اخطف رجلك وانزل خان الخليلى والجمالية واسأل التجار والصنايعية عن الأحوال.. سيقولون لك الحمد لله على وقف الحال.. كام سنة والبيع والشراء فى النازل.. ما هى الأسباب؟.. الغزو الصينى.. مثلاً الأحجار الكريمة كان الجرام بثمانية جنيهات.. الصين غرقت الأسواق وتبيع القطعة كاملة بعشرة جنيهات فى بعض الأحيان.. انضربت الصنايع فى القاهرة القديمة وأصبح الصنايعى الفنان يعانى من البطالة ومهدداً بالانقراض وأصبح بعضهم عاطلاً تماماً عن العمل يتسول عند المحافظ لكى يسمح له بكشك سجاير.. نفس الكلام ينطبق على لوحات البردى الجميلة للأسطى محسن، وعلى الأرابيسك، والأسطى أيمن.. الصينيون ينزلون الأسواق ويدرسونها وهات «اسطمبة» واطبع مليون نسخة.. أخشاب وجلود وذهب وفضة ونحاس وطرابيش وفوانيس وملابس.. كله كله صينى.. ولا عزاء لوزارة التجارة والصناعة.. ثروات مصر القومية من الأسطوات الفنانين تضيع يوماً بعد يوم.. حتى «الخطاطين» يشتكون بعد ظهور الكمبيوتر والطباعة بأحجام كبيرة لليفط واللافتات.. أجلس خمس دقائق مع الأسطى الباهى ليكتب لك خمس لوحات بخطوط الثلث والفارسى والرقعة وخلافه لتجد نفسك أمام لوحات تشكيلية جميلة لا تقل روعة عن لوحات فنان الخطوط التشكيلية.. سعيد عبدالحليم.. أصعد إلى ربع السلحدار وشاهد الإبداع فى الحفر على النحاس فى الورش الصغيرة.. إنه مهرجان من المتعة والبهجة يمتد من باب الفتوح وباب النصر مع شارع المعز مروراً ببيت السحيمى وجامع الأقمر وسبيل عبدالرحمن كتخدا ومجموعة السلطان قلاوون والناصر محمد والسلطان برقوق وبيبرس وغيرها حتى شارع بيت القاضى حيث ولد نجيب محفوظ.. وحكايات شارع المعز الذى يسمى أيضاً بين القصرين كما يحلو للبعض.. أنت تمر على محال ودكاكين وأزقة وعطفة من وراء عطفة وحارة من وراء حارة لتجد فى كل ركن صنايعى ماهر أو تاجر شاطر أو بنت بلد جدعة مثل أم هشام التى وقفت تشاهد كورال هامبورج من الأطفال الألمان وهم يعزفون الأغانى الشعبية الإنجليزية والألمانية والمصرية.. كانت تشاهدهم على شاشة تليفزيونية فى الشارع تنقل ما يدور فى بيت ثقافى هناك إلى الجماهير والمارة.. فجأة قالت لجارتها سوف أذهب لأرتدى فستاناً جديداً.. عشان شكلى يشرف مع الأجانب.. لقطة سريعة لامرأة مصرية تعيش فى حارة شعبية عندها رقى وإحساس بالفن بالغ.. أظن لا أحد يدعى بعد ذلك أن المواطن المصرى لم ينضج بعد لكى يختار ويقرر.. نفس الحكاية مع محمود الفران الذى يستقبل الأجانب برغيف العيش البلدى المصرى الطازج فيلتهمونه سعداء.. وعم صابر القهوجى والأسطى ناصر المثقف الذى يحكى لك بافتتان عجيب تاريخ كل حجر فى الجمالية.. ثروات مصر ليست هى الحجر فقط وإنما البشر كذلك عندما يبدعون ويحسنون الصنعة فتقول لهم الله ينور على شغل المعلم لابنه. [email protected]
