بين أسر بسيطة فقدت عائلها، أو عجزت عن توفير دخلها اليومى لظروف مرضية، أو وصل عدد أطفالها إلى أكثر مما يتحمل «أب» يعمل باليومية.. تقدم «المصرى اليوم» حلقات يومية تروى من خلالها بعض القصص الإنسانية لأسر لم تجد وسيلة تعينها على الحياة سوى مساعدات جمعية «دار الأورمان» الخيرية، التى قدمت لهم- من خلال 14 فرعًا لها فى المحافظات- مشروعين تحولا بمرور الوقت إلى تجارة انتفع منها آلاف الأسر وهما مشروعا «البقرة العُشر» و«كشك الحلويات»، هذه الموضوعات التالية ترصد «المصرى اليوم» الوضع، بعد مرور سنوات على المشروع، ومدى انتفاع الأسر بها، من خلال زيارتهم فى منازلهم البسيطة، فى قرى نائية قد لا يسمع عنها البعض، تمتد من الوجه البحرى شمالاً «المنوفية والبحيرة والدقهلية والغربية»، إلى الوجه القبلى فى بنى سويف والفيوم وقنا وسوهاج وأسيوط، وتفتح بابا لأسر أخرى قد لا يعلمون كيف تصل شكاواهم إلى الجمعية، أو الإجراءات المطلوبة التى تتلخص فى الاتصال بالخط الساخن 19455، الذى يتم من خلاله تلقى التبرعات على حساب يحمل نفس الرقم فى بنوك مصر. شهور عديدة قضتها مصورة عبد الحميد محمد، بين الشؤون الاجتماعية، والبحث عن عمل لتنفق منه على أبنائها الخمسة، بعد وفاة زوجها، الذى لم تكن له مهنة سوى «الفلاحة» إذ كان يتنقل للعمل باليومية بين الأراضى التى يمتلكها جيرانه ليعود إلى منزله ببضعة جنيهات، وبعض الحبوب التى يطعم بها الطيور التى ربتها «مصورة» على سطح المنزل . وبعد وفاة زوجها حاولت «مصورة» البحث عن عمل يعينها على حاجات أولادها ويساندها مع معاش الشؤون الاجتماعية الذى لا يتعدى 79 جنيهاً، وبعد شهور من البحث نصحها أحد الجيران بتقديم شهادة وفاة زوجها وشهادات ميلاد أبنائها الخمسة إلى جمعية دار الأورمان الخيرية، وبالفعل حصلت على بقرة «عُشر» أنفقت منها، وكانت بمثابة عكازها الذى استندت عليه ليعينها على تربية أبنائها وتزويجهم. فى منزل بسيط بقرية «ميانة» بمحافظة بنى سويف، تقيم مصورة وأبناؤها، بمجرد طرقنا بابها فتح «محمد»، أحد أحفادها.. وجدنا أسرة «مصورة» مجتمعة فى إحدى الغرف أمام التليفزيون، بينما وقف أحفادها يلعبون مع بقرة صغيرة لم تمر على ولادتها عدة أسابيع. جلست مصورة بجوار بقرتها وروت لنا تفاصيل مأساة سنوات شقائها منذ وفاة زوجها حتى لحظة حصولها على البقرة «العُشر» التى كانت فاتحة خير عليها –على حد وصفها- وقالت: «مات زوجى بالسكتة القلبية، فلم يكن يشكو من مرض قبل وفاته، لكنه قضاء الله وقدره أن يتركنا (أبو العيال) فى غفلة، تاركاً لى حِمل 3 بنات وولدين أكبرهم وقتها كان عمره 13 سنة وأصغرهم 11 شهراً فقط، وأصبح فى رقبتى (كوم لحم) لا يقدر أحدهم على تحمل المسؤولية أو العمل للإنفاق على إخوته، فحاولت البحث عن عمل ولكن كان صعب علىّ أن أترك أبنائى الصغار دون أحد يرعاهم، فأجدادهم متوفون، ولا يوجد عم أو خال يتحمل مسؤوليتهم، فتوجهت إلى دار الأورمان بأوراقى، وخلال شهرين حصلت على البقرة (العُشْر». ظروف مصورة منعتها من تعليم بناتها الثلاث، ولكن مع تحسن أحوالها المادية، خاصة مع تكرار ولادة «البقرة» لصغار جدد، قامت بتربيتها وبيعها، واستطاعت أن تلحق أبناءها بفصول محو الأمية، ليتعلموا القراءة والكتابة، وعلى حد قول مصورة «حاجة تنفعهم فى حياتهم ليهم ولأولادهم»، وأضافت: «بمجرد أن ولدت البقرة وليدها الأول ربيته عدة أشهر ثم بعته لشراء جهاز ابنتى الكبرى، ومساعدة البنات الثلاث على التعليم فى فصول محو الأمية، إلى جانب دراسة أخويهم حتى حصلا على الدبلوم، أما البنات فكل منهن تعلمت تقرأ وتكتب وهذا يكفى، ثم ولدت البقرة مرة أخرى وقمت ببيعها أيضا وزوجت ابنتى الثانية، والآن وضعت البقرة وليدها الثالث حيث أقوم بتربيته ليصل إلى وزن معقول لأتمكن من بيعه لتجهيز ابنتى الثالثة». لم يكن ولدا «مصورة» موجودين بالمنزل لحظة وجودنا، حيث إن أحدهما فى الجيش، والآخر اتخذ نفس منهج والده وعمل بالزراعة ليساعد والدته فى مصاريف المنزل.