لا أحد يدعي أن شوارع المحروسة حديثة العهد بالاشتباكات بالأيدي وبالأسلحة البيضاء وغيرها. وإذا كان هناك شيء قد تغير بهذا الصدد بعد 25 يناير، فهو الزيادة الملحوظة لحدة وأعداد تلك الاشتباكات، والعنف الزائد عن الحد الذي تتسم به تصرفات وردود أفعال أطراف الشجار. فيبدو أننا تعلمنا كلمة "لا" ولكن لم نتعلم بعد كيف ولا متى نقول "لا". يتزامن الأمر مع الانسحاب "الجزئي" لقوات الشرطة، وضياع هيبتها أمام الغضب الشعبي، مما يدفع رجل الشرطة إلى التفكير مليًا قبل أن يقدم على التدخل. فيقف رجل الشارع على الرصيف ليشاهد – كالعادة – بينما يسارع بعض أولاد الحلال لفض الاشتباك، الأمر الذي أصبح أكثر صعوبة مؤخرًا. ويراقب رجل الشرطة الموقف من مكانه على الناصية. يقيم الموقف أولًا. يتحسس جهازه اللاسلكي ويؤمن على مسدسه الكامن في جرابه. يأخذ نفسًا عميقًا. يسمّي في سره. وبينما يتحدث عبر اللاسلكي بصوت عال، يتقدم نحو الحشد بخطوات بذل جهدًا كبيرًا كي يجعلها تبدو مختالة. وفي مشهد آخر، جديد تمامًا على المواطن المصري، أصبحنا نرى رجل الشرطة طرفًا في شجار أو مشادة كلامية. يتسمر المواطن مكانه حيال هذا المشهد، محتارًا، متسائلًا : "أديله على دماغه عشان ميفكرش يتنطط تاني؟ ولا أساعده عشان يقدر يحميني؟" فينادي أحد المارة على الرصيف المقابل: "كلنا معاك يا باشا، كلنا معاك يا باشا!" وينظر آخر إلى الشرطي من فوق إلى تحت. يتجاهلهما الشرطي، ويترحّم على أيام زمان. ويعود التساؤل بقوة: " أديله على دماغه عشان ميفكرش يتنطط تاني؟ ولا أساعده عشان يقدر يحميني؟" بعبارة أخرى: هل بمساعدتي له أساهم في إقامة دولة القانون؟ أم في العودة إلى دولة الشرطة؟ بمجرد انتهائي من كتابة هذه التدوينة طالعنا خبر مقتل مواطن على يد أفراد شرطة في قسم بولاق الدكرور، ونباء تعدي ضابط بقسم البساتين على مواطن بالضرب بالكرباج وبتعليقه من قدميه،وامتناعه عن تنفيذ أمر النيابة بإخلاء سبيلة!! المعادلة ليس سهلة. * نشرت تلك المقالة في مدونة يهمني الإنسان بتاريخ اليوم http://yhemenielensan.blogspot.com/2011/06/blog-post.html