إن البحث عن تأمين مصادر إمدادات النفط من الشرق الأوسط والحرب فى العراق وأفغانستان يستتفد كثيراً من جهود وزارة الخارجية الأمريكية فى الوقت الحالى، ولكن فى الحقبة المقبلة فإن جانباً مهماً من الاهتمام الأمريكى سيتحول إلى الصين أو الشرق الأوسط الجديد. وتنبأ الاقتصاديون بحدوث هذا التحول منذ عشرات السنين، فالصين أكبر دول العالم تصنيعاً وأكبر سوق للسيارات وأكبر منتج للأسمنت وأكبر ملوث للبيئة، كما أن قوتها العسكرية والبحرية فى نمو مطرد، واقتصادها يعتمد بشكل كلى على المواد الخام خاصة الطاقة والأخشاب مما يرسم خريطة المواد الخام فى أفريقيا وفى جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية وربما يتجادل الخبراء حول مدى تسارع الوضع الاقتصادى الصينى، حيث تنبأ العالم الاقتصادى روبرت فوجيل الحائز جائزة نوبل بأن الناتج المحلى الإجمالى الصينى ربما يمثل 40% من نظيره العالمى بحلول عام 2040 بينما يقلل آخرون من قيمة وأهمية الاقتصاد الصينى. ويرى البعض فى الصعود الصينى تهديداً لنمط الحياة الأمريكية، ويتخيل مارتين جاكوز مؤلف كتاب «متى تحكم الصين العالم؟» أن صعود القوة الصينية يهدد مبادئ التنوير السائدة فى الغرب. الصين والولاياتالمتحدة ستكوّنان معاً تحالفاً لا مفر منه لتشكيل الحكومة العالمية ولا يعنى ذلك أنهما ستصبحان أفضل صديقين ولا نتوقع أيضاً علاقات خاصة جديدة مشابهة للتحالف الأمريكى - البريطانى خلال القرن العشرين فلا توجد سابقة لتطور مثل تلك العلاقات المميزة، فكلتا الدولتين ستتنافسان وتتعاونان مع بعضهما البعض بصورة تبادلية.. وبينما ستعملان على تشكيل ودعم النظام العالمى يمكنهما الاستفادة منه. وستصبح واشنطن وبكين مهندسين عالميين مثل مجموعة دول العشرين أو على غرار منظمة التعاون الاقتصادى لدول آسيا والمحيط الهادئ وستتعاون كل منهما مع الأخرى لتطوير علاقتهما الثنائية وستعملان معا فى بعض القضايا، بينما ستسعى كل منهما إلى التخلص من الأفعال الأحادية للطرف الآخر. ولكن هذا لا يعتبر زواجاً بين متساويين، حيث لاتزال الولاياتالمتحدة القوة العالمية المهيمنة التى لا يمكن تحديها، كما أن الصين أصبحت أكثر تأثيراً من حيث قوتها الاقتصادية وتشهد تزايداً فى قوتها العسكرية ولكنها محدودة القدرة فى توظيف قوتها خارج حدودها، وحتى الآن تفضل الصين أن تكون فاعلاً حراً على الساحة العالمية التى تساعدها فى تأمين تجارتها وخطوطها الملاحية البحرية لتحقيق الاستقرار الإقليمى مما يتيح لبكين التركيز على التحديات الداخلية، فالصين ستواصل استعراض عضلاتها والبحث عن مصالحها بطريقة قد تزعج الولاياتالمتحدة، ومع ذلك لا تبدو الولاياتالمتحدة أنها ترغب فى احتواء الصعود الصينى ولا يمكنها عمليا القيام بذلك، والتحدى الحقيقى للولايات المتحدة يتمثل فى بناء علاقة تشجع الصين على المشاركة ودعم القضايا العالمية ذات الاهتمام المشترك والتى ستفيدها.