من يتجول في الولاياتالمتحدة مثلما أفعل أنا حاليا، يمكنه اكتشاف حقيقة نرددها نحن الكتاب والصحفيين كثيرا وهي وجود فجوة هائلة بين أسلوب الحكومة الامريكية وبين الشعب الامريكي نفسه.. فغرف المصالح المثقفة بامكانيات استغلال المواد الخام، تدير في نفس الوقت عقلية رجل الشارع في الغرب، ولم تنتقل عدوي الوعي بما يحدث في العالم الي الشارع الامريكي الا اخيرا، خصوصا بعد سيطرة الديمقراطيين علي مجلسي الشيوخ والنواب الامريكيين، ولكن هذا لا يمنع اللوبي الصهيوني من السيطرة ايضا علي اركان الحزب الديمقراطي، ومازالت القلة في الولاياتالمتحدة هي التي تقود بقية الشعب الامريكي الذي يمكن ان نصدق انه طيب وودود، ولكن فكرته عنا مازالت مختلفة تماما عن واقعنا، فهم يتصورون اننا نحن شعوب المنطقة العربية مجرد همج زائدة عن حاجة الكون، وان كانت النظرة تختلف حين تأتي كلمة مصر علي اللسان، فالأمريكي العادي الذي يتجول في متحف المتروبولتان مثلا، يرانا كأفضل شعوب الارض كمصريين، فهو يقف امام معبد فيلة المهدي للمتروبولتان علي انه معجزة معمارية لا يقدر عليها الا العباقرة، لكن نظرته لبقية العرب والمسلمين علي وجه التحديد هي نظرة غير لائقة.. والسبب - طبعا - ليس فقط الدعاية الصهيونية كما ندعي دائما، ولكن الدعاية الصهيونية تفعل الكثير في تشويه الصورة، ويضخم الصورة السيئة سلوك بعض من العرب الذين لا يعرفون ان العين عليهم تحاصرهم من كل اتجاه وترصد اخطاءهم، كي يقال للعالم "هؤلاء هم العرب"، والمثل الحي علي هذا الحال هو ما تنشره الصحف عن جرائم العرب والمسلمين وكأنهم هم "الزنوج الجدد".. نعم نظرة الاعلام الامريكي عموما للعالم العربي والمسلم هي نفس نظرتهم القديمة للعبيد، فقد بيع للمجتمع الامريكي عموما ان العربي والمسلم هو الانسان الاقل، وينظرون الي اي انجاز يحققه عربي او مسلم وكأنه من فعل المعجزات، وليس امرا طبيعيا. وإذا ما فاز عربي او مسلم بجائزة عالمية مثل زويل او غيره من العلماء فالسبب هو الحضارة الغربية التي اتاحت له الاستخدام الامثل للذكاء البشري. وقد يكون صحيحا ان اسلوب الحياة الامريكية في الجامعات يوفر الكثير من الوقت ويقدس الي أبعد حد اي ابداع، ولكن الحصار الفعلي وفرض العديد من الشروط علي العرب والمسلمين يجعلهم في حالة عجز عن الاضافة الفعلية للحضارة المعاصرة بالشكل الذي يليق بهم ويتناسب مع امكاناتهم واعدادهم البشرية المهولة. ولا فائدة من القول ان اثرياء العرب مطالبون بالصرف علي خطة واضحة لتحسين صورة العالم العربي المسلم، ولكنهم لا يفعلون ذلك، وقد سمعت هنا في لوس انجلوس الكثير من فضائح من يصرفون الملايين في كازينوهات لاس فيجاس للقمار، وسمعت العديد من اخبار الصراع حول تحديد بدء رمضان الماضي، واظن ان حالة التشرذم هذه في حاجة الي ارادة عربية مسلمة فهل توجد تلك الارادة؟ عندما توجد الارادة سنجد الصورة عنا قد اختلفت.