«من وأنا صغير لازم أغرق هدومي كلها دم».. بهذه الكلمات بدأ عصام حسين محمود، فني طباعة «أوفست»، يحكي ذكرياته مع ذبح الأضاحي، في منطقة مصر القديمة التي ولد فيها ويعيش بها حتى الآن. مثل كثيرين، كان «عصام» يحضر طقوس الذبح طفلا، ويغمس كفيه الصغيرتين في الدم ليزين جلبابه الأبيض وحائط المنزل وكل ما تطوله يداه ب«الخمسة وخميسة» التي تعد من أشهر التقاليد الشعبية لاتقاء «عين الحسود». نقل «عصام» التقاليد نفسها الى إبنه الذي لم يكمل عامه الرابع بعد: «بنخلي الأطفال يحضروا الدبح لأن دي تقاليد ورثناها عن أبائنا وأجدادنا». وعن الهدف وراء من حرص الأهل على مشاركة الأطفال طقوس ذبح الأضاحي من موقع المشاهدة، يقول عصام:«ده هايخلي قلبهم يجمد»، ويعتبر عصام تلك الطقوس إحدى وسائل التعبير عن «فرحة العيد» و «لمة العيلة». عمليات ذبح الأضاحي، بالنسبة لمن لم يعتادوا عليها، قد تبدو قاسية حيث تتضمن مشاهد غير مألوفة، مثل خروج الروح وحشرجة موت الضحية، ودمها الذي يسيل على الأرض. وعن تأثير مشاهد ذبح الأضاحي على الأطفال تقول الدكتورة مي الرخاوي، أخصائية علم نفس الطفل، إنه عند تناول هذا الموضوع لابد أن نحترم الثقافات المختلفة في المجتمع، الذي ينقسم بصورة عامة لثقافتين حضرية، وأخرى أقرب لثقافة ما قبل الحضرية، وهذا من ناحية العادات السائدة، وليس تعبيرا عن تخلف أو تقدم المجتمع. وتوضح الرخاوي أن هناك أطفالاً اعتادوا علي مشاهدة الذبح ويعيشون هذا الموقف بصورة شبه روتينية حيث يربي أهلهم بعض الحيوانات في البيت، لكن أطفالاً آخرين «حياتهم مدينية بالكامل، مشافوش يعني إيه حيوانات ولا يعني ايه أن الناس بتربي فراخ أو عجول وتدبحها علشان تاكلها». . وتتابع: «لو كان هناك طفل يعيش مع والديه في مزرعة ويرى والده يذبح الدجاج أو العجول لبيعها فإن ذبح الأضاحي لن يشكل لهذا الطفل صدمة، ولن يخاف من موقف ذبح الأضحية، ولكن المشكلة في الأطفال الذي يعيشون في الحضر لأن الطفل في هذه الأماكن لم ير البيئة التي تجري فيها عمليات الذبح من قبل، ولم يتعايش معها. حيث يأتي الأهالي من العيد للعيد ويضعون الطفل أمام الذبيحة وهو ما قد يصنع بعض المشاكل عند الكثير من الأطفال وليس كلهم». وتضيف أنه من أجل منع هذه المشاكل يجب أن نعرف «متى وكيف نجعل الأطفال غير المتعايشين مع الذبح يشاهدون العملية، فيجب أن يكون هناك بناء ثقافي سابق على تعريض الأطفال لمشاهد ذبح الأضاحي، ويجب أن تشرح الأسر لطفلها معني الأضحية والعيد الكبير ومعني الذبح بالأساس. كما يجب أن يعرف الطفل أن اللحوم التي يأكلها في حياته اليومية تأتي من حيوانات مذبوحة، فأطفال كثيرون قد يمتنعون عن تناول اللحوم لمجرد رؤيتهم ذبح حيوان، فهم يرون أنهم قتلوا شيئا ليأكلوه. ولكن مع البناء الثقافي للطفل، فإنه يكون خبرته العقلية الخاصة بالتدريج». يقول «عصام» عن مشاهدة ذبح الأضاحي «أنا بحضر الذبح من وأنا عندي سبع سنين.. ابتديت افهم يعني ايه ذبح وابتديت أوعى يعني ايه إننا بنذبح.. ويعني إيه خمسة وخميسة وجلابية العيد» التي يعتبرها عصام «حاجة أساسية». وعن خوف الأطفال من الدم يقول: «المفروض أن العيال بتخاف من الدم، فدي بردو (مشاهدتهم لعملية الذبح) وسيلة أننا نخلي العيال متخافش، وطريقة تجمد قلب الطفل وهو صغير علشان لما يكبر ميبقاش قلبه رهيف لو شاف حاجة قدامه». ترى مي الرخاوي أنه عند مشاهدة ذبح الأضاحي يجب مراعاة التطور الفكري للطفل. فالطفل في سن 4 سنوات لو رأى ذبح حيوان أمامه وهو لم يعتد علي هذا، قد يصاب بمشكلة نفسية. أما الطفل في سن السابعة، فقد يكون «في سن خطر» بعض الشيء، لأنه «يبدأ التفكير في معاني مثل الله والموت والفقد، خاصة قبل النوم، فلو تعرض لأول مرة لمشاهد الذبح، وفي هذا السن، فربما يزيد المشهد تلك الأفكار التي تؤرقه، وبالتالي تزيد المشاكل النفسية التي قد يتعرض لها الطفل». وتضيف أخصائية علم نفس الأطفال:«الأمر يختلف في سن العاشرة تقريبا، حيث يكون بمقدور الطفل أن يفصل بين أفكاره وانفعالاته، وهنا يمكنك أن يشاهد الطفل عملية الذبح دون أن نخشى تأثير ذلك عليه، خاصة لو زودناه بالخلفية الثقافية لعملية الذبح سواء كانت حضارية أو دينية أو علمية». وعن المشاكل التي قد تصيب بعض الأطفال دون العاشرة أو الذين لم يهيئوا نفسيا وذهنيا لحضور ذبح الأضاحي، تقول الأخصائية النفسية «هذه المشاكل قد تكون انقطاع الطفل عن تناول اللحوم تماما والخوف من رؤية الدم، حيث تصيب بعض الأطفال رغبة في القيء إذا شاهدوا الدم، فضلا عن الإصابة بكوابيس تدور حول الذبح والقتل، وبعض الأطفال قد يصابون بما يعرف باسم الفزع الليلي، وهو ناتج عن قلق شديد لا يستطيع الطفل التعبير عنه، وهو مستيقظ، فيعبر عنه في الحلم، مما يجعل الكوابيس تطارده وتمنعه من النوم». وتتابع :«بالإضافة إلي العارض الأخطر الذي قد يحدث للأطفال العدوانيين قليلا وهو التقمص، حيث يبدؤون في اللعب بالسكاكين وتمثيل عملية الذبح». وتضيف الرخاوي:«حتى الآن لم أرى طفلا يقوم بالذبح بسبب مشاهدته لذبح الأضاحي، لكن وعلى سبيل المثال، قد يعلب الطفل مع إخوته بالسكين ويقول لهم: هانلعب لعبة خروف العيد»، مشيرة إلى أن نسبة الأطفال الذين يلعبون مثل هذه الألعاب التمثيلية بالسكاكين غير قليلة، وأضافت «النسبة الأكبر منهم يصابون بالتبول اللاإرادي». وتؤكد مى الرخاوي ضرورة عدم إجبار الطفل على مشاهدة ذبح الأضحية خاصة الأطفال الذين يعيشون في البيئة الحضرية، محذرة: «هذا هو الخطأ الذي يقع فيه بعض الأهالي، ومن الأفضل نقل الخبرات بشكل تدريجي للطفل إلى أن يطلب هو مشاهدة الذبح، فطالما كانت المشاهدة بناء على طلب الطفل نفسه، لن تكون هناك أي مشكلة».