«أشقلة»، «يافت»، «مانو» و«ماسورة»، كلمات غريبة، حينما تستمع إليها تندهش، وتتبادر إلى ذهنك أسئلة عديدة، تجعلك تدخل فى حيرة كبيرة، حينما تشترك فى حوار بين متحدثيها من أبناء المهنة الواحدة، وتفاجأ بكلمات غير مفهومة، لا يعرفها الناس تصدر عنهم ولا يستطيع أحد «فك شفرتها» أو رموزها، لعدم وجودها فى أى قاموس، وعقب سماعك هذه الكلمات من الممكن أن تجد ردود فعل مختلفة تغير من سير الحوار واتجاهه، وهو ما يحدث بصفة يومية مع المستهلكين المقبلين على الشراء، إذ يتعمد البائعون إصدار كلمات لا يفهمها أحد، فيما أكد عدد من الفقهاء أن الهدف منها التواصل فيما بينهم حول طريقة التعامل مع «الزبون». تجولت «إسكندرية اليوم» فى الأسواق بين البائعين، ورصدت هذه اللغات مع أصحاب بعض المهن، والتقطت منهم بعض الكلمات لفهم معناها وفك رموزها، ومن هذه المهن «تجارة الذهب» و«الفضة» و«القماش» و«السمك» و«القهوجية». مصطلحات تجار الذهب الأكثر شهرة فى السوق.. فتش عن اليهود تشتهر مهنة الذهب بأنها أكثر المهن، التى تحتوى على مصطلحات وكلمات يتحدث العاملون بها ولا يفهمها غيرهم وغالباً ما يستخدمونها، أثناء توافد الزبائن عليهم للشراء بهدف الإشارة من صاحب العمل إلى الموافقة على طلب معين أو رفضه وحينما يوافق على طلب أحد الزبائن تصدر منه إحدى الكلمات لتعبر عن موافقته أو العكس، وخلال ذلك فإنك تجد بعض الناس من جمهور المستهلكين، يفهمون هذه الجمل أو الكلمات أو حتى لغة الإشارة بينهم. قال أحمد فؤاد، صاحب محل ذهب: إن لغة تجار الذهب تعود إلى أصول يهودية تركوها بين أجدادنا قبل خروجهم من مصر وتوارثتها الأجيال تباعاً دون ورقة أو قلم، مشيراً إلى أنها بدأت فى الاندثار تدريجياً، وأصبح العديد من التجار لا يستخدمونها، خاصة بعد أن شاعت بين الناس، وأصبح الكل يعرفها ويدونها ويعمل بها ويتحدث من خلالها. وأوضح «فؤاد»: أن هناك 7 أو 8 كلمات أساسية يستخدمها التجار عند وجود الزبون أو التاجر، الذى يكون هناك اتفاق بينهم على صفقة ومن بينها كلمة «يافت»، وترمز إلى أن هذا الشىء كويس ولا ضرر منه، أو أن ما عرضه الطرف الآخر سعره جيد، ولا مانع من إتمام البيع أو أن هذا الزبون محترم ولا داعى للقلق منه. وكلمة «بار» ترمز إلى أن هذا الشىء يعنى «غير جيد» واحذر من هذا الزبون- على حد قوله- وأضاف كلمة «حمشة» وتعنى 5 جنيهات و«حمشة كبيرة» تعنى 50 جنيهاً، وكلمة «أنتلة» تعنى 10 جنيهات و«مشط» تعنى 20 جنيهاً، وكلمة أحدين تعنى «2 جنيه» وأحاد تعنى «جنيه واحد». وأكد «فؤاد» أن هذه الكلمات بدأت تندثر، وأن العديد من العاملين فى مجال تجارة الذهب لا يستخدمونها كثيرا حاليا، وإن استخدام هذه الكلمات يثير قلق الزبون أحياناً، لأنه من الممكن أن يأخذها بمحمل آخر، وبالتالى «هناك خوف من استخدامها حفاظاً على زبائننا». وأكد محمد أشرف، صاحب محل ذهب، أن هذه الكلمات يهودية وشائعة الاستخدام بين اليهود وتداولها الصاغة، لأن اليهود كانوا يعملون فى تجارة الذهب. وأضاف أن هناك كلمات كثيرة منها «اشترى كفت» وتعنى «اسكت» و«الدبشة» وتعنى الإفادة بنعم أو «صحيح»، وهى كلمات عادية لا يخشاها الزبون، لكنه يقلق بعض الشىء خاصة أنه لا يخفى على أحد استخدامها بعد أن تناولتها وسائل الإعلام المختلفة، مشيراً إلى أن الفنان نور الشريف فى فيلم «الصاغة» استخدم بعض الكلمات الدالة على ذلك. وقالت ريهام صبرى، مدرسة، إنها لا تخشى الكلمات التى تصدر من أصحاب محال الذهب، لأن كل كلامهم ينحصر حول السعر وصعوده أو انخفاضه وحول جودة الشىء من عدمها. وأكد محمود أحمد، موظف، ضرورة أن يحتفظ أبناء كل مهنة بكلمات بينهم لا يعرفها أحد، وأن يقوموا بالتحدث بها، بشرط ألا يتخطى بعض دقائق فى حال الكلام بها أمام بعض الزبائن، «لأن زيادته تؤدى إلى إشاعة القلق بداخلى وتجعلنى أنصرف عن الشراء». «الفضة» الأكثر استخداما.. والإقبال عليها يساعد على ظهور لغة جديدة لم يختلف الحال عند تجار الفضة، من خلال وجود بعض الكلمات التى شكلت لغة يجتمعون عليها ويتعاملون بها، فيما بينهم ولغة أصحاب الفضة تختلف إلى حد كبير مع لغة تجار الذهب، رغم تشابه النوعين ولكل منهما حال لا يختلف كثيرا عن الآخر. ويرى بعض التجار أن الفضة من المعادن التى لا تقل بريقاً عن الذهب، وأنها بدأت تنافسه وأصبح البعض يقدمها كبديل ل«الشبكة» ومن هنا يتوقع كثير من التجار أن تنشأ بها لغة خاصة بعد ارتفاع أسعارها، بسبب الإقبال عليها. وقال مصطفى فتحى «تاجر فضة»: لدينا لغة تميزنا شأننا شأن أصحاب المهن الأخرى وان كانت هناك كلمات شبيهة مع العاملين فى بيع الذهب لكن لغتنا تميزنا لأن الفضة تتميز بتعدد أنواعها وأحجامها وأشكالها وتختلف فى السعر، الأمر الذى يجعلنا نلجأ للحديث بلغة لا يعرفها سوانا، وما ينفعش نتكلم غير بيها. وأضاف: حينما نتكلم نقول أحيانا «دبش»، فى إشارة إلى أنه من الممكن أن نقلل له السعر بشكل نسبى أو ما ينفعش وإن «الدبش هباش» يعنى عايز كل حاجة بأقل سعر وما ينفعش نقلل السعر. وقال مهاب فتحى، بائع فضة، إن اللغة فى مجال الفضة تكون بين التجار الكبار أما فى المحال الصغيرة فلا توجد حاجة للعمل بها وإننا لابد أن نشكل كلمات ونضيف إلى ما تعلمناه دون ورقة أو قلم، مؤكداً أن هناك أكثر من كلمة قد تحمل أكثر من معنى ومنها «اشتقالة»، وهى كلمة للتحذير من أن الشخص الذي أمامك من الممكن أن يمد يده ياخد حاجة مش بتاعته ويسرقها . وأوضح: «هنا على البائع أن يأخذ حذره، لأن الفضة حجمها صغير ومن الممكن أن يضعها أحد فى جيبه أو حقيبته دون أن يشعر به أحد». أضاف رأفت سميح، تاجر فضة، أنه قال لأحد العاملين معه ذات مرة كلمة «اشتقالة»، ففهمها الزبون وأبدى غضبا شديداً وقمنا بمصالحته بصعوبة، لكننا أوضحنا له أنها ليست للسرقة وإنما تعنى أن الزبون يضيع الوقت ولن يشترى شيئا. لغويون: تخفى بعض المعانى على «الزبون» وانتشرت بين أساتذة الجامعات قالت الدكتورة لانا ماكين، رئيس قسم اللغات التطبيقية بكلية الآداب، إن اللغة هى أهم طرق التواصل بين الناس وأن لكل قبيلة أو عشيرة أو حتى المهن الواحدة طرق حوار لا يفهمها أحد غيرها، مؤكدة أنه ليس بالضرورى أن تكون لغة مفهومة، وإنما كلمات لا يفهمها سواهم لتحقيق مصلحة بمقتضاها يحققون ما يريدون من خلال معاملتهم مع الطرف الآخر، فى الوقت الذى يقومون فيه بالحفاظ على علاقتهم بهم. وقال الدكتور أشرف فراج، عميد كلية الآداب، إن الكلمات التى ينطق بها أصحاب المهنة هى دلالة واضحة وأكيدة على اقتصار أصحابها عليها وإنهم فى حاجة لإخفاء بعض المعانى عن الشخص الذى يقف معهم من أجل الاتفاق على هدف محدد أو شىء معين سيقومون به، وتنحصر بين أصحاب المهن ذات تحقيق الربح من وراء بيع الأشياء، ومعظمها يدور حول تحديد السعر دون أن يدرى «الزبون». وأضاف «فراج»: «معظم الكلمات التى يتداولها أصحاب المهنة الواحدة لها جذور وأصول لغوية ولا يستطيع أحد أن يختلقها هباء خاصة الكلمات التى تزداد بين أصحاب المهن مثل تجار الذهب والقماش وغيرها من المهن التى تشهد كل يوم الجديد فى الأسعار والتى لا تكون على حال ثابت سواء بارتفاع السعر أو انخفاضه». وقال الدكتور مرزوق عبدالمجيد، وكيل كلية التربية لشؤون التعليم والطلاب، إن المصلحة تقتضى أن يكون بين أصحاب العمل الواحد لغة تحقق مصلحتهم ولا تأتى على حسابهم، خاصة فيما يتعلق بشؤون السلع التى يتغير سعرها فى كل وقت ومن هنا ظهرت الحاجة إلى وجود لغة لا يفهمها الآخرون، وحذر من أن يكون لها عواقب وخيمة، لافتاً إلى أنه قد تنشأ بين أصحاب المهنة الواحدة لغة خاصة هدفها تحقيق المصلحة الشخصية والبحث عن الذات على حساب الآخرين وتظهر حينما تتدخل المصالح فى العمل، مشيراً إلى أنها بدأت تظهر بقوة بين أساتذة الجامعات، ومن الجائز أن تكون كلمات غير مفهومة لكنه فى نفسه الداخلية لها مغزى معين. تجار القماش.. كلمات «غامضة».. وأسرار «مجهولة» تعود لغة تجار القماش إلى أصول شامية وعربية، تركها روادها وتجارها أثناء زيارتهم للبلاد المختلفة بالقوافل المحملة بالبضائع والتنقل فيما بينها وبين البلاد، إما للشراء أو البيع، وهناك كلمات رفض التجار الإفصاح عن معناها، للحفاظ على سرية المهنة رغم ذيوع انتشارها داخل الأسواق، وقالوا إنهم قطعوا عهدا على أنفسهم ألا يتحدثوا عنها، حتى لا يشيع استخدامها ويعرفها الناس، وبالتالى ينتفى الهدف من استخدامها والعمل بها. وقال صبحى صديق، تاجر قماش، إن معظم السيدات يحاولن المجادلة لمعرفة اللغة حتى يفهمن ما يقال معبرين عن قلقهن من الكلمات ويشككن فى أننا سنجعلهن «فريسة» لنا ونرفع الأسعار، وأضاف: كل أصحاب مهنة لهم كلمات لا يفهمها سواهم وأنهم لابد أن يتحدثوا مع العاملين لتسيير أمور العمل ولا يجدون فى كلماتهم أى حرج من أن يستخدموها أمام الزبون خاصة لأنها تتعلق بأمور خاصة، يجب ألا يعرفها أحد، على حد قوله، وتابع: «حينما نستخدمها نحاول أن نوجه البائع مثلاً إلى أنه يمكن بيع نوع القماش بالسعر الذى يرغبه المشترى وقد نرفض بيع سلعة بسعر معين ونطلب من البائع إنهاء الصفقة لأن الزبون لن يتنازل عن خط معين فى ذهنه وأن الجدال لن يفيد، وبالتالى لا فائدة ومن الأفضل ألا نضيع وقتنا لأننا لدينا نظرة فى الزبون اللى هيشترى والزبون اللى بيجادل وخلاص». وقال أحمد إسماعيل، بائع قماش: إن هناك كلمتين نتعامل بهما فى مجال عملنا ومنها كلمة «شنف» وتعنى أنه زبون نص نص وسيبك ده أو امسك ده والزبونة اللى هتشترى نقول عنها إنها «ع» وأنها هتدفع، ولابد أن نفتح معها مجالات شغل ونعرض عليها بضاعة مختلفة وقيمة فى نفس الوقت، لأنها هتشترى، أما الزبونة التى لن تشترى فنطلق عليها لفظ «د» يعنى هتفضل تفاصل وتجادل ومش هتشترى، وحول مصدر هذه الكلمات قال: إحنا طلعنا لقيناها كده وأهالينا علموها لنا كده زى ما هى وأخدوها من أجدادنا، وأضاف: «إن معظم السيدات أصبحن يعرفن معنى الكلمات التى نقولها وهناك سيدات نفاجأ أنها تشترك معنا فى الحديث بنفس لغتنا». طلبات «القهوجية»: «مانو» و«كراميل» و«زردة».. والأصل تركى «مانو»، «كراميل»، «شاى زردة»، «شاى فى الميزو»، «قشاط» و«زهر».. كلمات يستخدمها «القهوجية» فى مجال عملهم اليومى ولا ينقطعون عن ترديدها، وهى كلمات دالة على معنى معين مثال «قهوة مانو» وتعنى أن يقوم بعمل القهوة دون سكر، وإذا قلت «قهوة كراميل»، فإنك تطلب قهوة زيادة «دوبل». فى البداية، قال مصطفى ديشة «قهوجى»: «قهوة كراميل جاءت للتأكيد على أنها تكون حلوة زيادة عن المعهود وجاءت من حلاوة الكراميل، أما كلمة «شاى فى الميزو» فتعنى «شاى فى كوب صغير»، لأن الزبون عايز يشرب حد معين فى الشاى ومش عايز يتخطاه، أما شاى «زردة» فيعنى أنه يريد شايًا فى براد، وأن نحضر معه كوبًا صغير بحيث يطلب الزبون ويشرب منها كلما احتاج. وقال إبراهيم أبوالحمد «قهوجى»، لدينا كلمات أخرى فى الألعاب التى يلعبها الزبائن على المقهى ومنها «قشاط» ويعنى كارت لعبة الطاولة، أما «الزهر» الذى يلعب به الطاولة لإظهار الأرقام لتحريك القواشيط – على حد قوله - فهو إشارة إلى صغر حجمه. أضاف فايز إسماعيل «صاحب مقهى»: إن هذه الكلمات، أصلها تركى واستخدامها بسيط وهناك مصطلحات صادرة عن أصل اللغة العربية ولا تفرق عنها، وإن الزبون يعرف معناها جيداً، نافياً أن يقصد القهوجية بإخفاء معناها، لأنه لا يوجد ما يحتاج إلى إخفائه وأن الهدف منها التواصل السريع.