«ياااااااااه الدنيا دى اتغيرت والله العظيم.. فين أيام زمان من أيام دلوقتى»، بهذه الجملة الصغيرة والبسيطة، يستطيع «عم جمال» السائق أن يفتح باب الحديث مع زبائنه وركابه، فهذه الجملة تجبر أى شخص على الكلام والحديث فى حال الدنيا، فما إن يركب معه أى فرد بالسيارة، حتى يبدأ فى تسلية وقته ووقت الزبون ب«طريقته الخاصة». «لازم السواق يعرف يتكلم فى كل المواضيع، بس يختار كل موضوع على حسب الزبون، يعنى على حسب الطلب»، حكمة تعلمها جمال من والده السائق أيضاً، فيتحدث كمن يؤرخ لمهنته قائلاً: «لازم الموضوع يمر بعدة خطوات، الأول إنك تختار الزبون بتاعك، يعنى مش أى زبون تسمح له إنه يركب معاك، تانى حاجة إنك تبدأ بالجملة دى، وكأنك حتدوس على الزرار عشان تعرف زبونك من أى نوع». صنّف جمال زبائنه إلى أنواع: «فيه زبون بيكون ما بيحبش الكلام، لكن إنت بتنطقه، يعنى تنكشه بكلمتين، وزبون تانى مستنيك بس تتكلم وتفتح فى أى موضوع عشان يسلى وقته معاك، ودول غالباً بيكونوا ستات، أما الزبون الأخير فهو الزبون «الحجر»، يعنى الحجر ينطق وهو لا، وتلاقيه متكبر عليك أو مقروف من عيشته، وده بقى أنا باستخدم معاه الأسلوب الخاص». «الأسلوب الخاص» سلاح خاص يستخدمه «عم جمال» فى وجه الزبون «غير الناطق» حيث «يقرفه ويقعد يكلم نفسه، ويشغل الكاسيت ويعليه على الآخر، لحد ما يخليه يا إما يتكلم يا إما ينزل من العربية». حسام عبدالخالق، سائق تاكسى، فى العشرينيات من عمره، كونه خريج إحدى الجامعات المصرية، جعله يتمتع بثقافة «لا بأس بها» كما يقول: «السواق لازم يقدر يتكلم فى كل حاجة، ساعات باتكلم فى الطبيخ وفى السياسة وفى أخبار البلد، بس أكتر حاجة الناس بتتكلم فيها تقريباً، وضع البلد، والبطالة والعنوسة وغلاء الأسعار، خصوصاً لما يعرفوا إن أنا شاب جامعى، وشغال سواق تاكسى». يؤكد حسام أن سواق التاكسى من أكثر الفئات فى المجتمع التى تصب فيها أخبار البلد، حيث يركب معه كل الأنواع والمستويات التعليمية والفكرية، ورغم بساطة العاملين فى المهنة، إلا أنك تستطيع أن تعرف منه أخبار البلد، وأكثر الشائعات التى تدور فيها من السائقين. بأسلوب المثقفين يتحدث حسام فيقول: «التاكسى ده عالم تانى، ولازم سواق التاكسى يكون «سمّيع» يعنى يقدر يسمع الناس ويخليهم يفضفضوا بمشاكلهم، أكتر ما السواق نفسه يتكلم»، وكأنه عالم افتراضى يدخله الزبون، بمجرد أن تخطو قدماه السيارة، لينسج عالماً مختلفاً عن واقعه الحقيقى، ليبقى فى هذا العالم ولكن بمجرد أن يعلن السائق الوصول للمكان، وينزل الزبون من التاكسى، يكون حديث التاكسى «مجرد كلام».