(1) لماذا ترتبط الإنجازات ذات الطابع الجماعى لدينا بأفراد؟ .. سؤال يلح عليّ كلما شهدت تقدما أو إنجازا ما تحقق فى مجال من المجالات:فى الاقتصاد، والرياضة،..الخ، فدائما ينسب الإنجاز لفرد. بالطبع قد يكون ذلك مقبولا عندما يكون الإنجاز له طابع فردى بمعنى أن يكون صاحب الإنجاز مبدعا (روائيا أو شاعرا أو فنانا تشكيليا أو كاتبا مثلا)، فالنجاح فى هذه الحالة وليد جهد الفرد الذى كلما صقل موهبته وطورها نجح أكثر.. ولكن متى كان الانجاز مرتبطًا بفريق عمل أو بكيان فإنه يكون محصلة مجموعة من العناصر منها: أولا، المواهب الفردية.. وثانيا، الرؤية التى تحكم حركة هذه المواهب.. وثالثا، النظام الملائم( بلوائحه وقواعده التى يتم التوافق عليها) القادر على أن يحول الرؤية إلى حقيقة ويوظف جهود الأفراد على أفضل ما يكون، وبالنتيجة ليس فقط تحقيق الإنجازات المطلوب تحقيقها،وإنما استمرارها. بيد أن المتابع لبعض ما يتم إنجازه فى هذا المجال أو ذاك يكتشف كيف أن الإنجاز دائما ينسب إلى فرد لا إلى النظام الذى وفر النجاح.. ذلك لأن النجاح لا يدوم حيث إنه يتوقف على شخص بعينه...ما تفسير ذلك؟ (2) فى هذا السياق، سوف يكون لدى كل منا الكثير من الأمثلة منها: العمل المرتبط بفرد والذى انهار بمجرد اختفاء هذا الفرد أو الفريق الرياضى الذى لا يحافظ على انتصاراته المميزة بسبب غياب من أطلقها...إنها الظاهرة التى تعرف «بالأبوية»من جهة، وبغياب «المؤسسية» من جهة أخرى.. وتعنى الأبوية فى هذا الإطار: العلاقة الاجتماعية «البدائية» التى تدير كيانات لابد أن تدار بشكل مؤسسى و عقلانى وعلمي. بلغة أخرى تعنى «الأبوية»، عمليا، إدارة كيان على أسس: الثقة الشخصية، والقرابة، والولاء الشخصي، والطاعة، والامتثال، للكبير بالأساس (مثلما الحال فى القبيلة، والعشيرة، والطائفة) لا الكفاءة، والموضوعية، والولاء للفكرة والمشروع، وإمكانية المراجعة. فالأبوية تصلح فى الأسرة بين الأب وأولاده، لكنها لا تصلح فى مجال يعتمد على علاقات مركبة وتحتاج إلى القدرة والكفاءة و الاطلاع العلمى على الجديد فى كل مجال.. وعليه بتنا نشهد تفضيل الهويات الأولية والانتماءات الأولية على هوية المواطنة، ما يعنى أن تكون العلاقة بين البشر علاقة شفاهية بين الكبير وكل عضو من أعضاء الرعية، وليس علاقة مكتوبة وفق عقد بين أطراف متساوية بغض النظر عن الموقع الاجتماعى والسياسى والاقتصادي...الخ، لكل طرف. (3) إن الأبوية /غياب المؤسسية، تمثل خطرا كبيرا على تقدم أى مجتمع، ذلك للمقاومة التى تبديها فى مواجهة التغير وعدم الاستعداد لتجاوز نظام القرابة وروابط الدم التى أصبحنا نراها فى كثير من المواقع التى بطبيعتها تنتمى للتكوينات المؤسسية الحديثة. وهنا تظهر لنا مشكلة غاية فى الخطورة هى كيف امتدت الأبوية /غياب المؤسسية، من الأشكال البدائية للاجتماع: القبيلة والعشيرة والطائفة، إلى المؤسسات الحديثة، إنها «الأبوية الجديدة أو الحديثة» بحسب أحد الباحثين. بلغة أخرى كيف باتت المؤسسات الحديثة تدار بمنطق العلاقات البدائية، تحت مظلة حداثية.. فالحزب مثلا ككيان حديث يقوم على الانتماء لفكرة سياسية وتيار فكرى ولكننا نجده يعيد إنتاج الأشكال التقليدية فيقوم على القرابة والأسرية.. الخ. وأذكر فى هذا المقام كيف استعان مجلس إدارة ناد من النوادى الرياضية، منذ سنوات، (يلاحظ الشكل الحداثى حيث مجلس الإدارة منتخب من جمعية عمومية من خلال منافسة فصل فيها صندوق الانتخابات) بأحد اللاعبين كبار السن الذى ترك مجال التدريب منذ فترة، فقط لاعتبارات لا تتعلق بإعادة بناء الفريق على أسس علمية وبحسب المعايير العلمية المتعارف عليها، ولكن لأنه كبير السن، فكان أول ما قام به هو ذبح «ذبيحة» لمواجهة «العكوسات» التى تواجه الفريق.. إنها «الأبوية الجديدة» التى تمتد للكيانات الحديثة، وتعنى تحديا مركبا للدولة الحديثة للتشوه الذى يصيب بناها المختلفة.. تحديًا تجاوز البدائى وإنقاذ الحديث من الثقافة البدائية برموزها وطقوسها وعلاقاتها.