انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض حول وقف فيلم «حلاوة روح»، حيث رأى البعض أنه فيلم فاضح يحتوى على كثير من الإيحاءات والإسقاطات الجنسية التي تؤثر سلبيا على المجتمع وعاداته وتقاليده ومفاهيمه الاجتماعية. أما الجانب الآخر فقد رأى أن وقف الفيلم يعد تدخلا صارخا لحرية الإبداع ووصفه بأنه «ردة ثقافية». ولكن الأمر ليس بهذه البساطة ولا يمكن تقييم قرار منع عرض الفيلم من جانب حرية الرأى والإبداع فقط أو من منظور المحافظة على المجتمع والعادات والتقاليد. في بداية الأمر، أعتقد أن عصر الرقابة والحجب في الصحافة والإعلام قد انتهى في ظل تطور تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، وفشل جهاز الرقابة منذ نشأته وحتى هذا التطور في طرح أي معايير أو حتى تصنيف للأفلام التي تقدم في دور العرض، ولم يصبح له الآن أي جدوى فعلية. وتتطلب حريات التعبير والإبداع وجود إطار تنظيمي حتى لا يزداد أثر القيم السالبة في الأفلام على المجتمع سوءا، خاصة أن مشاكل التحرش الجنسي واغتصاب الأطفال وزنى المحارم أصبحت ظواهر في المجتمع. فالمجتمع الذي يعاني نسبة كبيرة منه من الفقر والجهل لا يحتمل تقديم وجبات دائمة ومكثفة من تلك النوعيات التي سيطرت على سوق السينما في العامين الماضيين تحت شعار حرية الرأي والتعبير(خاصة أن الفيلم لا يناقش ظاهرة حقيقية). فهناك كثير من البلدان التي منعت عروض أفلام ذات مشاهد خارجة تحتوي على عري أو عنف أو اغتصاب. وهناك أكواد في دول كثيرة مثل الهند وإيران واليابان وماليزيا وجنوب أفريقيا تمنع عروضا مثل هذه الأفلام. وعليه فقرار منع تلك الأفلام أمر متوقع، خاصة في الدول العربية والإسلامية. حريات التعبير والإبداع لا بد أن تكون في إطار تنظيمي في وجود معايير وضوابط. فالسينما صناعة تؤثر تأثيرا بالغا في الثقافة وتغرز مفاهيم في الوجدان وتجسد صورا نمطية في الأذهان. فالصورة النمطية للمرأة لكثير من الأعمال السينمائية المصرية الأخيرة هي المرأة العاهرة والأمية التي تدخل في علاقات جنسية كمصدر لكسب العيش، أما الشباب فالذهنية السائدة هو النموذج البلطجي الدموي المسلح. والضوابط هنا لا تعني المنع، ولكن على سبيل المثال وجود تصنيف للمادة المعروضة وملاءمتها للجمهور المناسب لمشاهدتها. وهذا النموذج مطبق في معظم دول العالم التي تمارس حرية الرأى والتعبير. فيجب أن يكون هناك تنويه وإلزام للسن المناسبة لمشاهدة كل عمل معين. فعلى سبيل المثال تطبق في الولاياتالمتحدة تصنيفات معينة من أجل حماية المشاهد الذي قد يلقى ضررا من مشاهدة محتويات إعلامية: فنجد التصنيف ««G يعني أن الفيلم يمكن للأطفال مشاهدته، و « «PGيعني أنه من الأفضل مشاهدة الفيلم تحت إشراف الآباء، وPG13»» يعني ضرورة وجود إشراف، خاصة لمن هم دون الثالثة عشرة، و“R” تعني أن الفيلم يحتوي على مشاهد عنف أو مشاهد ساخنة وممنوع لمن هم أقل من 18 مشاهدته، ذلك في الولاياتالمتحدة الأكثر انفتاحا، فما بالكم بدول العالم الأخرى الأقل انفتاحا أو الأكثر تدينا؟ هناك مشاكل حقيقية في المجتمع لن تحل عن طريق إنتاج الأفلام ولكن في إطار العرض لهذه المشاكل من خلال صناعة السينما، فلا بد من وجود ثلاثة أطراف لا بد من تفعيل دورها سويا لتنظيم هذه الصناعة الثقافية المهمة: أولاً: على الحكومة إنشاء جهاز أو مجلس تنظيمي لتصنيف الأفلام السينمائية. وتوجد تلك المجالس المصنفة للأفلام في كثير من البلدان مثل كنداوأستراليا وغيرهما. فعلى سبيل المثال أنشئ مجلس في أستراليا خصيصا لتصنيف الأفلام عام 1970 وبعد ذلك شملت أيضا اختصاصاته ألعاب الفيديو عام 1994. وتتضمن الأفلام أربعة تصنيفات: G تعني أن الفيلم مناسب لجميع الأعمار، وNRC تعني أنه غير لائق للأطفال، وM أي jقتصر مشاهدته فقط للجمهور من سن 15 إلى 18، وR أي لا يسمح لمن هم أقل من 18 بمشاهدته. وهذا النموذج هو ما يجب البدء في تشكيله وتنفيذه في مصر حاليا. ثانيا: يجب على الجمعيات الأهلية وجماعات الضغط أن تلعب دورا كبيرا في مراقبة ما يتم إنتاجه وعرضه، والتصدي له بقوة إذا كان خارج النسق القيمي والعادات والثقافة. فالموسيقى والأغاني الخارجة في أمريكا تم تنظيمها من خلال «حركة الأمهات» التي قامت بدور قوي كجماعة ضغط للحفاظ على الأطفال. ثالثا: الجمعيات الحكومية والمجالس القومية يجب أن تدق أجراس الخطر عندما تبدأ صورة المرأة في الانهيار وتنحصر صورتها كسلعة أو أداة جنسية، ويبدأ المجتمع يتعامل مع هذه الصورة كواقع اجتماعي، أو تبدأ صورة الطفل تهدد مستقبل أجيال قادمة. فالمجلس القومي للمرأة كان يجب أن يأخذ موقفاً أقوى وأشد ضد ما قدم، وكان على المجلس القومي للطفولة والأمومة أن يكون أكثر تفعيلا في اعتراضه على صورة الطفل المقدمة وعلى تلك النوعية من الأفلام التي تمثل خطورة حقيقية على أخلاق الأطفال وعادات وتقاليد المجتمع. لا توجد حرية مطلقة، ولكن هناك حرية مسؤولة في إطار تنظيمي، وعلى كل من يمارس الحرية أن يكون مسؤولاً عما يقدمه. وإن لم تتواجد وتتفاعل الأطراف الثلاثة التي تم ذكرها فسوف نجد تجاوزات تدريجية قد تبدأ بأفلام سوفت بورن وتتدرج لنجد أفلاما بها مشاهد جنسية بذيئة وعنف وإرهاب على مسمع ومرأى من الجميع.