أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 17-5-2024 في محافظة المنيا    تحرك أولى شاحنات المساعدات من الرصيف العائم إلى شاطئ غزة    كولر والشناوي يتحدثان عن مباراة الترجي في مؤتمر صحفي اليوم    اليوم.. طقس حار نهارا على القاهرة والوجه البحري معتدل ليلا والعظمى 35 درجة    النشرة المرورية اليوم| انتظام الحركة المرورية بالقاهرة وسيولة بالشوارع والميادين    أستراليا تفرض عقوبات على كيانات مرتبطة بتزويد روسيا بأسلحة كورية شمالية    أين وصلت جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟    الجيش الأمريكي يعلن دخول أول شحنة مساعدات لغزة عبر الرصيف العائم    السفير سعيد أبوعلى الأمين العام المساعد بجامعة الدول العربية ل«روزاليوسف»: تحركات عربية مكثفة لملاحقة المسئولين الإسرائيليين أمام «الجنائية الدولية»    فرصة استثمارية واعدة    موعد مباراة النصر والهلال والقنوات الناقلة في الدوري السعودي    تشكيل النصر والهلال المتوقع في الدوري السعودي.. الموعد والقنوات الناقلة    تركيا تجري محادثات مع بي.واي.دي وشيري لبناء مصنع للسيارات الكهربائية    «الأوقاف» تعلن افتتاح 12 مسجدا منها 7 إحلالا وتجديدا و5 صيانة وتطويرا    مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة.. إلهام شاهين: تعلمت من المسرح حب الفن واحترامه    مهرجان كان، اتهامات بالتحرش ضد المخرج فرانسيس فورد كوبولا بعد عرض فيلمه    كريم الحسيني يقلد الزعيم عادل إمام احتفالا بعيد ميلاده (فيديو)    الفن المصرى «سلاح مقاومة» لدعم القضية الفلسطينية    احذر.. قلق الامتحانات الشديد يؤدي إلى حالة نفسية تؤثر على التركيز والتحصيل    تقنية غريبة قد تساعدك على العيش للأبد..كيف نجح الصينيون في تجميد المخ؟    برشلونة فوق صفيح ساخن.. توتر العلاقة بين لابورتا وتشافي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    الاغتسال والتطيب الأبرز.. ما هي سنن يوم «الجمعة»؟    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    شقيق ضحية عصام صاصا:"عايز حق أخويا"    مفاجأة في سعر الدولار الجمعة 17 مايو 2024    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 17 مايو 2024    دعاء تسهيل الامتحان.. «اللهم أجعل الصعب سهلا وافتح علينا فتوح العارفين»    استئناف الرحلات والأنشطة البحرية والغطس في الغردقة بعد تحسن الأحوال الجوية    «الأرصاد» تكشف طقس الأيام المقبلة.. موجة حارة وارتفاع درجات الحرارة    «قضايا اغتصاب واعتداء».. بسمة وهبة تفضح «أوبر» بالصوت والصورة (فيديو)    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    الخارجية الروسية: الأحاديث الغربية عن نية موسكو مهاجمة دول "الناتو" بعد أوكرانيا "سخيفة"    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    نجم الأهلي السابق يتوقع طريقة لعب كولر أمام الترجي    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد خليفة يروى فواجع حلب
نشر في المصري اليوم يوم 28 - 01 - 2014

في رواية مثقلة بتركة اليأس المصيري والإحباط الوجودي، يصور المبدع السوري النابغ خالد خليفة مأساة مدينة حلب التي كانت توصف بالشهباء، وتشتهر بالقدود الموسيقية والجمالية، والأطعمة الباذخة في ألوانها ومذاقاتها، والتي تحولت خلال العقود الأخيرة إلى بيئة متردية ينعق فيها غربان النظام البعثي ويبثون الرعب في قلوب السكان، مما أفرخ عصابات التأسلم لتهدد المصير السوري بما هو أنكى وأمر من الديكتاتورية السياسية، من فاشية دينية ظلامية تنقض على أوطاننا لتحول دون تطورها الديمقراطي الحر.
خالد خليفة أحد المبدعين الذين يمثلون ظواهر لافتة في الرواية العربية، حقق بثلاثة أعمال فقط حضورا وضعه في بؤرة الضوء، وإن ظل للأسف يفتقد التوجيه النقدي الرشيد، وليس أدل على ذلك مما يجترحه في هذه الرواية الجديدة الرابعة «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» التي ظفرت مؤخراً بجائزة الجامعة الأمريكية المسماة باسم نجيب محفوظ، يرتكب المؤلف خطأ مثيرا عندما يقصها بضمير الراوي المتكلم.. وهى الصيغة الحديثة للسرد، دون أن يلتزم بحدود رؤية هذا الراوي، بل ينطلق متألها عالما بدواخل الشخوص الأخرى وأسرار حياتهم مما كان مألوفا فى الرواية التقليدية التي تروى بضمير الغائب العليم بكل شىء، هذا الخلط بين الصيغتين يصيب القارئ الواعي بأصول الفن بالدوار والاستغراب، إذ يجعل الراوي مثلا يكشف بشغف مستنكر استهتار أخته وأمه الأخلاقي ويتابع بدقة ما حدث لجده قبل مولده باعتباره مراقبا له لا مستمعا لأخباره، أو يصف مغامرات خاله المثلى وتفاصيل تهتكه مع أزواجه مما ليس من شأنه أن يطّلع عليه أحد، هذا العوار التقني لم يجد من ينبه المؤلف إليه ولم تلتفت إليه لجنة تحكيم الجائزة.
ولكي يصححه المؤلف ويستقيم سرده بمنطق الفن لا يتطلب ذلك منه سوى تعديل ضمير الراوي ليصبح «هو» بدلا من «أنا» لتمضى الحكاية ويصبح المنظور على النمط المألوف، لكن علينا أن نستمتع بهذه الرواية المثيرة للإعجاب والتأمل، متجاهلين هذا الأمر والمضي في قراءتها باعتبارها نصا ينتمي إلى الصيغة التقليدية، يصف تحولات الإنسان والمجتمع داخل النظم الاستبدادية، حيث يتحول البشر إلى مخلوقات آلية تهذى برقصات التأييد الهستيرية للسلطة القاهرة، وترفع قسرا شعارات الولاء للحكام حتى بعد موت طغاتهم وعدم تصديقه، يتحولون إلى شخصيات فاجعة مستلبة، تعانى حالة من الاحتضار الطويل بعد انهيار المستقبل الذي ينبض بالأمل والحياة.
كانوا بشراً:
يمتلك المؤلف قلما حادا يحفر خدود، أو أخاديد، شخصياته بضربات قاسية، فالأم التي كانت معلمة أنيقة تصنع بيتها على عينها، إذ تختار مقتنياته بدقة وتحيلها إلى تحف فنية لم تلبث أن أصبحت امرأة مهجورة، تعيش مع أولادها نوعا من الحياة التي يطلق عليها الراوي «حياة موازية» أي على هامش، أو ضد ما يهدر به الشارع من ضجيج حزب صادر ما تبقى من حريات الناس «أوقف تراخيص الصحف ومنع صدورها، عطل البرلمان، وفرض دستورا يمنح الرئيس المفدى صلاحيات مطلقة، فقام فوراً بعد الانقلاب باعتقال رفاقه ليموتوا في السجن بعد سنوات طويلة، احتفظ الحزب وحده بحق قيادة البلاد التي وقعت تحت طائلة قانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية، الرئيس الذي لم تصدق أمي موته في حزيران عام 2000 استأثر لنفسه بكل المناصب العليا..»، ثم يتابع الراوي الأثر العائلي المباشر لضغط هذه الحقائق الرهيبة على وجدان أقرب الناس إليه في مشهد طفولى لا ينساه «عاد أبى مخمورا، قلب الأشياء في الغرفة، أيقظنا ولم يكترث لفزعنا، بصق على صورتنا العائلية المعلقة، تشكّى من اختناق يضغط على رقبته، كان ساخطا على محطة القطارات التي يعمل بها، وعلى الحزب ومخبريه»، وينتهي الأمر بهذا الأب الشرس إلى الهجرة من البلد كله، تاركا مصير زوجته وأولاده لعالم لا يرحم، لا يلبث أن يفقدهم إنسانيتهم، فيتحول كل منهم إلى ما يشبه الحثالة البشرية.
وإذا كان هذا مصير الأب الذي ينتمي إلى طائفة الأغلبية من السكان، فإنه لا يختلف كثيرا عما اضطر إليه «عيسى عبد المسيح» من الهجرة إلى كندا، يشرحه في رسالة مطولة يخبر فيها زوجته بأن «المدن تموت كما البشر»، حيث لم يحتمل رائحة الغيتو المفروض عليه العيش به كخيار وحيد، لا أمل بفك الحصار عنه، أضاف بأنه لن يكون أحمق ليأتي بولد إلى شوارع هذه المدينة القذرة التي تحولت إلى مكان للقتل والخوف، أسهب في شرح هذا الخوف الذي يتعاظم كل يوم، «خوفه من المظليين، من المشايخ والكهنة والقساوسة الذين يراقبون غيابه عن الكنيسة، خوفه من مستقبل مظلم يضطره كل يوم لإثبات ولائه للرئيس والمخابرات والحزب».
يتلاعب خالد خليفة بمهارة في عمليات التقديم والتأخير، يفيض في عرض عوالم أخت الراوي سوسن، وأخيه رشيد وخاله نزار، يتابع أخته في رحلتها العاشقة إلى دبي مع معشوقها الضابط المتقاعد «منذر» المغضوب عليه من جهاز الأمن العتيد، وإن كان قد سمح له بالسفر ليعمل فى خدمة من يدعى «حبيب الموصلى» نرى تراتب القهر الذي يقع على الضابط السابق من ولى نعمته، فيصبه على خليلته إذ يحرم عليها اجتياز عتبات قصر مخدومهم، وعندما تتطلع إلى الزواج منه راضية بفتات رجل يلفظها باحتقار، تأتى إليها الأوامر بالمغادرة الفورية والعودة إلى الشام، تتذكر سوسن - لكن من خلال ذاكرة أخيها الراوي - كيف تعرفت على منذر هذا وأغرته بمظاهر أنوثتها الطاغية وهى لا تزال في الثانوية حتى تتخذه وسيلة للالتحاق بكتيبة فتيات المظليات تحت إمرته، وكيف عملت جاسوسة على زميلاتها تكتب عنهن التقارير الأمنية، وكيف جاهرت بعلاقتها بالضابط المسؤول حتى تكتسب هيبة السلطة في المدينة الخائفة، ويحكى الراوي دقائق هذه العلاقة التي لا يمكن أن يطلع عليها سوى العاشقين، كانت مثلا تريد أن تخترق بصحبته حواجز الزمن فتصعد معه إلى قلعة حلب، وتسأل الحارس العجوز عن مضجع سيف الدولة فيرتعد ويسلم لها مفتاح قاعة العرش، حيث ترى «المدينة» صامتة من خلال زجاج النوافذ الملون، فتعرى صدرها وتمارس مع عشيقها ما يشعره بأنه قد أصبح سيد العالم»، لكن الراوي لا يلبث أن يفيق من هذه الاسترجاعات ليتابع أخته وهى تعود محبطة من دبي، فتتقلب في فراشها والحنين يطحنها إلى منذر، فلا تجد أمامها سوى أن تتظاهر بالتوبة، ترتدي ثيابا طويلة وغطاء رأس غامقاً، تصحب صديقات جدداً إلى المنزل، حيث تحضر لهن شراب الزنجبيل، ويتحدثن لوقت طويل عن معجزات الأولياء ويستمعن إلى أناشيد دينية، هذا التحول الفجائي في الشعور والسلوك من حالة إلى نقيضها يعتبر من الظواهر اللافتة في حياة المرأة العربية في ظل النظم الاستبدادية القاهرة، حيث يتجلى قهر المرأة في السلوك المتحلل بالقوة ذاتها التي تبدو في تحولها الظاهري إلى التقوى المصطنعة، يصبح الاضطراب النفسي والتناقض الواضح مظهرا مرضيا لا تخطأ علاماته، ولا يصبح من الغريب حينئذ أن نرى هذه الأخت ذاتها وقد ضاقت بصورتها المفتعلة الجديدة، فعادت لشغفها القديم بالحياة، وتمادت فيه إلى الحد الذي تلتمس فيه من أستاذها القديم أن يمنحها ابنا تعيش من أجله، على الرغم من إنكاره ورفضه الاعتراف بأبوته، فإذا ما حققت ذلك وجدت في خالها الموسيقى الذي لا يقل عنها تحللا وشذوذا نصيرها في التماس من تسند إليه هذه الأبوة في تدبير عائلي غريب.
عار المدينة ورحلة الجهاد:
يتعاور الرواية أطراف مدهشة من القيم المتناقضة، ربما كان التوق للحرية في تجلياتها المختلفة هو الذي يجمع بينها، فمن بين عشرات الصفحات القوية في عمقها وطرافة متخيلها عن مدينة حلب وسكانها، تلمع سطور بارقة عن النساء اللائى أصبح عليهن أن يضعن سكاكين المطبخ في حقائبهن استعدادا للدفاع عن أنفسهن من شراسة المعتدين في الشوارع، ومن هنا يأتي عنوان الرواية، كما تلمع أسماء بعض شخصيات المفكرين والموسيقيين والمبدعين والساسة من أهل حلب، التي يأخذنا الإشفاق عليها مما آلت إليه حالها قبيل انفجار الأوضاع في سوريا كلها، ويصف لنا «مسيو جان» وهو مدرس سوسن الحلبي الذي علمها الفرنسية حال مدينته قائلا «إنها تعيش فى عار تاريخي لسكان يتقاسمون هواءها خائفين من بعضهم البعض، مسيحيون خائفون من المسلمين، أقليات طائفية خائفة من الأغلبية، وأكثرية خائفة من بطش الأقلية، قوميات وأديان وطوائف خائفون من الرئيس وضباط مخابراته، والرئيس خائف من أعوانه وحراسه، وأعوانه يبحثون عن طرق مبتكرة للوشاية ببعضهم بعضا، يرفعون الرئيس إلى مرتبة القداسة والألوهية، رغم ذلك يبقى فى قصره خائفا من حراسه، لا يجرؤ على السير في الشارع عشرة أمتار دون مئات الحرس، بينما التليفزيون يبث صور ملايين البشر يهتفون له صباح مساءً» وربما كان هذا الوصف الدقيق الذي يأتي خلال تكوين سردى مفعم برائحة الحياة الواقعية في تفاصيلها الصغيرة فيبرز تفسخ المناخ المرعب، كما يتجلى في السلوك المتحلل والمشاعر المتناقضة للأفراد، هو الذي يشرح لنا ضراوة ما يحدث الآن بعد انفجار غطاء الخوف عن مجرور النظام وضراوة أعدائه في آن واحد. فإذا تتبعنا فصول الرواية في جملتها وجدنا الأول منها يفتح يموت الأم الذاهلة، والثاني بموت الجد قبل ذلك بعقود، وهذا معهود في سرد الاسترجاع، وإن كان وصفه بطريقة بصرية على لسان الراوى الذي لم يكن قد ولد بعد يعيدنا إلى ارتباك المنظور، وقد خصص المؤلف الفصل الثاني ليشرح تحلل شخصية الخال نزار، ويمجد فى الآن ذاته كرمه وطيبته واحترام العائلات، التى تنعم بموسيقى فرقته، الكبير لشخصيته، ويمعن الراوي فى الفصول التالية في استكشاف عوالم أخته سوسن بعد انتهاء زمنها وطى صفحتها، ولو كان ذلك يروى على لسانها لكان أوفق، لكن الفصل الأخير الذي يروى فيه تطوع أخيه الموسيقى الرهيف رشيد وانخراطه في كتائب المجاهدين العرب في غزو العراق، ومشاركته المحمومة في معركة المطار البطولية من أمتع وأقوى فصول الرواية، إذ يبلع فيه المؤلف درجة عليا في التمثيل الجمالي لتفاصيل تحولات البشر الوجودية ومعاناتهم الإنسانية وتناقض مشاعرهم، يوظف فى سبيل ذلك طاقته المذخورة في كتابة السيناريوهات الممكنة للمواقف المحتدمة وتجسيدها بصريا بطريقة فائقة، وأعيد ما بدأت به هذا المقال، لو أدار المؤلف زمام قصه ليجعل الراوي عليما لا متكلما، لكانت هذه الرواية في قوتها العارمة وشعريتها العليا أحد النماذج البارزة في السرد العربي المعاصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.