دائما الشعوب العربية تتفرد عن بقية شعوب العالم بالسير عكس الاتجاه، ودائما ممارساتنا مختلفة تماما عن أي ممارسة يسير عليها العالم، وفي مصر بالتحديد لنا اتجاه يختلف تماما عن اتجاه العالم، وأيضا عن اتجاه الشعوب العربية، مايثيرني في الموضوع هو المواطن المصري البسيط العادي المنطوي المتقوقع، الراضي والمغلوب على أمره، هذا المواطن أصبح سلبيا بطريقة تستحق الدراسة والمتابعة، فهو في العادة لايفعل أي شيء لتغير أي شيء على الاطلاق، وفي برأيي هو مصاب بمتلازمة " القفا الاول " وقد فُسّرت هذه المتلازمة على أنها نوع من أنواع التنفيض واللامبالاة المركزة، التي تاتي بعد أول قفا. ويرجع اصل التسمية إلى السادة المخبرين أصحاب الشنبات المنكوشة والرأس الأقرع والبلوفر "الهاي كول" الرمادي، فمشكلة اللي بيتاخد تحري ولا يكون ممسوك في قضية أو طالع مظاهرة أو معدي من جنبها هيا القفا الأول، وأعتقد إن القفا دا بيكون له مكانه متميزة عند المواطن المصري، لأنه بيتحفر في ذاكرته للأبد فالقفا الاول يعني أول شعور بدرجة حرارة عالية في منطقة معينة من الجسم، وأيضا أول مرة لتجربة تنفيذ طأطأ الراس، وأيضا أول تجربة أداء لعبارة أنا اسف ياباشا، والله بريء يابيه! بعد كدا لوخد على قفاه مليون مرة، لا بيتعلم ولا بيحاول يتصرف بطريقة تبعده عن القفا اللي جاي .. ومااقصدش هنا قفا المخبرين لأن اكتر مواطن إتحمل دا لم يتعدى 5 مرات على قفاه وراح السرايا الصفرا عدل، اللي انا أقصده شيء بقا واضح جدا جدا، خد عندك النصابين اللي بيبيعوا للناس الوهم، سواء وهم السفر أو وهم الأرباح الخيالية، أو الوظيفة المثالية، ولا حد بيتعلم ولا حد بيتلسع من مرة، دا ممكن يكون لسا سامع عن نصاب طازة هرب بره البلد، وشايف بعنيه الضحايا على الفضائيات بيلطموا ويولولو على تحويشة العمر اللي ضاعت، وتيجي تتكلم معاه .. يقوللك لااااا، الحج أبو محمد دا راجل كبارة وبتاع ربنا "بضم الباء"، دا مبيسيبش فرض في الجامع، ولا يمكن - إحيانا بالنون بدل الميم - أبدا يعمل حاجة زي كده أبدا، وفي يوم وليلة يلاقي حاله زي حال اللي قبله. في المناطق الشعبية ممكن تسمع عن بعض المحلات التي تبيع الطعام، ولها في ذلك أسماء مشهورة، سيد بكتيريا، عبده تلوث، سعيد هوهو، والعديد من مرادفات هذه الأسماء التي تختلف باختلاف كل منطقة، ما أريد أن أشير إليه هو أن هذه الأسماء لاتطلق من فراغ، بل هي أسماء واقعية تماما، ربما هي الشيء الحقيقي في مصر بجوار اسمها، ومع ذلك تجد الناس على هذه المحلات زي النمل، وبياكلوا وبيجيلهم تسمم، وبيرجعوا ياكلوا تاني، والحاصل إن المواطن المصري استطاع بقدرة قادر أن يكيف نفسه أولا، ثم يكيف أجزاء جسده فسيولوجيا بعد ذلك حتى لا تعانده كثيرا في أسلوب حياته. المجرمين نسخ مكررة، فلا احد يندهش عندما يقرأ على صفحات الجرائد عن مسجل خطر أو " شقي خطر" كما يحلو لجهابذة صفحات الحوادث تسميتهم، تقرأ أنه كان مسجون قبل ذلك في 15 قضية سرقة بالاكراه، و8 قضايا نصب، عادي بيعمل نفس الجريمة ويتسجن فيها؟، دا حتى مش بيفكر يغير الجريمة مثلا، على سبيل التفاؤل يمكن ربنا يكرمه، ولاّ ممكن يكون دا كار ولازم يعقد 4 سنين بعد كدا يحول، على راي الفنان الجميل محمد شرف في فيلم زكي شان. وبمناسبة الأفلام .. برضو الممثلين عندهم نفس المتلازمة، قصص واحدة، حوارات واحدة مع اختلاف الأسماء، ثم أنا مش عاوز أجيب في سيرة الممثلين العظماء بتوعنا في المقال دا، انا هجيب فيهم بالتفصيل في مقال قادم له علاقة فنية "بحتة" بمتلازمة القفا الاول. عندك كمان تعامل المصريين مع "الأخوة" الاشقاء اللطفاء رقيقي الحس وراقيي المشاعر "الجزائرين" خدنا القفا في أم درمان، واتشالنا واتحطينا، وقابلناهم بعد كدا بالفل والورد في الاسماعيلية، وراح الاهلي خد القفا مع شبيبة القبائل، والاسماعيلي هيروح وياخد نفس القفا، ماهو الأولاني عدا ولا إيه؟ وعندك حوادث الغرق وتصادم القطارات والعربيات، والمظاهرات والاعتصامات، صدقوني إحنا بنصدم وبنتأثر كشعب عندما يكون الحدث أو الحادث هو الأول من نوعه أو يكون عدا عليه مالايقل عن 15 سنة، ولكن بعد ذلك لو تكرر 100 مرة في اليوم، ولا بيأثر هيا اول مرة بس، عقبال مابنعملّه "أنتي بيوتيك" أو الوجع يروح بتاع القفا الاول ..!