العقل والهوى وجدلية صراع دائم، فنار الهوى حين تستعر تحرق العقل، وخمرته المذابة فى كأس الرغبة تذهبه، وتستفز أسلحة جهاد صعب. والهوى ليس كالعاطفة، فذاك يحتل النفس وتلك تتسيد القلب وتفتح نوافذ رقتها دفئا يعانق العقل باحتفالية رضا. وكما قيل (العقل والهوى ضدّان، العقل قرينه التوفيق والهوى قرينه الخذلان). ولا أدرى لماذا بدأت المقال بالعقل والهوى؟ ربما لدخولى فى الممنوع كما تظن ضفادع الشيفونية، ورافعو بيارق العصبية من القابعين فى مستنقعات الظلمة يقتاتون على مشاعر الغير، يتمترسون بالجهل ويطربون على نقيق بعضهم البعض. ربما أردت بتلك المقدّمة دخول المسموح بما أوقده من قناديل عاطفة صادقة لعينى مصر الحزينتين؟ سيدة الحب المتهادى بين كركرات الطفولة وأولى نسمات عذرية داعبت وجنتى الصِبا، وبين موجات غزل تراقصت على إيقاعات نبض خجلى. «مصر» المحفورة على جدار العقل، حضارة وتاريخا ومفزعا وملجأ ومنارة علم وثقافة وإبداع، «مصر» الإرادة والصبر والقدوة، وحبل سرى بين رحم خير ومخاضات ولاء وبين روح منقوش على شغافها صكّ انتماء أبدى، يشرع بوابات المسموح لابنة مصر المتبتلة عشقا والمتيمة عروبة حتّى النخاع. تحمل تهنئة تترنح بين حذر وأمل، لمن فاز من المرشّحين، تتصدّرها بطاقة دعوة لرحلة تأمّل قصيرة فى أفق أحداث وصراعات، رحلة، ينطلق فيها مرشّح الشعب، يحدوه ضمير مجرد عن الهوى، وولاء لوطن تقضّ مضجعه خلافات واختلافات وجدليات، مرشّح ذو صوت مسموع وموقف حقيقى فى وجه ما يعطّل مسيرة البناء من مظاهر فساد سياسى وأمنى وإعلامى واقتصادى وخدمى. وكل ما يؤثر سلبا على مصلحة المواطن. لا يغير أجندته الرقابية إلى هوامش أجندة السلطة التنفيذية. مرشح ينطق باسم الشعب لا باسم المصلحة الشخصية، مرشح نسأله أن يكون أول سطر فى أولويات نقاشه هو الملف الطائفى والأمنى، وتنظيف تربة الوطن من بذور الفتنة والضغط على الحكومة والمؤسسات الإعلامية، التى ساهمت فى تصاعد الأحداث، إخماد نار الصراعات والكفّ عن تصاعد الخطاب الطائفى فى بلد يعتبر قدوة فى وحدته الوطنية على مرّ العصور، أمام ما واجهه من أزمات. بلد لا ينكر التاريخ صلابة أبنائه أمام الغزوات العقائدية وما جاءت به من طقوس لم تؤثر على إيمان المصريين وفكرهم وما يربطهم من وحدة مصير ولغة ودم. شعارهم (الدين لله والوطن للجميع). فما الذى غير الحال ليصل إلى ما وصل إليه من عنف؟ من له المصلحة فى زعزعة الأمان؟ من مهد الطريق لتجار الفتنة وأربابها؟ من نثر بذور الطائفية حتى تصل الفرقة إلى أبناء الطائفة الواحدة ؟ من لعب على أوتار الدين والعقيدة المعروفة خطورتها وجعلنا أطيافا ومللا متناحرة على أمور حسمها كتاب الله وسنة نبيه والصحابة وأوائل أهل العلم والفتوى؟ من غير العدو الأكبر ومواليه ممن وجدوا أن أمانه زرع العداء بين أبناء الوطن والأمة الواحدة يقتل بعضهم البعض ليصول العدو الحقيقى خارج الميدان ويجول؟ ومتى نكون يدا واحدة تكشف أقنعة المؤامرة وتفضح المتلبسين؟ متى نكون صوتا واحدا يخرس أفواه المدّعين من أصحاب البدع والفتاوى الأبعد ما تكون عن ديننا الحنيف؟ طوفان الفتنة يزحف سريعا وإن لم نتكاتف حكومة ومجلسا وشعبا ونضيّق الهوّة بيننا (فلن ينفع الصوت إذا فات الفوت) فلنتجرد مسلمين ومسيحيين، حكومة وشعبا، نواباً ووزراء، عن هوى نفوسنا ونسمو فوق أحقاد وطائفية لنقهر الطوفان. إليك: كنت لى والحلم بكر لم يعبث به كابوس مزاجيتك. وابتسامتى الطفلة نورا يتلألأ فى مقلتيك. حين كنتُ فراشة تحيا على رحيق شفتيك.. حين كان يُختزل الخصام بآهة عتب وهمسة مساء. حين كنّا لؤلؤتين فى محارة عشق. فلَقها الموج إلى غريبين، وبقايا عاشقين. أنت تحلّق مع سرب نسور وأنا مع سرب يمام. ولن نلتقى.