حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سمير فريد يكتب:مدخل إلى ثلاثية سابو «شياطين الإنسانية» التى تعرضها مكتبة الإسكندرية من اليوم فى إطار احتفالها ب9 مايو «يوم أوروبا»

لم أحضر أى مهرجان قومى إلا فى مصر والمغرب والمجر. كان مهرجان المجر أول مهرجان قومى ألبّى دعوته عام 1969، وأنا فى السادسة والعشرين من عمرى، ولم أكن أعرف قبل ذلك أن هناك مهرجانات قومية، أى مهرجانات تخصص للإنتاج المحلى وحده، وإنما أعرف المهرجانات الدولية فقط منذ مهرجان «كان» فى دورته العشرين عام 1967.
طرت فرحاً بفكرة أن يكون هناك مهرجان أشاهد فيه إنتاج بلد واحد فى سنة كاملة، أو مختارات من ذلك الإنتاج، فهذه فرصة للدراسة والتأمل ولمعرفة أعمق بهذه السينما. وكان المهرجان يقام سنة فى العاصمة بودابست، والسنة التالية فى مدينة بيش من مدن الأقاليم المجرية. وكانت دورة 1969 فى بيش.
عدت من المجر، واقترحت على الصديق والأستاذ الكاتب الراحل سعدالدين وهبة إقامة مهرجان قومى للسينما فى مصر على غرار المهرجان القومى فى المجر، وكان وهبة آنذاك رئيساً لهيئة قصور الثقافة، وقلت لنبدأ بمهرجان قومى للأفلام التسجيلية والقصيرة فى القاهرة، ثم مهرجان قومى للأفلام الروائية الطويلة فى العام التالى فى إحدى مدن الأقاليم.
وبالفعل أقيم مهرجان الأفلام التسجيلية والقصيرة الأول فى القاهرة عام 1970، ثم مهرجان الأفلام الروائية الطويلة الأول فى بلطيم عام 1971، وبينما استمر مهرجان الأفلام التسجيلية والقصيرة كل سنة حتى الآن، توقف مهرجان الأفلام الروائية الطويلة بعد الدورة الثانية عام 1973، ولم يستأنف إلا عام 1991 عندما اقترحت على الفنان فاروق حسنى، وزير الثقافة، إقامته، وكنت عضو المكتب الفنى للوزير، والمستشار الفنى لصندوق التنمية الثقافية مع تأسيسه، وكان مديره الناقد التشكيلى سمير غريب.
ولمدة خمس سنوات على التوالى من 1987 إلى 1983 حضرت المهرجان القومى للسينما المجرية، وأصبحت صديقاً للعديد من المخرجين والنقاد والمؤرخين والخبراء المجريين، ومنهم المخرج وفنان السينما الكبير اشتفان سابو، الذى توثقت علاقتى به عندما كان يرأس لجنة تحكيم مهرجان أوبرهاوزن للأفلام التسجيلية والقصيرة عام 1978، وكنت عضواً فى اللجنة، مما أتاح قضاء أسبوع كامل معه، ومع بقية أعضاء اللجنة.
اشتفان سابو
لفتت موهبة «سابو» الأنظار منذ فيلم تخرجه فى أكاديمية بودابست عام 1961، وعنوانه «حفل موسيقى»، حيث فاز بجائزة نقاد السينما فى المجر عام 1962، وجائزة مهرجان أوبرهاوزن عام 1963، وكان أحد ثلاثة مهرجانات كبرى للأفلام التسجيلية والقصيرة فى العالم فى ذلك الوقت مع ليبزج فى «ألمانيا الشرقية»، وكراكوف فى بولندا.
وعن فيلمه الروائى الطويل الأول «وقت أحلام النهار» عام 1964 فاز سابو بالفهد الفضى فى مهرجان لوكارنو عام 1965، وعن الفيلم الثانى «أب» فاز بالجائزة الكبرى فى مهرجان موسكو عام 1967، ثم فاز بالدب الفضى عن فيلمه «ثقة» فى مهرجان برلين 1979. وهذه هى أهم الجوائز التى فاز بها، وليست كل الجوائز..
غير أن النجاح الدولى الكبير جاء مع فيلمه «ميفيستو» عام 1981 الذى عرض فى مسابقة مهرجان «كان» ذلك العام، وفاز بجائزة السيناريو، ثم فاز بأوسكار أحسن فيلم أجنبى عام 1982، وفاز بنفس الجائزة (أحسن فيلم أجنبى) فى نفس العام فى مسابقة «دافيد دى دوناتيللو» التى تعادل الأوسكار فى إيطاليا، وفى مسابقة نقاد بريطانيا، ومسابقة نقاد إيطاليا، ومسابقة نقاد بولندا، ومسابقة «ناشيونال فيلم رفيو» فى نيويورك، وأصبح من تحف السينما العالمية.
وبعد «ميفيستو» أخرج سابو «كولونيل ريدل» عام 1984، الذى عُرض فى مسابقة مهرجان كان، وفاز بجائزة لجنة التحكيم، ثم «هانوسين» عام 1988 الذى عُرض فى مسابقة مهرجان كان أيضاً.
ثلاثية شياطين الإنسانية
لم يطلق «سابو» على الأفلام الثلاثة أنها «ثلاثية»، ولكن بعض النقاد، وبعد الفيلم الثالث، قال إنه صنع الأفلام، ويترك للنقاد تقدير ذلك.
وفى رأيى أنها ثلاثية، ويمكن أن تسمى «شياطين الإنسانية»، وذلك لعدة أسباب هى، وبالترتيب، أنها فى نفس الفترة الزمنية من عشية الحرب العالمية الأولى (1914-1918) إلى صعود النازى إلى السلطة فى ألمانيا عام 1933، وأنها تدور فى نفس الأماكن بين بودابست وفيينا وبرلين، منذ نهاية الإمبراطورية المجرية النمساوية، وأن «سابو» صنع الأفلام الثلاثة على التوالى، مع كاتب سيناريو واحد، وهو بيتر دوباى، ومع مدير تصوير واحد هو لايوس كولتاى الذى صورها بالألوان،
 ومع مونتيرة واحدة هى سوزا ساكانى، ومدير فنى (ديكور وأزياء) واحد هو جوزيف رومفارى، وإن اشترك معه فى الفيلم الثالث لازلو ماكاى وجيولا روث، وبينما ألّف موسيقى الفيلمين الأولين زدنيكو تاماسى، ألّف موسيقى الفيلم الثالث جورجى فوكان، ومثّل الأدوار الرئيسية فى الأفلام الثلاثة كلاوس ماريا برانداور، وبالطبع تعبر الأفلام الثلاثة عن رؤية فكرية واحدة، وبأسلوب واحد، والاختلاف الوحيد بينها فى القصة الأدبية.
وقصص الأفلام الثلاثة يجمعها أنها مستمدة من حياة ثلاثة أشخاص حقيقية عاشت فى هذه الفترة، منذ بداية القرن العشرين حتى تولى هتلر السلطة فى ألمانيا عام 1933، والفترة التى سميت «بين الحربين» بعد بدء الحرب العالمية الثانية عام 1939.
فاوست وجوته
يعتبر الشاعر الألمانى جوته (1749-1832) من أعظم الشعراء فى كل اللغات وفى كل العصور، وتعتبر مسرحيته «فاوست» من أعظم أعماله.
صدرت الطبعة الأولى للترجمة العربية الأولى لمسرحية «فاوست» عام 1929، وترجمها عن الألمانية محمد عوض محمد فى سلسلة كتب لجنة التأليف والترجمة والنشر.
وقد قدم طه حسين لهذه الترجمة، فقال «قرأت فيما قرأت أن جوته قرأ فى آخر أيامه ترجمة فرنسية لفاوست أصدرها الشاعر الفرنسى المعروف جيرار دى نرفال، فأعلن الرضا عنها والإعجاب بها وقال لبعض محدثيه إنه منذ سنين لا يحب أن يقرأ فاوست فى الألمانية، وإن هذه الترجمة الفرنسية قد حببت إليه النظر فى هذا الكتاب. كان ذلك قبل أن يموت جوته بسنة أو سنتين.
وأشهد لو قُدّر لجوته أن يعيش إلى هذا العصر أو قُدّر لعوض أن تتقدم فيه الحياة إلى أوائل القرن الماضى لقال جوته فى ترجمته مثل ما قال فى ترجمة جيرار دى نرفال».
ويقول طه حسين: «المصدر الظاهر لهذه القصة هى أسطورة الدكتور فاوست التى كانت شائعة فى أواخر القرون الوسطى وأوائل العصر الحديث، والتى تناولها بعض الكتاب الإنجليز والألمان فكتبوا فيها كتباً مختلفة، بل وصنعوها صنعاً تمثيلياً، ولكن لهذه القصة مصادر أخرى، فلم تكن أسطورة الدكتور فاوست إلا قالباً صبت فيه فكرة أدبية فلسفية راقية».
ويلخص فاوست قائلا:ً «بدأ الشاعر بمحاكاة التوراة فى سفر أيوب، فأنشأ حواراً بين الله والشيطان حول حب الإنسان لله وقوته على الوفاء له، وانتهى هذا الحوار فى فاوست.. برهان بين الله والشيطان موضوعه هذا العالم الجليل الدكتور فاوست الذى أخلص حبه لله والعلم».
ويستطرد طه حسين: «يزعم الشيطان أنه قادر على إغوائه ويأبى الله عليه ذلك وينظره، فيندفع الشيطان إلى الدكتور فاوست فيصادفه فى ساعة سيئة من ساعات حياته، قد سئم العلم ويئس منه، وعجز الدين عن أن يسليه ويمنحه ما كان يطمح إليه من الوقوف على سر الحياة والاطمئنان إليه، فما يزال يحاوره حتى ينتهى به إلى عهد بينهما».
ويقول: «يصبح الشيطان عبداً لفاوست يتيح له كل ما يريد من يسير وعسير، ويذيقه كل ما يشتهى من لذات الحياة على اختلافها جليلها وحقيرها، على أن يكون فاوست فى آخر أمره، إذا لم يعجز الشيطان عن إرضائه، عبداً للشيطان».
وفى الكتاب الذى صدر لعباس محمود العقاد بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لوفاة جوته عام 1932، وعنوانه «تذكار جوته»، ترجم العقاد مقاطع من فاوست فى لحظة اليأس: «لقد أصبحت لا تنازعنى وساوس ولا شكوك، ولا يروعنى ذكر الشيطان ولا الجحيم. ولكننى كذلك حرمت بهجة السرور. ولا أحسبنى تعلمت فى الواقع شيئاً نافعاً، أو أستطيع تعليم الأنام شيئاً فيه صلاح لهم وهداية».
وبينما اقتصرت ترجمة محمد عوض محمد على الجزء الأول من المسرحية، ترجم عبدالرحمن بدوى «فاوست» كاملة، وقدم لها بدراسة شاملة فاق حجمها حجم النص ذاته. وقد صدرت هذه الترجمة فى الكويت عام 1984، ولكن هناك شكوكًا حول احتمال تعرض الترجمة للحذف بواسطة الرقابة فى الكويت.
ومن المعروف أن أسطورة فاوست كانت موضوعاً للعديد من المسرحيات والروايات والقصائد لأكبر الكتاب والشعراء فى لغات عدة، ومنهم مارلو وأوسكار وإيلد فى الإنجليزية، وبوشكين فى الروسية، وتوماس مان وليسينج فى الألمانية، وبول فاليرى فى الفرنسية، وكذلك توفيق الحكيم فى «عهد الشيطان» 1938، وعلى أحمد باكثير فى «فاوست الجديد» 1967، وغيرهما من الأدباء والشعراء فى العربية.
ميفيستو
ميفيستو فيليس هو الشيطان فى مسرحية جوته، وهو الدور الذى عرف به الممثل الألمانى جوستاف جرند جينز (1899-1963) والذى عمل فى مسرح الطليعة الاشتراكى بمدينة هامبورج بين 1923 و1928، حيث مثل 50 دوراً وأخرج 17 عرضاً مسرحياً، بل مثل وأخرج من تأليفه عدة مسرحيات، منها مسرحية عن ممثل عاش فى القرن التاسع عشر، وكان جمهورياً، ولكنه استسلم لإغواء السلطة الملكية، فكان مصيره السجن.
وفى عام 1925 أخرج جرند جينز مسرحية «آنيا وإستر» من تأليف كلاوس مان، ومثلها مع إريكا مان وتزوج منها عام 1926، ولكنه طلقها عام 1929. وكلاهما كلاوس وإريكا- ووالدهما توماس مان وعمهما هانيريش مان- كلاهما من أعظم كتاب ألمانيا فى القرن العشرين.
ولكن بينما كان توماس مان الذى فاز بجائزة نوبل عام 1929، كاتباً محافظاً يدافع عن القيم الألمانية التقليدية، كان أخوه اشتراكياً ومعادياً للنازية، وكذلك كلاوس وإريكا. ولذلك تم نفيهما خارج ألمانيا بعد وصول النازيين بقيادة هتلر إلى الحكم عام 1933. وكان توماس مان خارج ألمانيا أيضاً، وبقى فى المنفى.
وكما فى المسرحية التى ألفها عن الممثل الذى استسلم لإغواء السلطة، استسلم جرند جينز لإغواء الحزب النازى بعد أن وصل إلى السلطة، وعيّنه هتلر بنفسه مديراً لمسرح الدولة فى برلين. وفى عام 1941 أخرج ومثل «فاوست» جوته بتفسير يرضى النازيين، وفى هذا العرض لم يمثل فقط دوره الأثير ميفيستو الذى كان يمثله منذ عام 1919، وإنما مثل أيضاً دور فاوست فى نفس العرض.
وفى عام 1936 نشرت «الباريز تسايتونج» جريدة المنفيين الألمان التى كانت تصدر فى أمستردام رواية كلاوس مان «ميفيستو» فى حلقات، والتى تستوحى حياة جوستاف جرند جينز، ولكن اسمه فى الرواية هندريك هوفن.
ونشرت الرواية فى كتاب عام 1956 فى برلين «الشرقية»، ثم نشرت فى برلين الغربية عام 1963، وذلك بعد أن مات كلاوس مان منتحراً فى فرنسا عام 1949، ومات جرند جينز منتحراً فى الفلبين عام 1963. وقد رفع ابن جرند جينز بالتبنى دعوى قضائية لمنع نشر الرواية فى ألمانيا، ولكنه خسرها فى الاستئناف عام 1968.
قدمت رواية كلاوس مان على «مسرح الشمس» فى باريس من إعداد وإخراج مؤسسته المبدعة أريان منوشكين عام 1979، وفى العام التالى بدأ اشتفان سابو تصوير فيلمه عن الرواية الذى عُرض عام 1981.
 وبالطبع فإن قيمة رواية كلاوس مان ومسرحية منوشكين وفيلم سابو لا تستمد من الحكاية مثل كل الأعمال الفنية الكبيرة، أى حكاية ممثل أغوته السلطة، وإنما من التعبير عن الشخصية على نحو مركب يعبر عن العصر، ويكشف آليات العلاقة بين المثقف والسلطة عموماً، ويحذر من البربرية بكل أشكالها، حتى إن هوفن يبدو غاوياً بقدر ما هو ضحية الإغواء.
كولونيل ريدل
مثّل جرند جينز دور ميفيستو وفاوست معاً، معبراً عن الانقسام الذى عاشه فى حياته عندما باع روحه للشيطان النازى، وكان الشيطان فى داخله فى نفس الوقت، أو أن الشيطان النازى أخرج الشيطان داخله، وربما لا يكون من الغريب، وهو الفنان الحقيقى الموهوب أن ينتهى الأمر به إلى الانتحار.
وفى الحقيقة أيضاً مات كولونيل ألفريد ريدل منتحراً عام 1913. وكان ضابطاً فى الجيش الثامن فى براج ورئيس قسم المخابرات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع فى فيينا عشية سقوط الإمبراطورية النمساوية المجرية.
وفى عام 1924 أزاح إيجون أروين كيش، وهو صحفى من براغ، جدار الصمت حول انتحار ريدل فى كتابه «المخبر الصحفى المتوهج»، الذى جاء فيه أن ريدل أعطى معلومات للروس، وأن الملحق العسكرى الروسى فى فيينا هدده بتأكيد ما يتردد عن أنه مثلى جنسياً ويهودى إذا لم يتعاون معه.
وفى عام 1945 كتب كيش مسرحية عن ريدل عُرضت فى المكسيك بواسطة المهاجرين الألمان هناك. كما كانت قضية ريدل موضوعاً لبحث قام به المؤرخ الأمريكى روبرت ب. أسبرى، وأوحت برواية ستيفان زفايج «عالم الأمس»، ومسرحية جون أوزبورن «بورتريه شخصى».
وبقدر ما كانت النازية شيطان جرند جينز، كان التطلع الطبقى بحكم نشأته فى أسرة فقيرة، والعداء لليهود والمثليين، شيطانى ريدل اللذين دفعاه ليصبح ضابطاً فى جيش الإمبراطورية النمساوية المجرية عندما كان السائد أن يكون الضباط من الطبقة الأرستقراطية.
ومن حيث المشكلة الطبقية كان هذا حال هتلر ذاته، كما أن من سمات النازية الأساسية العداء لليهود ضمن العداء لكل ما هو غير مسيحى، وكل ما هو غير ألمانى، والعداء للمثليين ضمن العداء لكل ما هو «غير طبيعى»، بمن فى ذلك الأغبياء والمتخلفون عقلياً.
هانوسين
أما هانوسين، فهو عن «الساحر» كلاوس شنيدر، الذى أطلق على نفسه اسم إريك يان هانوسين، وكان من أشهر «السحرة» فى أوروبا فى العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، ودوّت شهرته الآفاق عندما «تنبأ» بفوز هتلر فى انتخابات 1933 وحرق البرلمان الألمانى (ريشتاخ) وتحققت نبوءته، ورأى الحزب النازى أن يستعين به، وبقدراته غير العادية، وكان أصله جنديا صغيرا فى جيش الإمبراطورية النمساوية المجرية أثناء الحرب العالمية الأولى.
هانوسين ليس الممثل الذى مثّل دور الشيطان، وتعاون مع شيطان الإنسانية النازى، ثم أصبح من شياطينها بدوره، وليس ريدل الذى قفز من قاع المجتمع إلى قمته، وعانى من شياطين الإنسانية النازيين، وسقط فى الحفرة التى حفرها للآخرين، ولم يحتمل الحياة، فانتحر، وإنما هانوسين هو الشيطان ذاته مجسداً على الأرض على شكل «ساحر» من البشر، يتنبأ بالانتصار السياسى لساحر آخر هو هتلر الذى يبدو وكأنه «سحر» الشعب الألمانى وشعوب أخرى فيما يعرف باسم «كاريزما» الزعماء السياسيين والنجوم فى كل المجالات. وقد ذهب كلاهما، وكل شياطين الإنسانية، إلى الجحيم.
اشتفان سابو
* مجرى.
* مخرج وكاتب سيناريو.
* وُلد عام 1938.
* تخرج فى قسم السينما بأكاديمية الدراما 1961.
* أخرج ثلاثة أفلام تسجيلية و4 أفلام روائية قصيرة من 1961 إلى 1976.
* فاز بالدب الفضى فى مهرجان برلين عام 1979 عن «ثقة» وعام 1992 عن «إيما الوديعة وبوبى العزيز».
* فاز بأوسكار أحسن فيلم أجنبى عام 1982 عن «ميفيستو».
* أفلامه الروائية الطويلة:
1- وقت أحلام النهار 1964
2- أب 1966
3- فيلم عن الحب 1970
4- 25 شارع فريمان 1973
5- الأول 1974
6- حكايات بودابست 1976
7- ثقة 1979
8- الطائر الأخضر 1979
9- ميفيستو 1981
10- مسرحية القطط 1982
11- بال 1983
12- كولونيل ريدل 1984
13- هانوسين 1988
14- لقاء فينوس 1991
15- إيما الوديعة وبوبى العزيز 1992
16- شروق الشمس 1999
17- الانحياز 2001
18- أن تكونى جوليا 2004
19- أقارب 2006
 [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.