبنائى الخبر حتى آخر لحظة، كما لم أستطع أن أخبر أختى ولم أودعها.
تحركنا باكراً مع أهلى إلى المطار، كنت خائفة وفى نفس الوقت مستبشرة خيراً، كانت أمى واثقة بأننى سأسافر بسلام، فاطمأن قلبى بذلك.
صرنا نغنى فى السيارة، وأنا أرى دموع أمى داخلها تأبى أن تسقط، ظل أبى صامتاً وهو يحاول كتمان قلقه وخوفه علينا، وصلنا بسلام لصالة السفر، وودعت أهلى ودخلت وأنا أردد كافة الأدعية والآيات التى أحفظها، وقفت أمام شباك ضابط الجوازات وأنا اتظاهر بالقوة والثبات، وكانت قمة فرحتى حينما قام بختم جميع جوازات السفر، وفجأة طلب منه الضابط المجاور له فى المقعد وهو ينظر إلى شاشة الكمبيوتر أن يعطيه جواز سفري، وطلب منى الانتظار!!

وها أنا أنتظر من جديد!!

وجدت أطفالى يسألون بحزن : "إحنا برضه مش هنعرف نسافر؟"، قلت لهم: "قولوا يا رب".
وأصبح جواز سفرى يتنقل من مكتب لآخر، فالمطار صغير لدرجة تسمح لى برؤية هذه المكاتب وتلك التفاصيل، ولكننى قررت أن أغير السيناريو ولو (رتوش) منه، فربما ستتغير النتيجة، أصبحت اتنقل مع جواز سفرى ولا أتركه، وحاولت أن اطبق جميع الدروس التى تعلمتها زمان فى مهنة الصحافة، فلكى أكون صحفية ماهرة على أن أكون (رخمة وزنانة)!!
"لو سمحت ممكن أعرف فيه إيه؟".
"أنا ولادى بيعيطوا ومحتاجين نمشي.. الطيارة هتفوتنا أرجوك"!!
أقول تلك الجمل ثم أمشى مرة أخرى وأنتظر، أجد أمامى طابور المسافرين على وشك الانتهاء، أنظر إليهم وأنا أتمنى أن أصبح مكانهم.
وتذكرت حينها جملة سمعتها: "ربنا مش بيعمل حاجة عشانا، سايبنا وهو عارف إن إحنا تعبنا بس مش بيساعدنا، هو فين ربنا؟!".
حروف وكلمات قاسية صعبة، رفضتها أذنى عندما سمعتها، واسترجعها عقلى الآن لماذا؟
ولكنه استرجع أيضاً دعاء أمى لى فى الصباح وهى تطلب منى أن أردد : "يقينى بك يا رب إنى هرجع لجوزى بأمان".
فأصبحت أكررها بصوت مسموع وكأننى أمسح العبارة الأخرى، وأجتهد أن يصل قلبى لهذه الحالة من الاستسلام لله وحده، وأنا على يقين أنه لم ولن يضيعنا، حاشاه عز وجل أن يضيع عباده.

نادانى الضابط بصوت عال، وبدأ بالتحقيق معى حول تفاصيل سفرنا للندن وطبيعة عمل زوجى وسبب منعنا من السفر من مطار القاهرة، ولماذا قررت أن أسافر عن طريق مطار آخر؟!
وفى نهاية التحقيق سألني: "هتيجى تانى مصر إمتى؟"، كنت على وشك أن أجيب بأننى لن أسافر لمصر مرة ثانية، ولكنى غيرت فكرى سريعاً قائلة: "هاجى على طول إن شاء الله".
فطلب منى أن أحدد تاريخاً بعينه، اندهشت داخلى وقلت: "يعنى ممكن 23 مثلاً".
وجدته يكتب التاريخ فى الورقة أمامه وهو يقول: "هنستناكى يومها".
وأنهى الحوار وأعطانى جواز السفر، أخذته منه وأنا أطير فرحاً، وكأنه أعطانى مفتاح حريتي، جريت مع أطفالى لنلحق بالطائرة قبل دقائق من موعد إقلاعها.
طمأنت أمى وأبى ولكن لم أستطع أن أكلم زوجى خوفاً من معرفتهم بأمرى وأخذى من على متن الطائرة، كما فعلوا مع البعض من قبل.
سافرت وأنا أودع كل الصعاب والآلام، أودع هذه البلدة الظالم أهلها قبل حكامها، أودع الخوف والقلق ليلاً وعدم الاستقرار، سافرت لأودع مصر التى لم تعد بعد ذلك (أمي).
وحتى الآن لا أعرف ماذا جرى؟ هل كان لل(وسيط) دور فى سفرنا؟ أم كانت حالة الاستسلام لله وحده والاستعانة به؟ أم أنها بركة دعاء أمى التى لم يتوقف لسانها عن ذكر الله والتضرع إليه حينما عرفت بمنعى من السفر؟
حقاً لا أعرف ما السبب! ولكن ما أعرفه جيداً أن رحمة الله وقدرته أكبر من كل شيء، الحمد لله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.