منذ البداية تلتقط حواسك رائحة مختلفة يمتزج فيها البيع والشراء داخل منطقة خاصة جدا تزدحم دائما ولا تتوقع أن تجدها خالية يوما، هي منطقة «العتبة» واحدة من أهم المناطق التجارية بالقاهرة، ملامح تقول إنها تبحث عن الأرخص وملامح أخري تبحث عن لقمة العيش ومن يشتري فكلتاهما تبحث عن الأخري داخل هذا المكان. بداية حديثي مع عم صابر بائع اللحم المجمد وهياكل الفراخ. يبتسم علي الرغم من خلو الممر من الزبائن قائلا: عادي «الحال واقف» «والدنيا نايمة» ابيع هياكل الفراخ وهي عبارة عن فراخ منزوعة الصدور والاوراك ويتبقي بها الاجنحة فقط والرقبة الكيلو يباع بخمسة جنيهات، قال عم صابر «كان في زحمة قبل دلوقتي بشهرين الحال تعبان ومن كان يشتري كيلو اصبح يشتري نصف كيلو، غير أن الصحة تلاحق البياعين كل شوية بمحاضر لأنها ترفض عرضي للبضاعة فيتساءل طيب الزبون هايشوف الحاجة ازاي؟ يبيع عم صابر الكبده ب 16 جنيها للكيلو وهي مستوردة بعد أن كانت ب 12 جنيها واللحمة المستوردة ايضا والمجمدة يبيعها ب 24 جنيها وكان قبل ذلك ب 19 جنيها. ويروي عم صابر خبرته في البيع والشراء داخل سوق العتبة قائلا: أعمل منذ 30 سنة هنا وافهم الزبون جيدا «سيدة علي قد حالها لها مثلا اقطع لها الهياكل وتطبخ عليها.. اهي اسمها لحمة للعيال». أكل الكلاب أما عاطف بائع الكبدة والكلاوي والدهن والديك الرومي واللحوم المجمدة يقول: ابيع اللحمة ب 25 جنيها للكيلو، الدهن ب 10 جنيهات للكيلو والرومي ب 20 جنيها لكن الاسعار اتغيرت واصبحت بهذا الشكل منذ فترة قصيرة لهذا فكل ساعتين مثلا يأتي زبون عايز كيلو لحمة أو نصف كيلو، ولكن عاطف يؤكد أن زبائن سوق العتبة لا يقتصرون علي الفقراء أو محدودي الدخل - اسفة معدومي الدخل- ولكنه يشهد ايضا فئات مستواها الطبقي مرتفع وتختلف حاجتهم التي يحصلون عليها من السوق فإما يشترون لحوما أو فراخا عادية كطعام لهم أو انهم يأتون لشرائها من أجل الكلاب التي يربونها ، ويذكر عاطف كيف أن إحدي الشخصيات السياسية المعروفة الآن كان يشتري منه دائما طعام الكلاب من هياكل الفراخ أو اللحم المفروم المستورد. عم عاطف وضع امامه قطعة كبيرة من اللحم المجمد ليعرضها ولكنه غير سعيد لأنه لا أحد يقترب ليشتري وبالتالي يبدأ الثلج في الذوبان مما يقلل وزنها ربع كيلو أو نصف كيلو وهو الخاسر الاول في النهاية. أمام محل آخر وقفت سيدة عجوز فاقتربت منها لأسألها عن جودة اللحمة المجمدة فقالت: يعني أنت عايزاني اشتري كيلو لحم بلدي ب 60 جنيها ليه؟ أنا بشتري اللحمة من سوق العتبة من ثلاث سنوات تقريبا مع بداية ارتفاع سعرها ل 30، 40 جنيها هاشتريها دلوقتي وهي ب 60 جنيها. الغلبان يقضيها وأضافت السيدة : «الغلبان ده يقضيها بأي حاجة» الأكل بيتكلف كتير لسه الخضار والارز والسمنة»، وتركت تلك السيدة ومازالت مندهشة من سؤالي عن جودة اللحمة المجمدة لأتحدث مع البائع عم صلاح ابو علي.. يقول الحياة اصبحت غالية حتي سوق العتبة بقي «بينش» وبيعتمد علي المحال التي تشتري منه كميات مثل المطاعم والفنادق . ويقول عم صلاح انه يعمل بسوق العتبة منذ ثلاثين عاما حيث يبيع اللحوم المجمدة والفراخ ايضا ويقول المكان هنا آمن في سوق قديم ايام الاحتلال اسفل هذا السوق بعد اخر الممر مدخلة، ولكنه مهجور، ولم افضل البحث عن معلومته المؤكدة لأنه في كل الحالات شعرت باهمية السوق الذي يعني بكل تفاصيله المعبرة عن حال المصريين في ابسط حاجاتهم الأساسية وهو الطعام. مفيش فايدة أم حسين سيدة تبيع داخل سوق العتبة اللحوم ايضا في محل كبير حجما صغير ببضاعته التي فرشتها بالكامل علي مائدة كبيرة امامها لتغري عين الزبون.. وكما تقول «مفيش فايدة» تساءلت عن وقوفي لساعة تقريبا ولم يمتلئ المكان بزبائن أو حتي يشتري منها هي علي التحديد. تقول كنا بنبيع لحمة بخمسة جنيهات، و7 جنيهات و13 جنيها دلوقتي اللحمة ب 25 جنيها ولا أحد يشتري الا نادرا. احد الزبائن سيدة صغيرة جاءت بولديها الصغيرين من منشأة ناصر لتشتري السمك فتقول : اشتري من سوق العتبة لأن اسعاره مناسبة لامكاناتي ففرق السعر يصل إلي 8 جنيهات عن المنطقة التي اسكن بها واشتري السمك واللحوم المفرومة والمجمدة والفراخ من هنا، زوجها «ارزقي» كما وصفته علي باب الله يعمل يوما ويجلس عشرة بالمنزل فهو قهوجي . تشتري لحمة في الأسبوع مرة واحدة فقط وتحمد الله علي هذا مؤكدة أن البعض يحسدها علي ذلك ولا يعلم أنها تشتري اللحم من سوق العتبة وتضحك قائلة عندي 5 أولاد يعملون لأنهم لم يذهبوا للمدرسة وأقوم بعمل وجبة اللحمة والطبخ يوم إجازتهم لنجتمع جميعا عليها. السمك.. السمك أما أحمد بائع السمك الناقم علي كل شيء فيقول: «نبيع أقل من المعروض ومش نافع»، أضع أمامي كمية صغيرة من السمك لأني «عارف الحال»، لا ينوي أحمد الزواج لسوء الأحوال المادية وزبائنه كما يقول «اللي علي أده» يقبل علي شراء البلطي والسردين والتونة وفي زبائن تشتري الجمبري. أما عبدالمنعم المراغي - صاحب محل دواجن - ويعرضها داخل فاترينة أنيقة وتندهش لوجود فرخة ب 12 جنيها وأخري ب 21 جنيها وأخري ب 36 جنيها وعندما تسأله عن السبب يقول «الوزن» فقط أنا لا أعمل في المستورد وكله مصري لكنه مجمد «فريش»، زبائنه كما يقول من الوزير للغفير. وحتي نهاية الممر إذا جاز لنا وصفه أو زقاق كما يمكن تخيله تنتهي محال اللحوم بجمعية استهلاكية خاصة وأخري حكومية كلتاهما تنافستا في وضع لافتات تعلن للزبائن - إن وجدوا - عن أسعار خرافية في الألبان والأجبان والسلع التموينية حتي يقبلوا علي الشراء لينتهي السوق ونخرج منه إلي شارع محمد علي فعلي الرغم من أنه يمكنك دخوله من جهتين الأخري هي شارع الأزهر ولكن العامل المشترك فيهما هو الحالة التي خرجنا بها من أحد أسواق المصريين «سوق العتبة».