ليس بمنظور واحد فقط مهما بلغت أهميته ؛ يمكن إلغاء مناظير أخري تعتبر أكثر تحكُّمَاً في مصير قرار ما .. فالعُمْلَة و بعد تحريرها ؛ قد أصبحت كمثل باقي السلع و الخدمات تخضع لقوانين العرض و الطلب ؛ بل ولكافة تأثيرات إفتعال قوي تحريك الأسواق .. و لعل النظرة الكلية لإقتصاد يستورد قرابة 70% من احتياجاته ؛ إنما تعني فوراً إحتياجه الدائم للعُمْلَة الأجنبية ... ولأننا لن نستورد بالجنيه المصري .. و بقراءة سريعة لإقتراح تحصيل رسوم عبور قناة السويس بالجنيه المصري ؛ فإنما يعني ذلك خلق طلب مؤقت علي الجنيه فتزيد قيمته في مقابل العملات الأخري ؛ و لكن بشكل غير مؤثر بما فيه الكفاية ؛ لعالمية العُملات الأجنبية و محلية العملة المصرية .. و بمعني أنه لن يؤثر الجنيه علي قيمة الدولار في الأسواق العالمية و لكن تحديداً في السوق المحلي .. بل و في نفس التوقيت ؛ قد تتحرك مئات بل آلاف التغيرات علي إمتداد العالم ؛ و التي يمكنها أن تزيد من قيمة الدولار ؛ و بحيث تظل مواجهة الجنيه له أمراً بالغ المحلية تأثيراً .. هذا .. بينما لن يمكن عملياً رفع قيمة الجنيه ؛ بمجرد تعمُّد خلق طلب إضافي عليه ؛ فقط من خلال إضطرار السفن العابرة للحصول عليه لسداد قيمة رسومها ... إذ أن الشأن العملاتي يسير في دوائر و تقاطعات لا نهائية .. و لكن تظل للفكرة وجاهتها ؛ متي تم تعمُّد زيادة قيمة الجنيه بخلق طلب عليه من خلال الطلب العام علي إقتصادنا و ليس بمجرد رسوم العبور فقط .. أي بالتواجد داخل بيئة تنمية حقيقية غير عشوائية .. هي كفيلة بزيادة الإستثمار و الإنتاج و الدخل و الإستهلاك و الإدخار .. إلخ ؛ وبما يعني بالضرورة زيادة الطلب علي الجنيه من الداخل ومن الخارج و بما يرفع من قيمته .. و لكن العبرة بالإقتصاد ككل و ليس بالعُمْلَة فقط تنصلح الأحوال .. و زيادة الطلب علي الجنيه ؛ بسبب إضطرار السفن العابرة لتدبيره ؛ سيقابله ضخ للدولار مثلاً أو غيره من العملات الأجنبية الدولية ؛ للحصول علي الجنيه مقابل التخلي عن الدولار .. و بما يعني جزئياً بالسوق المصري رفع لقيمة الجنيه في مواجه الدولار، و بالتالي و مع تكرار تلك الدائرة سيظهر أثر ذلك في المزيد من التأثير علي علاقة العملتين بالسوق المحلي .. الأمر الذي يؤدي – مع إفتراض بقاء كل العناصر الأخري علي حالها – إلي إحتياج من سيريد شراء الجنيه المصري إلي كمّ دولارات أكبر ؛ للحصول علي نفس كمية الجنيهات السابقة .. و التي كان يحصل عليها بدولارات أقل .. و بما يعني فوراً إرتفاع تكلفة كل السلع و الخدمات المصرية من منظور أي أجنبي مقيم أو سائح ؛ و بما سيؤثر حتماً علي الطلب علي خدماتنا السياحية ؛ نظراً لطبيعة السائح متوسط وقليل الدخل و الذي تعتمد عليه معظم أرقام السياحة المصرية .. و سيؤثر كذلك علي قيمة تصديرنا لأي سلع للسوق العالمي ؛ و لأن أسعار سلعنا ستكون مرتفعة من منظور الدولار – مثلاً – و بما قد يؤدي لفقدانها لميزة التنافس السعري في الأسواق العالمية .. و إذا ما أضفنا إلي ذلك سلوك المضاربين ؛ و الذي سيتوجه حتماً نحو الدولار و حتي يمكن تحقيق مكاسب من شرائه رخيصاً ثم إعادة بيعه ؛ حين تسمح السوق بتحقيق مكاسب من عمليات البيع ؛ فإن ذلك يعني ضمناً التخلي عن الجنيه المصري في مواجهة الدولار .. ولتبدأ العملية العكسية لما سبق حين كان الجنيه يرتفع في مواجهة الدولار .. إلا أن الدولار هو من سيرتفع هذه المرة في مواجهة الجنيه إعتماداً علي فكرة الدَّوْلَرَة أو تفضيل الدولار كمخزن للقيمة ؛ و إنخفاض أسعار الفائدة المصرفية و التي تؤدي لمزيد من السيولة بالأسواق .. لعدم تفضيل أصحاب الأموال إيداع أموالهم بأسعار فائدة تقل عن معدل التضخم ؛ و هو ما قد يستمر في دوائر متتالية ؛ و بما قد يعني شُّح أو ندرة وجود الدولار حين وقت تدبير العملات للإستيراد ؛ و بما يؤدي لإرتفاع سعره في مقابل الجنيه ؛ أي دفع مقابل من الجنيهات أكثر من ذي قبل للحصول علي الدولار الواحد ؛ وبما يقود لإرتفاعلت في تكلفة السلع المستوردة حال طرحها بالأسواق ... و خلاصة القول .. أن الأنسب لأي إقتصاد و كذلك الحال لإقتصادنا ؛ هو أن ينتعش الإقتصاد في إطار خطط تنمية حقيقية ؛ ترفع من الطلب عليه سلعاً و خدمات و استثمارات و إستهلاك و سياحة وتصدير .. إلخ ؛ و بحيث يأتي إنتعاش الجنيه من إنتعاش إقتصاد الجنيه نفسه ؛ و ليس العكس .. أي بمحاولة إنعاش الجنيه سعياً لإنعاش الإقتصاد ؛ فنكون أشبه بالبنوك المركزية الضعيفة في ممارساتها للسياسات النقدية المضطربة ؛ في أسواق إقتصادات ضعيفة ؛ أو نكون في أفضل الحالات أشبه بسلوك المضاربين في البورصات .. بل و إن رفع قيمة العُمْلَة ليس بميزة لكثير من الإقتصادات ؛ و لننظر مثلاً لتعمُّد الصين تخفيض عملتها - اليوان – و إتباع الولاياتالمتحدة لسياسة عمدية ؛ تعتمد صراحة علي ما يسمي بسياسة الدولار الضعيف أو منخفض القيمة ؛ و ابتزاز العالم الذي يدفع فواتير رفاهة و أحلام مواطنيها .. عن طريق أكروبات العُمْلات .. ! http://www.facebook.com/note.php?created&¬e_id=199540400081153