وهنا، نتعرف علي عاداتنا وتقاليدنا، أغانينا وحكاياتنا، مظاهر احتفالنا بالعيد كما عهدناها في تراثنا الشعبي، ونحاول بصحبة عدد من المتخصصين في الثقافة الشعبية، أن نعرف، هل تغيرت تلك العادات والموروثات، أم مازلنا نتمسك بها، وهل هناك اختلاف بين الاحتفال الديني بالعيد والاحتفال الشعبي به؟. الدكتور صلاح الراوي الأستاذ بأكاديمية الفنون والإخصائي بالثقافة الشعبية، يخبرنا أن الأهم من معرفة شكل الاحتفال عند الجماعة الشعبية هو معرفة فلسفة الاحتفال، يوضح: في تصوري المعرفي العلمي، أن الناس تحتفي بقدرتها علي الاحتفال، من هنا ليس مطلوبا في كل الحالات أن تتطابق الرؤية الشعبية مع أية رؤية أخري حتي لو كانت دينية، لماذا؟ لأن هناك بعض الإتجاهات الدينية التي يمكن أن تدين بعض أنماط سلوك الجماعة الشعبية خلال احتفالها بالمناسبة، فمثلا الطريقة الوهابية تري أنه لا يجب الاحتفال بالأضرحة والموالد، ويعتبرونها خارج الدين. ويؤكد الراوي المفارقة في أن طقوس وداع واستقبال الحجاج المسلمين هي نفسها الطقوس التي تمارس مع المقدسين المسيحيين، ثم يخبرنا عن شكل الاحتفال الشعبي بملامح عيد الأضحي ومناسكه الدينية قائلا: من أبدع ما أتيح لي أن أقرأه من أغانٍ لوداع الحجاج " كونوا حنينين يا نجوم السما.. كونوا حنينين ما تبخوش ندا"، وذلك حتي لا تبل عمائم الحجاج أثناء سفرهم علي الدواب وغيرها. ويضيف: ترقب وصول الحجاج، يدخل فيه الفنون التشكيلية، من خلال رسم الكعبة الشريفة أو رسم الحاج وهو متطيا جملا أو حصانا، علي جدران المنازل، وكذلك كتابة بعض الكلمات التي تعبر عن الفرحة برجوعه.. لكن الراوي يري حدوث تغير واختفاء لبعض العادات المتعلقة بالعيد، ويقول: المشكلة أن بعض العاملين بمجال الفولكلور يتصورون أن الظواهر لابد أن تثبت، وعندما تتغير هذه الظواهر أو تختفي يبدأ الصراخ بأن الفولكلور ينتهي! وهذا جهل بين، ذلك أنه لم تخلق أو توجد ظاهرة لتثبت، بل إنه يقال إن الثابت الوحيد في الوجود هو "التغير". الباحث مسعود شومان يقول: المصريون عامة شعب احتفالي، وذلك منذ عصور المصري القديم كاحتفاله بمواسم الحصاد والبذر والربيع وغيرها، وكانت هناك أعياد حتي للموتي وهي التي تطورت فيما بعد لتصبح الموالد، إلي جانب عيد النيروز أو شم النسيم وهو عيد السنة الزراعية الجديدة، وهو عيد مصري صميم. كانت الثقافة الشعبية تحتفل بالعيد علي طريقتها الخاصة كأن يتم استقباله بالأغاني: مثل " يابرتقان أحمر وجديد.. بكرة الوقفة وبعده العيد.." وهي أغنية تغني للعيدين عموما، أيضا هناك " يابرتقان أحمر وصغير.. بكرة الوقفة وبعده نغير.." والتغيير هنا لايقصد تغيير الملابس فقط، وإنما أيضا دخول العام الجديد.. ويضيف: لأن العيد الكبير مرتبط بالحج، فهناك أغان أيضا مرتبطة بالحج وقد بدأت للأسف تختفي مثل " رايحة فين يا حاجة.. يا أم شال قطيفة.. رايحة ازور النبي والكعبة الشريفة.." وهذه الأغاني تغنيها السيدات في جلساتهن المسائية التي عادة ما تبدأ ب"العديد" لوداع الحجاج المسافرين، وهو العديد الذي يختلف عن ذلك الذي يتم به توديع المتوفي، وفي المقابل يجلس الرجال في حلقات الذكر. ويشير شومان إلي اختفاء بعض العادات أو عدم اكتراث الأسر بها مثل خبز الكحك ونقشه في العيد الصغير، وكذلك تضاءل عمليات الذبح وتوزيع الأضاحي علي الفقراء، ويقول: كانت ترتبط بطقس الذبح بعض الأغان والعادات مثل تناول الكبدة في الصباح ، علي غير العادة، لكنه في الوقت نفسه يشير إلي بعض العادات التي لاتزال مستمرة، مثل إحضار الأسر للتسالي من "ملبس" وترمس وشيكولاتة طوال أيام العيد بالمنزل، ويقول: ومن العادات المستجدة تبادل التهانئ من خلال الموبايل، في ظل تضاؤل الزيارات العائلية. وعن الأشكال الاحتفالية المختلفة يقول الدكتور خالد أبو الليل مدرس الأدب الشعبي بكلية الآداب، جامعة القاهرة الأضحية التي لها عادات خاصة بها، مثل ماتقوم به السيدة من غمس يديها في دم الذبيحة وطبع كفيها "خمسة وخميسة"علي جدار البيت لمنع الحسد، والدم من المقدسات لأنه من بقايا طقس الذبح الذي هو في الأصل عادة دينية عقائدية، وبالمناسبة السيدات هن الأكثر حفاظا علي العادات والتقاليد. كذلك استقبال العيد بالأغاني الشعبية مثل " بكرة العيد وهاعيد.. وندبحك ياشيخ سيد.. ونحطك في الأروانة.. وندب عليك بالخرزانة.." وهي تحكي قصة الذبح نفسها، بعض الأسر الغنية تقيم مايسمي ليلة الخاتمة التي يحييها منشد ديني في المديح، كذلك تذكر وفيات الأسرة خاصة في حالة لو كان أول عيد يأتي بعد فقيد، من خلال تجمع الأسرة والجيران والأصدقاء لسماع القرآن الكريم، فالطقوس الشعبية كلها تتم من خلال الجماعة وليس فردا واحدا، لأن أهم ملامح الثقافة الشعبية هي الفكر الجمعي. ويؤكد: من أبرز العادات التي اختفت أو لم يعد الكثيرون حريصين عليها، هي زيارة القبور أول يوم العيد، فأصبحوا يقومون بها في أي يوم وقد لايقومون بها عموما.