نهر النيل هو المصدر الرئيسي للمياه المتجددة في مصر، يزودها بأكثر من 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، مما يمثل 97 في المئة من إجمالي الموارد المائية. بالرغم من ذلك، منذ عام 2005 إعتبرت مصر من الدول التي تعاني ندرة في المياه، إذ أنها توفر أقل من 1000 متر مكعب من المياه العذبة للفرد سنوياً. نهر النيل هو أطول أنهار العالم وأكبرها على مستوى القارة, يتكون من إلتقاء رافدين أساسيين هما النيل الأزرق والنيل الأبيض. ينبع النيل الأزرق على هضبة أثيوبيا ويمثل 80-85% من المياه المغذية لنهر النيل خلال فصل الصيف ، أما النيل الأبيض فمنبعه بحيرة فيكتوريا التي تقع على حدود كل من أوغندا وتنزانيا وكينيا وهم دول منبع النيل الأبيض. يلتقي النيل الأزرق والنيل الأبيض قرب العاصمة السودانية الخرطوم ليشكلا معاً النيل ، الذي يكمل رحلته شمالاً حتى يصل إلى أقصى الشمال المصري، ليتفرع إلي فرعين: فرع دمياط شرقا وفرع رشيد غربا، ويحصران فيما بينهما دلتا النيل، ويصب النيل في النهاية عبر هذين الفرعين في البحر المتوسط. أزمة النيل الراهنة يتشارك فيها الكثير من الأطراف، منها الدول المستفيدة منه بشكل مباشر، ومنها تلك الأيادي العابثة المخربة، التي تحمل الكثير من الطمع في مياهه، والتي قد تسعى بكل الطرق و السبل المتاحة للوصول لغاياتها الخبيثة. بدأت الأزمة في 14 من مايو من عام 2010 ، عندما وقٌعت خمس دول هم أثيوبيا، أوغندا، تنزانيا، كينيا و رواندا على إتفاقية عنتيبي والتي "ستضمن تقاسماً أكثر عدالة" لمياه أكبر نهر في أفريقيا, بحسب ما ترى هذه الدول. تحمل إتفاقية عنتيبي خرق واضح ومباشر لإتفاقية الأنتفاع الكامل بمياه النيل الموقعة عام 1959 بين مصر والسودان مع الحكومة البريطانية -بصفتها الأستعمارية آنذاك- نيابة عن ثلاثة من دول حوض النيل هم أوغندا وتنزانيا وكينيا ( وهي نفسها الدول التي وقعت على إتفاقية عنتيبي المشار إليها سابقاً) . وبذلك فإن مصر والسودان تضمنان بموجب إتفاقية الأنتفاع الكامل بمياه النيل حقهما المكتسب من المياه وقدره 48 مليار متر مكعب سنوياً لمصر وأربعة مليار متر مكعب سنوياً للسودان، أي أن البلدين يحصلان على حوالي 87 في المئة من مياه النهر (لاحظ أنه بعد بناء السد العالي، يحصل السودان على 14.5 مليار متر مكعب وتحصل مصر على 7.5 مليار متر مكعب من المياه مضافة لحصتهما من إتفاقية الأنتفاع الكامل بمياه النيل)، وتمتلك القاهرة بموجب هذه الاتفاقية كذلك حق النقض في ما يتعلق بأي أعمال أو إنشاءات يمكن أن تؤثر على حصتها من مياه النهر مثل السدود والمنشآت الصناعية اللازمة للري . على الصعيد الآخر تشهد السودان إنفصالاً محتملاً للجنوب، في حال إذا ما جاءت نتيجة الإستفتاء المقرر عقده في يناير 2011 في صالح الإنفصال، الأمر الذي قد يشكل تهديداً كبيراً على ضمان مصر وشمال السودان إحتفاظهما بحصتهما من النيل في حال قيام جنوب السودان بإنشاء السدود أو المنشآت الصناعية على ضفاف النيل الأبيض. يأتي هذان الحدثان (إتفاقية عنتيبي وإستفتاء السودان) في وقت تواجه فيه إسرائيل إحدى أكبر أزمات المياه على مدى تاريخها القصير في المنطقة، حيث أن 95 في المئة من مصادر المياه المتجددة تستخدم في الإستهلاك المحلي، الأمر الذي أدى بها للإتجاه لسياسات بديلة لضمان تدفق المياه للأغراض الإستهلاكية والزراعية، منها معالجة مياه الصرف الصحي، وجمعها وتنقيتها، وتحويلها إلى المصدر الرئيسي للمياه لأغراض الزراعة بدلاً من مياه الشرب، وتكثيف توفير المياه في جميع القطاعات من خلال تدابير مثل الزيادات في الأسعار، وأيضاً الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية بحيث يمكن الاستفادة مما يسمى المياه ذات الجودة المنخفضة من خلال إعادة تدوير المياه المالحة ومياه الفيضان. كذلك في عام 2002 ، وافقت إسرائيل على شراء 50 مليون متر مكعب من المياه من تركيا كل عام على مدى السنوات ال 20 المقبلة في محاولة لحل أزمة المياه. ثم تبقى تلك السياسة التي يأبى الكيان الصهيوني التخلي عنها منذ قدومه غير المرحب للمنطقة، ألا وهي التطلع للمياه العربية، المتمثلة في أطماعه في مياه نهر الأردن، ومياه نهر اليرموك، ومياه الضفة الغربية وقطاع غزة، والمياه اللبنانية، وأخيراً مياه نهر النيل، ومن ثم إستباق كل السبل والذرائع الخبيثة المعهودة منه، ليوفر المياه لشعبه الكريه، الذي يعيش على أرض فلسطين المغتصبة. بعد العدوان الثلاثي على مصر وحرب أكتوبر 1973، أدركت إسرائيل أن السودان تمثل عمق إستراتيجي لمصر، لذلك قررت أن توسع من وجودها في السودان، وكانت إستراتيجيتها تعتمد على دعم الحركات الإنفصالية المتمردة في الجنوب التي تشكل تهديداً للحكومة المركزية في الخرطوم. ولضمان تطبيق تلك الإستراتيجية، أنشأت إسرائيل مركزاً في أثيوبيا كان قاعدة إمداد الحركات المسلحة في الجنوب السوداني بالأسلحة والذخائر. وفي الثمانيات دعمت إسرائيل قائد الحركة الشعبية بجنوب السودان جون قرنق بالأسلحة والذخائر والمعلومات التخابرية والتدريب العسكري وأيضاً عملت جاهدة لمنع السودان من التمتع بالدعم العربي. من المؤكد أن إستراتيجية إسرائيل موجهة نحو العمل على إنفصال جنوب السودان، وبذلك يكون الكيان الصهيوني قد ضرب عصفورين بحجر، أولاً إنشاء قاعدة عسكرية في الجنوب السوداني مما يعطيه مزية الوجود العسكري في موقع غاية في الأهمية؛ جنوباً لمصر، وبالقرب من الصومال حيث الحركات الإسلامية المسلحة. ثانياً الأستفادة من ثروات الجنوب السوداني النفطية ومناجم الذهب، وبالطبع منابع النيل الأبيض، مما قد يؤدي إلى حل نهائي لأزمة المياه التي لطالما أرقت الحكومة الإسرائيلية. ومما لا شك فيه أن إسرائيل تلقى دعماً كبيراً من الإدارة الأمريكية، للعمل على إنفصال الجنوب السوداني، ففي نوفمبر 2010 أمدت الولاياتالمتحدة العقوبات على السودان حتى تتمسك بموعد الإستفتاء. وكذلك فإن الولاياتالمتحدة قد وعدت بأن تسقط السودان من قائمة الدول المساندة للإرهاب إذا تم عقد الإستفتاء في ميعاده وتم إحترام نتائجه . وللعمل على حل أزمة مياه النيل، يجب أن تعمل مصر على صعيدين: أولاً: اللجوء للقانون الدولي للحفاظ على حقوقها وحصتها من مياه النيل طبقاً لإتفاقية الأنتفاع الكامل بمياه النيل، والتأكد ألا تدخل إتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ. كذلك يجب أن تعمل مصر على إعادة العلاقات مع الدول الأفريقية لسابق عهدها، وتحريك المياه الراكدة في المجالات الإقتصادية والتنموية والعلاجية والرياضية بين الطرفين. وأيضاً على دول أفريقيا وبخاصة دول المنبع أن تدرك أن تحالفها مع إسرائيل لا يخدم مصالحها بقدر تحالفها مع الدول العربية، لأن الكتلة الأخيرة تحمل حق التصويت في المنتديات الدولية مثل الأممالمتحدة للضغط على القوى العظمى لحماية مصالحها الشخصية. تمتلك إسرائيل صوت واحد في الأممالمتحدة وهي غير ممثلة في الإتحاد الأفريقي، بينما يمتلك العرب 21 عضواً في الأممالمتحدة وتسعة أعضاء في الإتحاد الأفريقي. ثانياً: الحيلولة دون وقوع الإنفصال في جنوب السودان، الأمر الذي أولاً قد يهدد بإندلاع الحرب الأهلية في السودان مرة أخرى، من أجل النزاع على بعض الأراضي الغنية بالموارد التي قد لا يفصل الإستفتاء في كيفية توزيعها. ثانياً سيكون الإنفصال بلا شك نقطة بدء لإنشاء مستعمرة عسكرية إسرائيلية في منطقة غاية في الإستراتيجية والحساسية، وإيذان ببدء تغير موازين القوى في المنطقة. إعداد وكتابة: أحمد هشام صديق.