تنكشف الأجهزة الحكومية مع كل كارثة، يتأكد - دون شك - أن الوزارات تعمل فى مقاطعات مستقلة، يغيب التنسيق، وكلٌّ يعمل بالطريقة التى تروق له، حتى لو كان فى ذلك تضارب وتناطح، تلمس بيدك أن تلاميذ القرية الذكية، يحصلون على «صفر» فى كل «امتحان». والمتابع للكارثة التى وقعت على قضبان السكة الحديد فى «كفر جرزا» يجد أن وزارة النقل، ألقت بملايين الجنيهات - التى أنفقتها على الحملات الإعلانية - فى الترعة، وضاعت مثلما ضاعت الجاموسة - المتهمة بإحداث الكارثة -، لو سلمنا أن هناك تطويرا فى ألوان القطارات وأشكال الجرارات- فإن العنصر البشرى لم يزل «محلك سر»، لم يتحرك خطوة إلى الأمام، فملاحظ «البرج» تركه ليلحق بقطار الموت ويعود إلى منزله قبل انتهاء «وردية» عمله، والأجهزة الإلكترونية، لم توقف «إكسبريس الصعيد» - إما لأنها تالفة أو لأن السائق لم يستخدمها - لم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لعمليات الإسعاف والتجهيزات فى المستشفيات التى دفعت 13 مصابا للهروب - وعجز وزيران ومحافظان ومديرا أمن فى الإعلان عن سبب الحادث أو عدد المصابين والقتلى وخرجت عناوين الصحف بأرقام متضاربة حولها. شخص واحد هو الذى اجتاز الامتحان بتفوق وأثبت أنه حائط الصد المنيع فى كل الكوارث، هو ورقة التوت التى تستر كل العورات - رغم ما يعانيه من تجاهل وقهر - إنه المواطن المصرى البسيط، الذى ألقى ما فى يده وانطلق إلى موقع الكارثة، لينقذ مصابا وينتشل جثة. هذا المواطن يسرع إلى المستشفى ويمد ساعده ليسحب الأطباء دماءه كى ينقذوا مصابا، يفعل ذلك كل المصريين البسطاء، المسيحى والمسلم، العامل والفلاح والموظف، الصعيدى والبحراوى. يفعل ذلك الذين خرجوا من نفس الأرض الطيبة، التى تمنحنا الثمار، رغم أننا نجرف تربتها ونرويها بمياه المجارى ونغذيها بأسمدة ومبيدات مسرطنة. المتابع لآخر امتحان رسبت فيه الحكومة لابد أن ينحنى إجلالا وتعظيما لأبناء «كفر جرزا» والقرى المحيطة بها، لكل الذين لم يترددوا لحظة فى نجدة ضحايا حادث القطارين، دون أن ينتظروا كلمة شكر من أحد، أو تقريرا يوصى لهم بترقية، للذين صنعوا من «البوص» كوبرى، عبروا عليه مياه الترعة لإنقاذ الضحايا، عبروا إلى قلوبنا جميعا وأثبتوا أن بيننا رجالا تجرى فى عروقهم دماء حامية. [email protected]