كانت وزارة القوي العاملة في الماضي القريب منوطًا بها توزيع خريجي الجامعات والمدارس الفنية علي الوزارات والهيئات المختلفة وكانت أسبقية التخرج تمثل المعيار الأساسي للتعيين. ولم يكن هؤلاء الخريجون في حاجة إلي وساطة الوسطاء أو نفوذ النبلاء للفوز بالوظيفة الميري. أما في هذا العصر الذي يشهد خصخصة القطاع العام وندرة الوظائف الحكومية فقد يضطر الخريج إلي تدخل الآباء والأقارب لكي يتغلب علي البطالة التي تزداد وطأتها في ظل الأزمات التي يمر بها العالم. أن الفئة الوحيدة التي تقف لها الصحافة بالمرصاد في هذا الشأن هم أساتذة الجامعة. من الملاحظ أن كل فئات المجتمع تحرص علي تأمين مستقبل الأبناء بشتي السبل سواء كان ذلك في ذات المصالح والمؤسسات التي يعملون بها أو في مواقع أخري. ففي شركات عديدة يقوم المسئولون بتعيين أبنائهم وأقاربهم. أعرف مسئولا بإحدي الشركات نجح في تعيين اثنين من أبنائه وأخته وابن شقيقته وأعرف الكثير من العاملين في هذه الشركة الذين قاموا بتعيين أبنائهم قبل خروجهم علي المعاش. وكذلك حصل أقارب بعض أعضاء مجلسي الشعب والشوري علي فرص عمل في إحدي الشركات في إحدي محافظات الصعيد مما أثار حالة من السخط والاحباط بين مئات الشباب. وحتي البنوك القومية طالها مرض المحاباة حيث تشير تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات التي وردت في جريدة اليوم السابع الصادرة في 27 مايو 2010 إلي أن أقارب ومعارف كبار المسئولين بالبنوك حصدوا كل الوظائف المتاحة. المثير للدهشة أن مؤسساتنا الدينية أيضا لم تستطع الإفلات من عدوي المحاباة حيث طالعتنا إحدي الصحف المستقلة الصادرة في الأول من فبراير 2009 بخبر مفاده أن المستندات الرسمية أوضحت أن مسئولين بالأوقاف قاموا بضم مساجد وهمية غير موجودة علي أرض الواقع لتعيين الأقارب. إذن نحن أمام ظاهرة بدأت تنتشر في ربوع المعمورة، ظاهرة لا تجد من يتصدي لها بقوة وحسم. ورغم انتشار الظاهرة بشكل واضح فإن بعض الأقلام لا تجد الشجاعة إلا عند الحديث عن تعيين أبناء الأساتذة في الجامعات وكأن الأساتذة هم الفئة الوحيدة التي تسعي لتأمين وظيفة متميزة لأبنائهم. لا شك أن هنالك أساتذة يفعلون كل شيء لكي يعين أبناؤهم كمعيدين في الكليات التي يعملون بها. فأساتذة الطب مثلا حريصون علي توريث المهنة لأولادهم ونفس الكلام يقال عن أساتذة التخصصات الأخري. وهذا من حقهم طالما سعوا لها بالطرق المشروعة. أما الوسائل غير المشروعة كالتزوير فإنه يؤدي في الكثير من الأحيان إلي نتائج كارثية كما حدث في عام 2007م في كلية طب عريقة حيث تم توجيه تهمة التزوير في أوراق رسمية لوكيل الكلية لينتهي الأمر بالحكم عليه بثلاث سنوات في السجن. ما يتجاهله البعض هو أن معظم أساتذة الجامعة والمراكز البحثية يعبرون عن رفضهم للأساليب غير المشروعة. لعل القارئ يعلم أن علماء هيئة الطاقة الذرية منذ شهور قليلة عبروا عن رفضهم لأسلوب توزيع الوظائف والدرجات العلمية في الهيئة. وفي ظني فإن من حق الأساتذة تشجيع الأبناء علي التفوق والاجتهاد للفوز بالوظيفة المرموقة شريطة ألا يتدخل الآباء في نتائج الامتحانات من خلال استغلال وظائفهم أو صداقاتهم مما يمثل اخلالا لمبدأ المساواة والعدالة. وخلاصة القول: لو كانت ظاهرة المحاباة والوساطة في نيل الوظائف الحكومية منتشرة في العهود السابقة ما استطاع أي من المسئولين أن يصل إلي الوظيفة التي يتمتع بها الآن والتي يوزع من خلالها الوظائف علي الأقارب والأهل والأحباب. ينبغي وضع معايير واضحة لكل وظيفة، معايير من شأنها أن تحد من هذه الظاهرة التي ساهمت في تواضع الأداء في العديد من المؤسسات القومية.