يوم الأربعاء الماضى تلقيت اتصالاً هاتفياً من السيد أمين أباظة، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، ناقشنى خلاله فيما كتبته، الأسبوع الماضى، عن الثروة الحيوانية الوطنية التى تعرضت للتراجع الشديد خلال السنوات الأخيرة. كان الوزير غاضباً من الاتجاه العام للمقال الذى ذهب إلى أن «ارتفاع أسعار اللحوم البلدية ليس إلا حلقة طارئة من حلقات تدمير منظومة الإنتاج الحيوانى، وإخلاء الساحة أمام حفنة مستوردين نجحوا إلى حد كبير فى تنفيذ مخططهم ودفعوا المسؤولين إلى اتخاذ قرارات سريعة بالتوسع فى استيراد اللحوم المجمدة والأبقار الحية لمواجهة الارتفاع المفتعل وغير المبرر فى أسعار اللحوم البلدية». وقد استنتج السيد أمين أباظة من مقالى أننى أتهمه تحديداً بالاستجابة لمؤامرات المستوردين، بعد أن أبديت اندهاشى من تصريح منسوب له يقول فيه: إن سعر كيلو اللحوم البلدية قد يصل قريباً إلى 200 جنيه، وهو تصريح يبرر فتح الباب على مصراعيه لمافيا اللحوم المستوردة، لحصد مليارات الجنيهات من الفارق الكبير بين سعر اللحوم المستوردة فى بلد المنشأ، وأسعار بيعها فى مصر. وقد أدهشنى الوزير أكثر، عندما أكد لى أنه لم يقل إطلاقاً إن سعر كيلو اللحوم البلدية قد يصل قريباً إلى 200 جنيه، وأنه فوجئ بهذا الكلام المنسوب له منشوراً فى عدد من الصحف القومية والحزبية والمستقلة، وأنه لا يعرف حتى الآن من أين حصل المحررون فى هذه الصحف على هذا التصريح الذى لا ينبغى أبداً للمسؤول الأول عن الثروة الحيوانية فى مصر أن يتورط فى إطلاقه. وقد سألت الوزير: لماذا لم تصدر بياناً صحفياً تكذب فيه هذا التصريح؟ فأجابنى بأن شواغله ومسؤولياته لا تتيح له ترف ملاحقة ما تنشره الصحف والرد عليه.. خصوصاً أن حجم التصريحات والأخبار المختلقة والمغلوطة وغير الدقيقة أصبح كبيراً جداً، وأنه لو اهتم بالرد عليها كلها فلن يجد وقتاً آخر يتابع فيه مسؤولياته الأساسية. وأنا أتفق مع السيد أمين أباظة فى منطقه، وأتفهم تماماً أن الكثير مما تنشره بعض الصحف ومما يكتبه بعض الصحفيين عن مشاكل الزراعة والإنتاج الحيوانى والداجنى يفتقر إلى أبسط المعايير المهنية والموضوعية، ولكنى لا أوافقه أبداً على ترك تصريح شديد الخطورة منسوب إليه فى عدد كبير من الصحف - وفى توقيت واحد - دون تكذيب سريع، ودون وقفة حاسمة لمعرفة مصادر اختلاق هذا التصريح وهدفها من اختلاقه، لأن هذه المعرفة قد تكون كافية لإدراك أننا أمام مؤامرة هدفها تشجيع الفلاحين - الذين يمثلون 85٪ من إنتاج الثروة الحيوانية - على بيع مواشيهم الولود والعجول الصغيرة للجزارين، وتحقيق مزيد من الإجهاز على أهم موارد تجديد الثروة الحيوانية الوطنية. أعرف أن الوزير ينتمى إلى مدرسة فى التفكير لا تعترف بنظرية المؤامرة.. وقد يكون على حق فى ذلك، ولكننى، وكثيرين غيرى، رأينا وعرفنا وتأكدنا مراراً أن حجم الصراع على الأسواق، وحجم التناقض بين مصالح المستوردين الأقوياء، والمنتجين الضعفاء، يبرر إحساسنا بأن ما نحن فيه من انهيار اقتصادى وإنتاجى على كل المستويات لا يمكن إلا أن يكون خطة مدروسة ومنظمة نجحت إلى حد مذهل فى تعميق اعتمادنا على الاستيراد فى معظم ما نأكل ونلبس ونستهلك.. فى الوقت الذى لا نصدر فيه غير مواردنا المهددة بالنضوب وبأسعار شديدة الرخص! [email protected]
