التخبط الإداري والفشل وكذلك البيروقراطية في بعض مؤسساتنا عرض لمرض مزمن إسمة "توريث الوظائف". منذ سنين عديدة والبعض ممن يشغلون وظائف مرموقة في بعض المؤسسات يعتقدون أن نجاحهم الوظيفي سوف ينتقل بالوراثة لأبنائهم إذا ما شغلوا نفس الوظيفة في نفس المؤسسة، لكن التجربة أثبتت عكس ذلك في نسبة كبيرة منهم،لكن قد تنجح بعض الحالات لكنها نادرة. يغيب عن الذين يُقحمون ذويهم-أو أقاربهم- في وظائف قد لا تتناسب مع قدراتهم أو ميولهم ومواهبهم أنهم أؤلئك قد يحققون ذواتهم وينجحون في وظائف أخري وقد يكونون أفضل من أبائهم بكل المقاييس، لكن البعض دائماً يتحايل علي الواقع والقدرات التي منحها الله لكل فرد فينا. وما الفشل الذي نراه في صورة قرارات إدارية خاطئة في بعض المؤسسات لبعض المسئولين الغير مؤهلين أو جمود الأوضع فيها دونما أية تغيير أو إرتقاء للأفضل إلا ترجمة لما سبق، فبعض الوظائف لها متطلبات ومهارات وقد لا تتوافر فيمن نُقحِمهُم في وظائف بعيدة عن قدراتهم.
من خلال متابعتنا لكشوف التعيين او القبول في في بعض المؤسسات الهامة في بلدنا تعكس حجم المحسوبية والوساطة وليست الكفاءة أو التميز هي التي تحكم الإختيار. نشرت بعض الصحف المعروفة خبر يفيد بأنه في إحدي المؤسسات الهامة لم يكتف أحد السادة الذين يعملون بهذا المجال بتعيين إبنه في تلك المؤسسة لكن سعي أيضاً لتعيين إبنته بعدما حصلت علي المؤهل المناسب لتلك الوظيفة، المفارقة أنها كانت حاصلة من قبل علي مؤهل يتمني معظم الآباء أن يحصل عليه أبناءهم-بكالوريوس صيدلة- يمكن لإبنته أن تعمل به وتصبح من الناجحين في هذا المجال. فلماذا يفعل البعض منا ذلك؟ علماً بأن العديد من الشباب المؤهل واللائق لتلك الوظائف قد لا يحالفه النجاح في الحصول عليها لأن آخر قد شغلها وهو في غير حاجة لها.
ذهب أحد أصدقائي لأحد البنوك الحكومية وتوجه إلي موظفة شابة وسألها طلبه-كان طلباً عادياً وروتينياً لا يحتاج لخبرة- فما كان منها إلا أن تركته وذهبت لأحد زملائها لتسأله عما تفعل في الأمر وتكرر ذلك الأمر منها مرات عديدة فتأكد صاحبي أنها إبنة لأحد العاملين بالبنك.
قد يلتمس البعض العذر لمن يفعلون ذلك نظراً للبطالة وقلة الفرص العمل الجيدة أمام أبنائهم فينظرون للفرصة المتاحة لهم علي أنها هي الاولي والأخيرة وإلا فقد يضيعوا في معترك الحياة الصعبة، لكن دعونا نتصور لو أننا جميعاً فعلنا مثلما فعلوا سوف نقضي علي الأمل في السعي والجد والإجتهاد عند العديد من الشباب الواعد والذي قد يُحَدث نفسه قائلاً فيم الإجتهاد والتحصيل وأمامه طريق مسدود في الحصول علي الوظيفة التي يريدها ويتمناها طموحه وهو يعرف أنها محجوزة لزميله الأقل منه جهداً وتحصيلاً لأنه من أبناء العاملين. أخطر ما في الأمر أن يشعر الإنسان-خاصة الشباب- بغياب العدالة الإجتماعية وكذلك تكافؤ الفرص والمساواة. فهل جميعنا يريد العدل للجميع أم يريده لنفسه فقط حيث قد نجد الكثير يتكلمون بحماس عن وجوب تطبيق العدل لكن عندما يقع في تجربة حقيقة في محاباة إبنه أو أحد أقربائه.
يقول جون جاردنر في كتابه التميز-الموهبة والقيادة، "الحق أن كل محاباة تقيس الأفراد علي أساس من قراباتهم بدلاً من قدراتهم وشخصياتهم إنما هي البذرة التي إذا ما غُذيت غذاء سليماً إستطاعت أن تُنتج في النهاية مجتمع أوضاع وراثية كامل النضج......إن من الشائق أن تنظروا بعين فاحصة الي أرستقراطيات المهنة بما لها من قيمة بقائية ذات أثر في بنائنا الإجتماعي الراهن، وحسبك أن تلاحظ وأن تتأمل عدد الأبناء الأكاديميين الذين ينتمون الي آباء أكاديميين، وعدد الأبناء العسكريين الذين ينتمون الي آباء عسكريين.........وهكذا دواليك. وحتي في الجيل الثاني من أمثال هذه الأسر، فإن المرء يتملكه إنطباع قوي عما يلحظه من إتجاهات-تحاصرهم حصاراً-وإحساس بالإنتماء الي عالم خاص بهم، وأنعزالية متنامية عن العالم بوجه عام".
الأكثر مرارة وبعيدا عن الحكومة أن يتم توريث بعض المهن التي تتطلب مواهب وقدرات من نوع خاص لا يمكن للإنسان أن يؤديها إلا إذا توافرت فيه موهبة وتميز مثل فن المثيل والغناء أوالتأليف الموسيقي لأنها تتطلب بصمة شخصية للإنسان فيها حتي لا يكون مسخ وتكرار لشخصية أخري حتي لو كان أحد آباءه.