العلاقة بين الصينيين والشاي، علاقة لا يمكن اختزالها في علاقة إنسان بمشروب ساخن كان أم بارد، هي علاقة أكبر من ذلك، فالشاي في الصين حدوتة طويلة، يرجع تاريخها إلى آلاف السنوات، وككل شيء في الصين، للشاي أسطورته الخاصة التي لا يزال الصينيون يحفظونها اليوم عن ظهر قلب. تقول الأسطورة إن السيد «وو لونج» عاد إلى منزله بعد أن قطف بعضاً من أوراق الشاي، واصطاد غزالاً، نسي السيد لونج الشاي في سلته حتى تخمر في اليوم التالي، بعدها فكر في طريقة لتجفيف الشاي، ثم سكب عليه الماء المغلي ليجده قد اكتسب مذاقاً لذيذاً، وعندما أخبر وو لونج أبناء قريته بما حدث شاعت طريقته في شرب الشاي، حتى أُطلق اسمه نفسه على الشاي المعتق. والشاي في الصين لا غنى عنه في أي بيت ولا أي مكان، فالمقولة التي يرددها الصينيون دائماً تقول إن بيت الصيني لا يخلو من سبعة أشياء، الحطب، الأرز، الزيت، الملح، صلصة فول الصويا، الخل و الشاي، والأخير لا يقتصر وجوده فقط على البيوت، فالشاي هنا في الصين أسلوب حياة، هو إحياء لتراث يأبى الصينيون أن يندثر، لذا يتبارون في دعوة ضيوفهم على أمسيات الشاي التي يقيمونها في منازلهم، أو في مقاهي الشاي التي تنتشر في كل مكان في الصين، وأشهرها مقهى "لاو شه" هنا في بكين. يبدأ العمل في بيوت الشاي الصينية في العاشرة من صباح كل يوم، وتغلق في الثانية بعد منتصف الليل، وما إن تدخل إلى أحدها حتى يقدم لك العامل أو العاملة فيها قائمة بأسعار أصناف الشاي الموجودة، والتي تبدأ من عشرة يوانات صينية إلى آلاف اليوانات، وعندما تختار مرادك يقف أمامك بأدب صيني جم، يمارس مهنته، يقوم بإعداد الشاي، ويعلمك كيف تعده إن كنت أجنبياً، بينما ترتسم على وجهه ابتسامة رقيقة. وقفت تان لي توين، تشرح لي أنواع الشاي الصيني الموجود لديهم، سألتها إن كانت الأنواع الموجودة لديهم هي كل الأصناف من الشاي الصيني فأجابت بالنفي، مؤكدة أن هناك المئات من أصناف الشاي الصيني، تختلف في المذاق، والرائحة، والمنشأ، والألوان، فمنه الأخضر والأبيض والأحمر والأسود، كما تختلف أيضاً بالتأكيد في السعر، إلا أن هناك عشرة أصناف هي التي تحظى بشهرة كبيرة. مدينة هانزو، جنة الله في أرضه، كما يقال عنها، تحتفظ لنفسها بأشهر أنواع الشاي الصيني، كما احتفظت لنفسها بهذا الجمال الساحر الذي تتمتع به، شاي لونغ جينج، يشتهر بلونه الأخضر، وطعمه اللذيذ، ورائحته الزكية، وشاي يون وو وموطنه جبل لوشان في مقاطعة يانجستي، التي يخترقها نهر اليانجستي الشهير. داخل محال بيع الشاي التي تنتشر في كل مكان، يستقبلك البائع بترحاب شديد، ويدعوك لشرب الشاي مجاناً، دخلت أحد هذه المحال، استقبلتني «جيسي» بابتسامة رقيقة، أصرت أولاً على تقديم الشاي لي، قامت بتحضيره هي الأخرى كما هو الحال في بيوت الشاي، أخبرتني أنها تعمل في هذا المجال منذ عشر سنوات، وأن زوجها يعمل به منذ 15 عاماً بعد أن ورث هذه المهنة عن عائلته. بدأت «جيسي» في تقديم أنواع الشاي لي، سألتها عن شاي دكتور مينج الشهير في مصر، والذي يسوق على أنه شاي صيني شهير، لم تعرف عنه شيئاً على الإطلاق. طريقة العرض هنا تختلف عن طريقة العرض داخل بيوت الشاي، فالبائع هنا يتحدث بعقلية التاجر التي يغلب عليها طابع التسويق أكثر من عرضه لتاريخ الشاي أو موطنه، فهذا الشاي مفيد للمعدة، وهذا النوع مفيد لحرق الدهون في الجسم والتخسيس، وهذا مفيد للجنس. الدولة الصينية تولي اهتماماً بالغاً أيضاً بالشاي الصيني، فالشاي هنا يعد المشروب الوطني الأول، فتقام له المعارض والمهرجانات، مثل المهرجان الدولي للشاي الذي يقام كل عام في مقاطعة فوجيان، والذي يتم عرض أنواع الشاي المختلفة فيه، و أحدث المنتجات منه، لتؤكد الصين أنها «مملكة الشاي».. شاي الصين العظيم.