يحرص ملاك السفن التجارية والناقلات الضخمة التي تمخر عباب البحار والمحيطات الهادرة والهادئة في شتى أنحاء المعمورة أن تكون تلك السفن راسخة وقوية البنيان يديرها طاقم فني من البحارة على قدر عال من العلم والخبرة وتحمل المسئولية لمواجهة الظروف الطارئة للتغلب على الأمواج العاتية والأعاصير والرياح والصخور المدمرة التي تستجد كل يوم بل وكل لحظة، ومهما كان حجم السفينة ومهما بلغت حمولتها أو عدد ركابها وما تحمله من مؤن، إلا أن اختيار ربان السفينة وطاقم إدارتها واختبار كفاءتهم الفنية والنفسية دوريا أمر في غاية الحساسية والأهمية، لأن انعدام الخبرة بقيادة السفن وطرق إدارتها وصيانتها يمكن أن يؤدي إلى غرق السفينة بمن فيها ومن عليها من أرواح ومؤن ومنافع وأموال ، لذلك سعت الدول وملاك السفن والعبارات إلى توفير كل سبل السلامة بالتدقيق في معايير اختيار ربان السفينة وطاقمها وقدراتهم العلمية والنفسية وخبراتهم حفاظا على الأموال والأنفس. وهكذا الأوطان لابد أن تتوافر في قياداتها القدرات العلمية والكفاءة والخبرات اللازمة والثقة الكاملة لمواجهة الأعباء السباسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي لا تقل صعوبة عن مواجهة الزلازل والأعاصير والأمواج العاتية في عرض البحر إن لم تكن مواجهة ظروف حياة الشعوب أشد وأقسي، وإلا فإن تلك الأوطان معرضة للغرق بسبب عدم القدرة على مواجهة الصعاب. بالأمس القريب يوم 8 مايو 2016 خرجت القيادة السياسية لسفينة الوطن لتعلن من جانب واحد وبشكل منفرد فجائي ومتسرع التوجه بسفينة الوطن نحو القواعد الصخرية القابعة في الوعي العام بقداسة التراب الوطني وحدمة كل شبر فيها، وقررت التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية وبموجب توقيعها أعلنت نقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير إلى سيادة المملكة باعتبارهما ضمن ترابها الوطني مما أصاب معظم الشعب بالصدمة وأوقع المواطن المصري في أزمة نفسية عميقة يحيط بها الاستفهام الاحتجاجي من كل جانب : فهل كانت المعلومات والوثائق التاريخية المصرية والدولية مجرد أكاذيب ؟ وهل كان الملك فاروق والزعيم جمال عبد الناصر ومبارك مغتصبون لحق دولة مجاورة ؟ هل كانت مصر دولة مرتزقة تدافع عن جزر الغير في حرب يونيو 67 ؟ وأين ذهبت الوثائق التي اعتمدتها وزارة الخارجية المصرية لتثبت أحقية المملكة في الجزيرتين ؟ ومئات الأسئلة التي ظلت دون رد شاف من حكومة تطوعت بالدفاع عن حقوق للغير على ترابها الوطني !!!. ولم تكتف الحكومة بخروج المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية ووراءه بعض الأبواق الإعلامية ليعلنوا سعودية الجزيرتين، بل وقف رأس الدولة على رؤوس الأشهاد ليعلن إغلاق الحديث في مسألة الجزيرتين، فالموضوع انتهي، ثم استكملت حلقات اللامعقول بقرار من النائب العام يحظر النشر كي لا تحول القضية إلى رأي عام ضاغط. ولم يتوقف النظام عند هذا الحد، بل أقدم النظام على ارتكاب فضيحه أكبر بالقبض على كل من عبر عن رأيه بالتظاهر السلمي بمصرية الجزيرتين أو حتى عبر عن نيته في التظاهر، واقتحمت قوات الأمن نقابة الصحفيين لنفس الأسباب، ولكن مجموعة من أبناء مصر الأوفياء تصدوا للدفاع عن حق مصر المخدوعة برفع دعوى ضد القرار والتوقيع ليصدر قرار المحكمة الإدارية في هذا اليوم التاريخي 21 يونيو ببطلان اتفاقية تيران وصنافير لتخرس كل الألسنة المدعية بالباطل مؤقتا، ولكن التساؤلات لم تنته بعد، فهل تمارس أجهزة الدولة جنونها برفع استشكال ضد الحكم بمصرية تيران وصنافير ؟ ومن يستطيع من القضاة في المحكمة الإدارية العليا أن يتحمل مسئولية حكم ينتهك سيادة الأرض المصرية ؟ وهل تكمل حلقات العبث بقيام الحكومة بعرض القضية على مجلس النواب ؟ ترى كيف يمكن- بعد ذلك- الوثوق بالنظام السياسي القائم بعد تعريته من الحكمة والحكمة والشفافية وإهدار الدستور والقانون ؟ وكيف يستطيع استكمال السير في ظل تخبطه وتعثره في قيادة سفينة الوطن إلى بر الأمان بتسعين مليون نفس ؟ كل يوم يتأكد الإحساس بأن الخرق قد اتسع على الراتق، فهل من عقول رشيدة تجنب البلاد ويلات التخبط والعشوائية وانفلات الزمام اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا قبل فوات الأوان ؟؟؟ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.