رئيسة وزراء الدنمارك تتعرض للضرب على يد رجل في كوبنهاجن، والبرلمان الأوروبي يعلق    مكي: حسابات التأهل للدوري الممتاز مازلت صعبة.. وهذه رسالتي للاعبين    القبض على "نخنوخ" الغربية بتهمة قتل زوجته وإخفاء جثتها لمدة أسبوع    عيار 21 يسجل رقما جديدا.. أسعار الذهب اليوم السبت 8 يونيو بالصاغة بعد الارتفاع الأخير    جيش الاحتلال يعترف بفشله في اعتراض طائرة عبرت من لبنان    متحدث "الأونروا" يكشف كارثة بغزة: المياه الجوفية اختلطت بالصرف الصحي    «الاتصالات»: نسعى لدخول قائمة أفضل 20 دولة في الذكاء الاصطناعي بحلول 2028    هديله 200 ألف جنيه.. ميدو يكشف مكافآه خاصة لهذا اللاعب    المغرب تُسقط زامبيا بثنائية في تصفيات كأس العالم    «بنشتغل بجوارحنا».. تعليق مثير من إبراهيم حسن على الفيديو المنتشر له مع حسام حسن    ميسي يقود المنتخب الأولمبي للفوز وديًا على كوت ديفوار (فيديو)    بينهم حسام حسن.. ماذا قدم المدربون الجدد في أول لقاء بتصفيات أفريقيا لكأس العالم؟    رسميا.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم السبت 8 يونيو بعد الانخفاض الأخير بالبنوك    برقم الجلوس.. نتيجة الشهادة الإعدادية الأزهرية 2024 الترم الثاني (رابط مباشر عبر بوابة الأزهر)    «الوحيدة التي أعلنت العيد الثلاثاء».. دولة تعدل قرارها بشأن رؤية هلال ذي الحجة وموعد عيد الأضحى 2024    بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت ودرجات الحرارة: «القادم أصعب»    إصابة 5 أشخاص فى المحلة بتسمم بعد تناول وجبة حواوشي    لخلافات بينهما.. مُدرس بالمعاش يشرع في قتل طليقته بالشرقية    زوجة سفاح التجمع: حاول قتلي أكثر من مرة وكان عنيف معايا    مصرع شخص وإصابة اثنين آخرين في حادث تصادم بالدقهلية    أول ظهور ل زوجة سفاح التجمع: «حاول يقتلني أكثر من مرة.. وعنده قضايا في أمريكا» (فيديو)    نقابة الموسيقيين: مصطفى كامل رفض العلاج بره لأنه راجل وطني و بيحب بلده    وزير الصناعة يبحث مع نظيره الروسي فرص زيادة الصادرات الزراعية بين البلدين خلال المرحلة المقبلة    الرعاية الصحية: ملتقى الصحة الأفريقي أصبح منصة مصرية أفريقية دولية    فؤاد السنيورة: فتح إسرائيل جبهة لبنان يهدد بقاء الدولة    إنجلترا تسقط أمام أيسلندا بهدف فى الظهور الأخير قبل يورو 2024    أيسلندا يفوز على إنجلترا وديا استعدادًا ليورو 2024    تعليق رسمي من الزمالك على إمكانية ضم أشرف بن شرقي (تفاصيل)    فاتى مصطفى لإكسترا نيوز: نستهدف الانتقال لمرحلة صناع التكنولوجيا    أستاذة اقتصاديات التعليم لإكسترا نيوز: على الطلاب البحث عن تخصصات مطلوبة بسوق العمل    "كل الزوايا" يشيد بأداء تريزيجيه.. عندما تنصف كرة القدم المقاتلين من أجلها    شاهد.. أحدث ظهور ل نيللي كريم بعد انفصالها عن هشام عاشور    محور يحمل اسم والده.. أحدث ظهور ل كريم محمود عبد العزيز    بعد غياب 14 عام.. مصطفى شعبان يحسم الجدل حول عودته للسينما    وزيرة الثقافة تنعى الناقد الفني نادر عدلى    الكشف عن شخصيات فيلم "ولاد رزق 3" (صور)    أدعية ليالي العشر من ذي الحجة.. «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى»    أحكام الأضحية.. كيفية توزيع الأُضحِيَّة وهل توزع الأحشاء والرأس    الكشف على 8095 مواطناً خلال قافلة طبية بقرية بلقطر الشرقية بالبحيرة    الكرملين: لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون قطب القوة الوحيد في العالم    أسعار الأضاحي 2024 في محافظة الشرقية.. كيلو البقري القائم يبدأ من 150 جنيها    أخبار مصر: 4 قرارات جمهورية هامة وتكليفات رئاسية حاسمة لرئيس الحكومة الجديدة، زيادة أسعار الأدوية، أحدث قائمة بالأصناف المرتفعة في السوق    سعر القصدير في السوق اليوم الجمعة 7 -6-2024    نقص هذا الفيتامين يتسبب في الإرهاق ومشاكل في الأعصاب    الكرملين: لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون قطب القوة الوحيد في العالم    إسرائيل تزعم مقتل قيادي بارز في حماس برفح الفلسطينية    "هتتطبق يعني هتتطبق".. برلماني يعلق علي زيادة أسعار الأدوية    جامعة طنطا تطلق قافلة تنموية شاملة بمحافظة البحيرة بالتعاون مع 4 جامعات    أوقفوا الانتساب الموجه    "الهجرة": نحرص على المتابعة الدقيقة لتفاصيل النسخة الخامسة من مؤتمر المصريين بالخارج    كيف تحمي نفسك من مخاطر الفتة إذا كنت من مرضى الكوليسترول؟    الأوقاف: افتتاح أول إدارة للدعوة بالعاصمة الإدارية الجديدة قبل نهاية الشهر الجاري    "البحوث الفنية" بالقوات المسلحة توقع بروتوكول مع أكاديمية تكنولوجيا المعلومات لذوي الإعاقة    مفتى السعودية يحذر من الحج دون تصريح    "الإفتاء": صيام هذه الأيام في شهر ذي الحجة حرام شرعا    الأنبا باخوم يترأس قداس اليوم الثالث من تساعية القديس أنطونيوس البدواني بالظاهر    التعليم العالى: إدراج 15 جامعة مصرية فى تصنيف QS العالمى لعام 2025    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصراع حول جمهورية 25 يناير
نشر في المصري اليوم يوم 25 - 01 - 2012


مر عام على اندلاع ثورة 25 يناير، فأين نقف الآن؟
الثورة في ظني تعيش مفارقة، بل وتناقضًا، بين ما أنجزته من هدم وما تكافح من أجله من بناء. فصحيح أنها نجحت بسهولة نسبية في إسقاط «جمهورية يوليو» كنظام للحكم توارثناه على مدى ستين عامًا، لكن الصراع لايزال ضاريًا حول شكل ومضمون «جمهورية يناير» التي من المفترض أن تحل محل الجمهورية البائدة.
جمهورية يوليو
مثَّل انتصار جمال عبد الناصر في أزمة مارس 1954 البداية الحقيقية ل«جمهورية يوليو»، وبالرغم من الاختلافات الكبيرة في التوجهات السياسية والاقتصادية، الخارجية والداخلية، للرؤساء الذين تتابعوا علينا في ظل تلك الجمهورية، فإن ما جمعهم جميعًا، كديكتاتوريين أصلاء، كان بناء وإتقان نظام للهيمنة الطبقية يقوم على مصادرة ثم تصفية أي تعبير سياسي مستقل عن الاحتقانات الاجتماعية، الفئوية، الإثنية أو الطائفية، التي لم يكن هناك شك في وجودها في مجتمع طبقي قهري كالذي عشنا في ظله، مع تنويعات، على مدى العقود الفائتة.
وقد واجهت «جمهورية يوليو» على مدى عمرها أزمات وصدمات، بدءًا من هزيمة 1967 الكاسحة، ومرورًا بانتفاضات الطلاب والعمال في 1968 و1971-72، والانتفاضة الشعبية في 1977، واغتيال السادات في 1981، وتمرد جنود الأمن المركزي في 1986، وانتهاءً بالمواجهات الدامية بين النظام والإسلاميين في السنوات من 1992 إلى 1997. لكنها، أقصد الجمهورية، نجحت في امتصاص الصدمات وتعديل المسارات بما مكنها من الاستمرار، بل وأحيانا تجديد الحياة وتمتين الجذور.
على أن السنوات العشر الأخيرة من عمر تلك الجمهورية، على الأقل، شهدت تحولات نوعية، بعد أن أخذ أساسها الاجتماعي يتآكل حتى إن التناقض بين النظام السياسي والمجتمع بأسره بات صارخًا.
ينسى كثيرون أن الثورات تندلع ليس فقط عندما تستفحل التناقضات بين النظام والطبقة الحاكمة وجماهير الشعب، ولكن أيضا عندما تشتعل الصراعات بين أجنحة الطبقة الحاكمة ذاتها، وعلى ذلك، كان واحدًا من أبعاد الأزمة التي مهدت ليناير 2011 هو تناقض نظام مبارك- الطبعة الأخيرة من جمهورية يوليو- مع قاعدته الطبقية ذاتها.
نمت في ظل مبارك طبقة رأسمالية جديدة مرتبطة عضويًا بالنظام السياسي، اتسع نشاط تلك الطبقة وامتد إلى حد أنها أصبحت مسيطرة على مفاصل الاقتصاد ثم بدأت، بالذات عبر مشروع التوريث، في بسط هيمنتها السياسية. الدلالة الرئيسية للتوريث لم تكن في تحول الجمهورية إلى ملكية وراثية، رغم أهمية هذه النقطة، ولكن في صعود النفوذ السياسي لطبقة البيزنيس الجديدة.
المشكلة في هذا الصعود كانت ذات شقين، الأول هو أن الطبيعة الزبائنية للرأسمالية الجديدة في مصر عنت أن حفنة صغيرة فقط من الرأسماليين نجحت، عبر علاقاتها برجال الدولة ورموز النظام، في حصد ثمرة السياسات الليبرالية الجديدة الشرسة التي تم اتباعها، ففي مقابل أحمد عز وأحمد المغربي، كان هناك عشرات، وربما مئات، من الرأسماليين يشعرون بالحقد والضيق لأنهم مستبعدون من حفلة النهب.
الشق الثاني يتعلق مباشرة بالجيش، وأنا هنا أعني الشريحة القيادية في القوات المسلحة وعلى رأسها الأعضاء الحاليين في المجلس الأعلى، ذلك أن إحدى النتائج الجانبية لصعود رجال البيزنيس كان، إلى جانب تهميش الحرس القديم في النظام الحاكم وبيرقراطية الدولة، تهميش الجيش كفاعل رئيسي، حتى ولو غير معلن، في السياسة المصرية.
صحيح أن الجيش حافظ على هيمنته الاقتصادية على نسبة هائلة من الاقتصاد المصري، وصحيح أن بزنسة نشاط الجيش الاقتصادي ظلت تسير على قدم وساق، لكن الدور السياسي-السيادي للجيش تقلص وأصبح مجرد متفرج على "عيال بشورت ومعاهم فلوس" يحددون مصير البلاد والعباد.
هكذا أصبحت جمهورية يوليو، على يد نظام مبارك، متناقضة حتى مع أركان رئيسية في الطبقة الحاكمة وأجنحة شديدة الجوهرية في جهاز الدولة. هذا في وقت كانت السياسات المطبقة، سواء الاقتصادية أو الخارجية، تغذي أعمق التناقضات بين الحكام والمحكومين وبين رجال النظام والمعارضين، إذ رأينا آثار السياسية الليبرالية الجديدة التي أدت إلى صعود أوسع حركة عمالية واجتماعية شهدتها مصر منذ الأربعينيات، ورأينا كذلك كيف أن انهيار عملية السلام، الذي نتج عن توحش الإمبريالية الجديدة وعربدتها في المنطقة، قد وضع النظام المصري في خانة العدو الأول للحركة الشعبية والجماهيرية.
الصراع على «جمهورية يناير»
إذن، فقد اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير تعبيرًا عن تناقضات مركبة وكثيرة، سواء داخل الطبقة الحاكمة أو بينها وبين الجماهير، والأكيد أن الطبقة الحاكمة بأكملها، خاصة تلك الأجنحة التي كانت متضررة من نظام يوليو في طبعته المباركية، لا تسعى إلى ترميم النظام الساقط بالمعنى السياسي الضيق، هم يعلمون أنه من غير الممكن الآن استعادة الحكم الديكتاتوري التقليدي، هم متأكدون أن شكلًا ما من أشكال الديمقراطية على النمط الغربي لا مفر منه في مصر بعد 25 يناير.
المعركة الحقيقية لهؤلاء، وعلى رأسهم الجيش، هي الحفاظ على المضمون برغم تغيير الشكل، أو بحسب التعبير الشائع «صب الخمر القديم في أقنية جديدة»، وفي ظني أن جوهر تلك المعركة وعنوانها الرئيسي، في المرحلة الراهنة، هو «الديمقراطية من أعلى في مقابل الديمقراطية من أسفل»، بتعبير آخر: لسان حال أصحاب الثروة والسلطة يقول: «لم تعد الديكتاتورية التقليدية ممكنة، وليس أمامنا إلا الانخراط في لعبة الانتخابات النزيهة وتداول السلطة، لكن علينا أن نصمم نظامًا ديمقراطيًا يجعل هذا التداول آمنًا ومقتصرًا على القوى العاقلة الفاهمة للتراتبية السائدة والمصالح المهيمنة والساعية للحفاظ عليها، وعلينا، والحال هكذا، أن نمنع ديمقراطية الشارع من فرض سيطرتها على ديمقراطية الصندوق».
وفي مواجهة المسعى الشرس للطبقة الحاكمة وأنصارها وإصلاحييها لحصر 25 يناير في مجرد صندوق نظيف، نجد أن ثورة يناير مازالت تناضل بشراسة ضد من يريدون للديمقراطية (من أعلى) أن تكون شكلًا جديدًا لحكم نفس المصالح والقوى.
والحقيقة أن المغزى الأساسي لاستمرار حركة الشارع في كل مصنع وحي حتى لحظتنا هذه هو تحطيم الحلم البرجوازي- الإصلاحي بعودة الأمور إلى طبيعتها بحيث «نقرر نحن المحترمون المنتخبون ما الذي يمكن عمله لإرضاء الشعب».
البرجوازية لا تطيق سياسة الشارع لأنها، بالضرورة، تهديد لجوهر فكرة الهيمنة الطبقية، فلو كانت الجماهير هي من يقرر، بشكل مباشر، ما الذي يمكن عمله ومتى وبأي وسيلة، فكيف إذن تصمد أدوات السيطرة الطبقية القائمة على أن هناك حفنة من المؤهلين هم وحدهم القادرون على تحديد مصير المجتمع؟
لكن الثورة في أعمق معانيها تمثل تحطيمًا لهذا الصنم بالذات، وبهذا المعنى، فإن أساس استمرارية الثورة يعني، حتى قبل تحقيق هذا المطلب أو ذاك من مطالبها، استمرار الحركة في الشارع حتى يتم تفكيك مفاصل النظام (السياسي والاقتصادي والاجتماعي) القديم من أسفل. لن تنتصر الثورة بتوكيل «بعض الناس» بتحقيق أهدافها، حتى لو كانوا منتخبين في أكثر الانتخابات نزاهة في التاريخ.
المعضلة هنا أن استمرار حركة الجماهير واستمرار ثقتها بنفسها تحتاج، هي ذاتها، إلى توفر عوامل ذاتية وموضوعية كثيرة بعضها نفتقده بشده، لكن هذا شأن آخر يحتاج إلى مناقشة منفصلة.
الآن علينا أن نواصل كفاحنا، وليكن شعارنا في ذكرى مرور عام على 25 يناير: ثورتنا مستمرة في المصنع والحقل والجامعة والشارع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.