يستحيل أن يتسنى لأحد متابعة الكم الهائل من المسلسلات والبرامج فى رمضان هذا العام وكأن الجميع قد نسوا أو تناسوا أن اليوم أربع وعشرون ساعة.. وأضيف بحكم المهنة متابعة الأخبار والقراءة، سواء الأدبية أو الصحفية والتى قدمت فيها «المصرى اليوم» وجبة رائعة بسلسلة الأديب الكبير جمال الغيطانى عن المساجد المصرية على مر العصور والتى اعتبرتها إعادة اكتشاف عبقرية المكان ومن ثم إحياء الانتماء.. فقد تابعت بشغف هذه السلسلة الرائعة الممزوجة بحب الوطن ومعرفة قدره بالغوص فى ثنايا النفس أو الشخصية المصرية التى تبدع وتبتكر فى أوقات الوهج والانتفاضة، انتفاضة الروح المصرية.. تلك الروح التى نرى انطفاءها فى أزمنة الوهن ويقول الغيطانى بحق إنه لا شىء يكسر روح المصريين إلا الإهانة والعسف وجهل القائمين على أمورها بقيمتها وقيمة شعبها.. استخلص الغيطانى جهر الشخصية المصرية من قراءته لفنون المعمار على مر التأريخ وفتح طاقة حب أصيل حقيقى بين المواطن والوطن - وبين المسلسلات الفنية كنت قد عقدت العزم على مشاهدة مسلسل ليلى مراد لأسباب عديدة سبق لى تفصيلها وتتلخص فى أننى أحب هذه الفنانة الفريدة.. صوتاً وصورة.. إلى حد العشق المتأصل فى جذور الروح.. وكانت صدمتى عميقة عندما تبين لى أن كل من نفذ هذا العمل لا يدرك قيمة صوت ليلى مراد.. فهذا الصوت البديع الذى قال عنه الموسيقار محمد عبدالوهاب إنه «صوت لا تخطئة الأذن» وأضاف «إنها قيثارة السماء» - كيف هان عليهم حجبه؟ وكيف لم يدركوا أن أى مطربة مع كامل الاحترام لها، يستحيل أن تشدو ب«قلبى دليلى» أو غيرها من أغانيها التى لاتزال تشجينا وتنفذ إلى قلوبنا وتغسل وجداننا، كيف يقنعوننا «بانبهار» الجماهير.. من الملك وحتى أصغر مواطن، بصوت.. غير صوت قيثارة السماء؟ إن صوت ليلى مراد هو الذى فتح لها أبواب السينما والمجد وحب الجماهير قبل أن تتأكد موهبتها فى مجال التمثيل.. وهذه ليست خيبة الأمل الوحيدة والذنب ليس ذنب الفنانة العربية السورية التى عهدوا إليها بتقمص شخصية ليلى مراد وكان من سوء حظها وحظهم، أن القنوات الفضائية عرضت أفلام لليلى مراد ذات الكاريزيما المبهرة والحيوية وخفة الظل وقبل ذلك وبعده، الموهبة، التى صنعت مجد سندريللا السينما فى الأربعينيات ومنتصف الخمسينيات.. وقد شاهدت أعمالاً للفنان أحمد فلوكس وكان جيداً جداً ولكنه فى دور أنور وجدى وبالتأكيد حسب تعليمات المخرج، كان مرهقاً وكأن رأسه مركب على «زمبلك» فأصابنا بالدوار وأفقد الشخصية أى مصداقية.. ونظراً لأن اليوم أربع وعشرون ساعة كما أشرت لم أتمكن من متابعة أى مسلسل آخر إلا «حرب الجواسيس» وشعرت بشىء يماثل ما لمسته فى مقالات الغيطانى عن مصر شعرت أن بشير الديك لم يؤذن فى مالطة عندما اختار قصة الراحل الكبير المعجون بحب الوطن صالح مرسى.. فقد جاء «أذان» الديك فى وقته وسط الحملة الشرسة التى تستهدف «الروح المصرية» وتستقتل فى بث روح الهزيمة والدونية.. أتمنى أن يعاد بث هذا المسلسل على جميع القنوات الأرضية خاصة أنه إلى جانب نبل القضية وثرائها قد تابعنا مباراة فى التمثيل بقيادة المايسترو نادر جلال مخرج العمل.. كان هشام سليم فناناً قديراً متمكناً من أدواته، جسد بعبقرية حقيقية دور ضابط المخابرات الواعى بدسائس الأعداء ومؤامراتهم وأساليبهم الخسيسة وكانت منة شلبى - التى أتنبأ لها بمستقبل باهر- قمة فى التعبير عن خوالج شخصية مليئة بالتفاعلات النفسية الإنسانية كما أدى الفنان السورى العربى باسم ياخور دورا سيسجل فى تاريخه الفنى - ويبقى أن الفنان الشاب شريف سلامة قد أتيح له فى هذا المسلسل إظهار قدراته وأتصور أنه نقطة انطلاقه إلى نجومية أكيدة.. المجال لا يسع، لكن الجميع تقريباً كانوا على المستوى وما أحوجنا إلى إبداعات من «يقدرون مصر والمصريين» ويحيون الانتماء لهذا الوطن الذى تعرض لهجوم «تتارى» حجب كل أذان.. حتى أذان الديك.. الذى تحداهم وعاد يصدح.